تداعيات عديدة رافقت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي تعد أوسع وأخطر عملية إرهابية في التاريخ الحديث شهدتها الولايات المتحدة بعد استهداف برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون بأربع طائرات نقل مدني تجارية، ونتج عنها سقوط آلاف الضحايا.
أكثر فصول تداعيات استهداف تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن هو ما اتفق عليه المراقبون بأن نظرة العالم الغربي إلى العالمين العربي والإسلامي بدت نظرة تحمل الكثير من الريبة منذ ذلك التاريخ، وغيرت هجمات 11 سبتمبر وجه الولايات المتحدة إلى الأبد، وقلبت استراتيجياتها الدبلوماسية وسياستها الأمنية لتبقى في حرب دائمة ضد الإرهاب الجهادي، وفي مواجهة هذه التهديدات والاعتداءات الإرهابية أصدرت السلطات الأميركية قانون مكافحة الإرهاب (باتريوت آكت) الذي منح وكالات المخابرات الأميركية صلاحيات غير مشروطة تحت مظلة الحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي الأميركي، للتجسّس على الناس، داخل الولايات المتحدة وخارجها، واتجه مكتب التحقيق الفيدرالي "اف. بي. آي" لتجنيد المخبرين لمتابعة المسلمين وترقب تحركاتهم تبعه ما حدث، حين قامت الولايات المتحدة بالتشديد في منح التأشيرات الدراسية لآلاف الطلبة السعوديين الذين فاق عددهم خلال تلك السنوات أكثر من 30 ألف طالب، وأصبح الخوف والانعزال ينتشران في صفوف طلبة الإبتعاث السعوديين المقيمين فيها. وكانت الهجمات الأعنف والأقسى على الأميركيين قد بدأت تلقي بظلالها على معاملة السعوديين في المطارات الأميركية، ويصف الملحق الثقافي السعودي في الولايات المتحدة الدكتور محمد العيسى لـ"اندبندنت عربية" الحال آنذاك: " كان الحدث ملتبسا في ذلك الوقت، وكانت هناك شكوك لم تثبت صحتها ولكنها عملت على إثارة الرأي العام في أميركا وأدت إلى التدقيق المشوب بالحذر في تلك السنوات حول السماح للمبتعثين السعوديين بالبقاء من أجل الدراسة، أو عدم السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، وقد أثر ذلك على الكثيرين من مبتعثينا الذين اضطروا إلى البحث عن مواقع وأماكن جامعية في دول أخرى يكملون فيها دراستهم خارج الولايات المتحدة".
انعكاس الهجوم على عودة الطلبة
وعن انعكاس ذلك على عودة الطلبة السعوديين لإكمال دراستهم في أميركا خصوصاً بعد قضاء إجازاتهم في السعودية، قال العيسى: "انعكس ذلك الهجوم على عودة الطلبة السعوديين حينها، ولعل ذلك يعود أيضا إلى التشابه في الأسماء والألقاب لبعض العائلات التي اشتبهت في ضلوع أحد أفرادها في هذه الكارثة المريرة، ولقد التزمت الملحقية في تلك الفترة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين سفر الطلاب وتحويل بعثاتهم إلى الخارج أو إنهائها لمن يرغبون في ذلك، إلى أن عادت الأمور إلى نصابها تدريجيا خاصة بعد الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى أميركا عام 2005-وكان ولي العهد حينها-وكانت هذه الزيارة بمثابة إعلان عن اتفاق بين البلدين على ضرورة تذليل العقبات أمام المواطنين السعوديين في دخولهم وخروجهم إلى الولايات المتحدة الأميركية وخاصة الطلاب الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم بها، وكان للبيان الصادر عن هذه الزيارة أثره الإيجابي الكبير على الجانبين، حيث صدرت من الجانب السعودي موافقة على ابتعاث الطلاب السعوديين لمواصلة دراستهم وبدء إجراءات ابتعاثهم إلى الخارج. أما بالنسبة للجانب الأميركي، فقد تحرك المسؤولون في دوائر وزارة الخارجية وأجهزة الأمن والهجرة، وبذلوا مساعيهم من أجل إعادة جذب وتشجيع الطلاب للالتحاق بالجامعات الأميركية، وكان هذا الإعلان عن بدء برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والقرار الصادر بشأنه في الثاني والعشرين من شهر مايو (آيار)عام 2005 من أبرز القرارات التاريخية في مجال التعليم والابتعاث بالمملكة، والتي تؤرخ لبداية طفرة غير مسبوقة في ابتعاث الطلاب السعوديين والسعوديات لمواصلة دراستهم الجامعية والعليا بالولايات المتحدة والحصول على درجات علمية تلبي حاجات سوق العمل ومتطلبات التنمية بأعداد لم يحدث مثلها في تاريخ الابتعاث من قبل".
عودة الأندية الطلابية السعودية لممارسة أنشطتها
بالمقابل مازال الكثير من المراقبين يدفعهم الفضول لتتبع أوضاع السعوديين في أميركا متسائلين هل لازالت أحداث 11 سبتمبر تشكل حرجا على المبتعثين السعوديين هناك وهو ما كرست الملحقية جهودها من أجله. يقول العيسى "لقد تغيرت الأوضاع إلى حد كبير، وكان للتنسيق بين الملحقية والأجهزة المعنية بالأمن والإقامة والدراسة في أميركا أثر كبير في غياب هذا الحرج أو انتفائه ولقد سمح ذلك كثيرا بالمزيد من الاستقرار وعودة الطلاب لممارسة دراستهم وأنشطتهم، وتمثيل المملكة داخل جامعاتهم، كما أن عودة الأندية الطلابية السعودية لممارسة أنشطتها الثقافية والفنية والاجتماعية تحت مظلة الجامعة ووفق قواعد إنشائها وقوانينها، كان لها دورها الكبير في إتاحة الفرصة لتمثيل الطلاب داخل المنظومة التعليمية والمجتمع الطلابي، وزيادة أعدادهم لتصبح السعودية واحدة من بين قائمة أكبر الدول ابتعاثا لطلابها في الولايات المتحدة، حيث جاءت في العام الدراسي 2015 ـ 2016 في المرتبة الثالثة بعد الصين والهند بين العشرة الأوائل المسجلين بمؤسسات التعليم العالي خارج أوطانهم وبإجمالي قدره 61287 طالبا وطالبة من غير المرافقين، فيما بلغ عددهم الإجمالي مبتعثين ومرافقين ودارسين على حسابهم الخاص نحو 130 ألف سعودي وسعودية".
وتابع العيسى وصفه للعلاقات الثنائية الدولية بين البلدين "العلاقات السعودية الأميركية علاقات راسخة في مختلف الشؤون وتقوم على الاحترام المتبادل بين البلدين والشعبين الصديقين، وعلى ضرورة تذليل العقبات وتسهيل الإجراءات في كثير من الجوانب وخاصة ما يتعلق بمسؤولية الملحقية عن العلاقات الجامعية واتفاقيات التعاون العلمي والأكاديمي بين البلدين، وتقوم الملحقية بدور أساس في التواصل المباشر مع كافة أفراد المجتمع الأميركي ومواطنيه للتعريف بالشخصية السعودية ومكوناتها الحضارية والثقافية ودورها الحقيقي الذي تقوم به بين دول العالم، وهي تعتمد اعتمادا رئيسيا في تحقيق ذلك على الأندية الطلابية السعودية وما تقدمه من أنشطة داخل الجامعات ومن خلال مبتعثيها الذين يوصفون بكونهم رموزا إعلامية وثقافية فعالة ذات قدرة على تحقيق التفاهم المنشود بين المجتمعين السعودي والأميركي، وتستكمل الملحقية الثقافية مسيرتها في الابتعاث بتقنية متطورة وعلاقات مباشرة مع الطلاب وتواصل غير مسبوق مع المؤسسات العلمية والثقافية والشخصيات الفاعلة بين البلدين، كما أن الأندية الطلابية استطاعت من خلال الأنشطة الثقافية إيصال الرسالة الحقيقية لوجه السعودية والسعوديين، وهو ما لم تستطع وسائل الإعلام إيصاله إذ بلغ عدد الأنشطة الثقافية التي قامت بها الأندية الطلابية البالغ عددها 300 ناد طلابي في الـ50 ولاية أميركية ، بلغ عدد الأنشطة أكثر من 8000 نشاط ثقافي واجتماعي خلال الفترة من 2010 – 2019. ".
السعودية عانت من اعتداءات الإرهاب
وعلى الرغم من أنه لم يثبت أي ضلوع رسمي للسعودية في الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة، كما أنها ليست مصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب، وفق ما أعلنته لجنة المخابرات في مجلس النواب الأميركي بعد أن رفعت السرية عن 28 صفحة من التقرير الرسمي السري لهجمات 11 سبتمبر الذي ثبت فيه بشكل نهائي وقاطع عدم وجود صلات وارتباط بين السلطات السعودية ومنفذي الهجمات، على الرغم من كل ذلك، إلا أن أغلبية في المجتمع الأميركي لا يعرفون عن السعودية إلا ما ظهر لهم من أن 15 عنصرا إرهابيا من أصل الـ19 الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر هم سعوديون، وغاب عنهم أن السعودية عانت الكثير من اعتداءات الإرهاب، وضربات شرسة من تنظيم القاعدة داخل مدنها وعلى مساحات مناطقها المترامية الأطراف. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 تم استهداف مكاتب البعثة العسكرية الأميركية بالرياض، وشهدت مدينة الخبر شرق السعودية هجومين إرهابيين في عامي 1995و 2000، وتوالت هجمات الإرهاب الممنهجة باستهداف المجمعات السكنية داخل المدن السعودية تزامنت مع هجمات إرهابية متفرقة حتى وصلت لمحاولة اغتيال فاشلة للأمير محمد بن نايف حين كان مساعدا لوزير الداخلية عام 2009، أعقبه استهداف إرهابي لرجال الأمن في السعودية وظهور ما عرف باسم إرهاب العوامية عندما شهدت محافظة القطيف سلسلة من الأحداث الإرهابية تزامنت مع ما تبذله الحكومة السعودية من جهود مكثفة لمحاربة الإرهاب والتطرف إقليميا وعالميا، وتقود في داخل أراضيها وخارجها حربا لا هوادة فيها للقضاء على الإرهاب.
"كان السعودي مرحباً به بشكل كبير قبل الحادي عشر من سبتمبر، بعكس السنوات الخمس التي تلت ذلك اليوم الكارثي". كان هذا ما قاله نايف السبيعي الذي يدير مكتب اتجاهات للدراسة بالخارج وهو الذي تأسس قبل 4 عقود. السبيعي يروي تفاصيل القبول بالجامعات الأميركية بالنسبة للطلاب ما قبل 11 سبتمبر، وأنها لا تتجاوز أياماً معدودة للحصول على تأشيرة دخوله لبلاد العم سام، بينما أصبح البعض ينتظر بالأشهر بعد هجمات سبتمبر، وقد ينتهي أمره بالرفض وهي نسبة ضئيلة لكنها لم تكن معتادة ما قبل".
ثمة تشديد قوي وإجراءات دقيقة ومعقدة في المطارات الأميركية أعقبت حادثة البرجين هذا ما يقوله السبيعي، ويضيف " تأشيرة f1/f2 ينتظر طالبها بالأشهر وهي خاصة، بينما تأشيرة M1 وهي الخاصة بطلاب الطيران أصبحت صعبة للغاية، نتقدم بطلب لـ10 طلاب ويتم قبول اثنين منهم والبقية ينتظرون لـ3 أو 6 أشهر".
لكن الرجل الأكاديمي الذي يعمل على تسهيل أمر مبتعثي بلاده بالقبول في الجامعات الأميركية يؤكد أن برنامج الابتعاث الذي تتكفل به الحكومة السعودية ساهم وبشكل كبير في تغيير الصورة النمطية التي كانت عليها السعودية بعد 5 سنوات من أحداث سبتمبر بسبب الماكنة الإعلامية التي عملت على تشويه صورة البلد، بحسب قوله.