ملخص
تواجه إدارة النفايات في باريس تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة
باريس، واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، تستقطب ملايين الزوار سنوياً بفضل تاريخها العريق وتراثها الثقافي الغني، ومعالمها السياحية البارزة مثل "برج إيفل" و"اللوفر" و"الشانزليزيه". ومع ذلك، يثير واقع النظافة في باريس مخاوف وتساؤلات لدى السكان المحليين والزوار على حد سواء. فتراكم النفايات في الأماكن العامة وحول المعالم السياحية الشهيرة يفضح صورة غير مرضية، مما يعزز الحاجة إلى تحسين إدارة النفايات والنظافة في العاصمة الفرنسية.
ووفقاً للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "أوبنيون واي" لصالح صحيفة "لو باريزيان"، رأى 66 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أن صورة باريس قد تدهورت، واعتبر 58 في المئة أن الحياة في العاصمة الفرنسية أصبحت مملة وأقل متعة، كما أظهرت النتائج المستخلصة من الاستطلاع أن 71 في المئة من الفرنسيين غير راضين ويرون أن باريس غير نظيفة.
4 ملايين جرذ
وفي باريس، يصعب تقدير عدد الجرذان بدقة، ويقدر محترفو مكافحة الجرذان أن هناك نحو 4 ملايين جرذ في باريس تستولي على العاصمة وتشكل تهديداً محتملاً مما يمثل نسبة تراوح ما بين 1.5 وجرذين لكل شخص.
وقبل بضعة أشهر من انطلاق الألعاب الأولمبية، التي ستلفت انتباه العالم إلى العاصمة الفرنسية، أصبح انتشار الجرذان موضوعاً حساساً للغاية، إذ بدأت هذه الظاهرة تنافس حتى المعالم الباريسية في الشهرة، مما يلقي بظلال سلبية على سمعة العاصمة كواحدة من أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم. ويوثق هذا الانتشار المقلق من خلال مقاطع فيديو تظهر الجرذان في الأماكن العامة مثل الشوارع والمطاعم والفنادق، مما يسلط الضوء على التحدي الذي تواجهه السلطات المحلية في التصدي لهذه المشكلة.
ولمواجهة هذا التحدي، شهدت بلدية باريس جهوداً مكثفة في السنوات الأخيرة، إذ تم تنفيذ نحو 5 آلاف عملية لمكافحة الجرذان، إضافة إلى معالجة 200 حديقة و600 مبنى للتخلص من الفئران، وتم فرض غرامات على 140 شخصاً بتهمة إطعام القوارض، واستبدال 327 صندوق قمامة في الشوارع بحاويات محكمة الإغلاق.
ومن أسباب انتشار الفئران زيادة كميات النفايات في الأماكن العامة، إضافة إلى ضعف إدارة النفايات في بعض المناطق، ووجود بنية تحتية قديمة توفر للفئران ممرات وملاذات قريبة من المباني والمنازل. فضلاً عن ذلك البيئة الحضرية الخصبة وتراكم الطعام في الشوارع يوفران مصادر سهلة لتغذية الفئران، مما يزيد من انتشارها. ويتسبب التشييد المستمر والتغيرات في البيئة في تغيير أنماط وجود الفئران وزيادة انتشارها، إضافة إلى التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية على توزيعها في المناطق الحضرية. ولمواجهة هذه المشكلة، اتخذت مصالح النظافة في باريس إجراءات عدة، بما في ذلك إغلاق بعض المنشآت التي لم تلتزم سياسات النظافة، بخاصة في المناطق الحساسة مثل مناطق الجذب السياحي الرئيسة والأماكن العامة كالحدائق.
إدارة النفايات
وتواجه إدارة النفايات في باريس تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، ويصل إنتاج النفايات اليومي إلى نحو 3 آلاف طن، مما يضع ضغطاً هائلاً على أنظمة النظافة، وعلى رغم الجهود المبذولة لمواجهة التحديات البيئية المتنامية، فإنه قد يكون من الصعب حل المشكلة بصورة كاملة.
في العاصمة باريس، يعمل نحو 5 آلاف عامل نظافة في جمع القمامة، ومع ذلك، فإن هذا العدد لا يكفي بسبب الحوادث المرتبطة بالعمل والإجازات المرضية.
وتسهم التغيرات في عادات التسوق، مثل الزيادة السريعة للتجارة الإلكترونية وثقافة الاستهلاك الزائد، في زيادة كميات النفايات بصورة كبيرة. وتتزايد الضغوط على أنظمة إدارة النفايات نتيجة إنتاج مزيد من النفايات من قبل السكان. وتعد السياحة أيضاً عاملاً مساهماً في تفاقم مشكلة النفايات، إذ يترك الزوار القمامة في المواقع السياحية البارزة، مما يزيد من ضغط خدمات التنظيف. وتلعب السياسات البلدية دوراً في هذا التحول، إذ إن السياسات البيئية المرنة قد أدت إلى ضعف الجهود المبذولة للحفاظ على نظافة الشوارع وتقليل كمية النفايات. وعبر التاريخ واجهت باريس عديداً من التحديات الصحية والأوبئة، وقد سعت إلى تحسين النظافة من خلال سياسات حكومية وجهود جماعية. ومع ذلك فإن التحدي البيئي الحالي يتطلب استجابة شاملة وفعالة من السلطات المحلية والمواطنين والقطاع الخاص، من خلال اتخاذ إجراءات متعددة، يمكن معها تحسين النظافة العامة وإدارة النفايات بصورة أكثر فاعلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولتحقيق هدف القضاء على انتشار الفئران يجب أن تعمل السلطات المحلية على تعزيز تطبيق السياسات الصحية والنظافة، ويشمل الأمر تكثيف جهود مكافحة القوارض ومراقبة البيئة لتوفير ظروف غير ملائمة لتكاثرها. كما يجب مواصلة تحسين برامج إزالة القمامة والمخلفات الغذائية في المطاعم والفنادق، للحد من المواد التي تجذب الفئران. أما في ما يتعلق بتحدي إدارة النفايات فيجب تعزيز الجهود لتشجيع إعادة التدوير والتخلص الآمن من النفايات، من خلال زيادة التوعية حول فصل النفايات وتوفير مرافق إعادة التدوير في المناطق العامة، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا لتحسين عمليات جمع النفايات وتحديد الأماكن التي تحتاج إلى اهتمام خاص. عموماً يتطلب التغلب على هذه التحديات جهوداً تعاونية ومستمرة من جميع الأطراف المعنية، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وتعزيز ثقافة النظافة بين المواطنين وزوار المدينة. وهذا النهج المتكامل يمكن أن يسهم في تحقيق نتائج إيجابية وفعالة في مكافحة انتشار الفئران وتحسين إدارة النفايات في باريس.
رد البلدية
وقالت المتحدثة الرسمية باسم بلدية باريس أديلين ماتيو إلى "اندبندنت عربية" إن البلديات الباريسية حولت أكياس القمامة في الحدائق إلى حاويات مغلقة وصناديق للنفايات لتسهيل عمليات الفرز. وأضافت "تم تجهيز 250 حديقة بملاجئ للحاويات و221 موقعاً بصناديق دحرجة"، وأشارت ماتيو إلى أنه تم نشر نماذج جديدة من صناديق القمامة وحماية النفايات على الطرق العامة، بما في ذلك 335 صندوقاً مضغوطاً يتسع لأضعاف النفايات و4100 حاوية للنفايات مجهزة بمنافض سجائر.
وفي ما يتعلق بمكافحة انتشار الجرذان، أشارت المتحدثة الرسمية باسم بلدية باريس إلى أن البلدية اتخذت إجراءات مستهدفة في الصرف الصحي للحد من أعداد الجرذان، مشددة على ضرورة أن يتحمل المالكون مسؤولية اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة انتشار الجرذان في الحدائق الخاصة والفناءات ومصانع النبيذ. ولفتت ماتيو إلى أن السيطرة المباشرة ليست كافية، وقالت إن باريس تقوم، كل عام، بأكثر من 7 آلاف تدخل ضد القوارض (الجرذان والفئران) في المجال العام (المساحات الخضراء والطرق والمباني وما إلى ذلك).
شهادات
وبهدف فهم أفضل لواقع الحياة في باريس، التقت "اندبندنت عربية" عدداً من سكان العاصمة، من بينهم رانية، وهي مهندسة تعيش في فرنسا منذ سنوات، وعبرت رانية بوضوح عن استيائها من الحالة المتردية في الأحياء الباريسية، مع تفشي الكلاب الضالة والفئران وتهديدات الأمراض المعدية "الأحياء هنا متسخة جداً، ومع انتشار الكلاب والفئران والأوبئة، الأمر مقلق للغاية. لو كان لدينا الاختيار لفضلنا العيش في أي مكان آخر".
وطرحت رانية سؤالاً عن دور السلطات المحلية في حل هذه المشكلات، وبرأيها، يجب على السلطات تكثيف جهودها للتصدي لهذا الوضع "أين دور البلدية في معالجة هذه المشكلات؟ لا بد أن تكثف جهودها في معالجة هذا الإشكال".
ورأت سلفي، من جهتها، وهي مدرسة، أن المسؤولية تقع على عاتق السكان، وقالت "أعتقد أن باريس تعاني فعلاً من مشكلات في النظافة. للأسف، هناك عديد من الأشخاص الذين لا يلتزمون القواعد ويرمون النفايات على الأرض بدلاً من وضعها في السلة المخصصة لها، مما يسهم في تراكم القمامة في بعض الأحيان." وأضافت "يعيش في باريس عدد كبير من السكان، مما يجعل من الصعب على الخدمات البلدية الحفاظ على نظافة جميع المناطق. هذا يتطلب توفير موارد كبيرة لجمع ومعالجة النفايات بصورة فعالة، وقد لا تكون البنية التحتية الحالية كافية لتلبية هذا الطلب المتزايد."
كما أظهرت تصريحات مجدي وجهة نظره بوضوح قائلاً "لم تعد باريس كما كانت في السابق، فالفضلات والكلاب موجودة في كل مكان في الأحياء، مع انتشار المخيمات في كل مكان خصوصاً ليلاً. لا أفهم من المسؤول عن كل هذا التلوث، لكن الأمر مزعج حقاً".
وأسهمت عوامل عدة، بما في ذلك النمو السكاني والتغيرات في أنماط الاستهلاك والسياسات البلدية والسياحة الجماعية، في تحول باريس من مدينة النور إلى مدينة تطغى عليها النفايات. ولعكس هذا الاتجاه، سيكون من الضروري اتخاذ تدابير جذرية لتحسين إدارة النفايات واستعادة سمعة باريس كعاصمة نظيفة ومحافظة. ويبقى السؤال المطروح حول ماهية الصورة التي ستشهدها باريس خلال مدة استضافتها الألعاب الأولمبية، فهل ستحقق تحسناً ملموساً في نظافة الطرقات؟