Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التهديدات الصينية التكنولوجية لا يستخف بها

مقاربة "النهج الحكومي الشامل" هي السبيل الوحيد لمواجهة التأثير الصيني في المؤسسات الوطنية في المملكة المتحدة

هناك غموض يلف القطاعين العام والخاص في الصين وهذا ما بدل من مفاهيم الأمن القومي (أ ب)

ملخص

دعوات في بريطانية إلى مواجهة الخطر الصيني في مجال العلوم والتكنولوجيا

عندما تواجهون خطراً كبيراً وأحياناً صعباً على الاكتشاف، فإن المتوقع غالباً أنكم ستتخذون خطوات لحماية أنفسكم من ذلك الخطر المفترض. وبكل الأحوال، فمن المؤكد، أنكم لن تقفوا متفرجين.

لكن، وفيما تواجه بريطانيا خطراً مماثلاً مصدره الصين - وهو تهديد كبير وفي بعض الأحيان يبدو متعذراً اكتشافه - فإن بريطانيا تبدو وكأنها لا تفعل إلا قليلاً، ناهيك عن التحديق بدهشة كبيرة على الخطر الماثل أمامها.

وحذرت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني من أن نهج "كل عناصر الدولة" [من أجل هدف محدد] الذي تتبناه الصين والقائم على تجنيد المؤسسات الحكومية والشركات والمواطنين، وعلى رغم أنه نهج يصعب اكتشافه إلا أنه يتعارض مع قيمنا. فمن إنشاء مراكز شرطة في الخارج إلى سرقة الملكية الفكرية من الجامعات والشركات الصناعية، يشكل هذا اعتداء متعدد الجوانب على أمننا وازدهارنا وديمقراطيتنا الليبرالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مواجهة ذلك، قالت الحكومة البريطانية إن "علينا قطع مسار طويل" قبل التوصل إلى وضع استراتيجية [وطنية للتعامل] مع الصين، تعتمد على التفكير المستقبلي، واستغلال مقاربة ’النهج الحكومي الشامل‘" [يشير إلى الأنشطة المشتركة التي تقوم بها مختلف الوزارات والإدارات العامة والوكالات العامة من أجل توفير حل مشترك لمشاكل أو قضايا معينة]. لقد أصبح تحقيق ذلك أمر طال انتظاره، والصين تستغل ذلك. وأظهرت دراسة أعدتها مؤسسة "سيفيتاس" Civitas، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2023، أن ما يزيد على ثلث التمويل الصيني، والمنح، وأي مساهمات تقوم في دفعها إلى الجامعات في المملكة المتحدة، تأتي من كيانات ذات صلة بالقطاع العسكري الصيني، وحوالى 20 في المئة منها يأتي من كيانات صينية مشمولة بعقوبات أميركية.

وكما حذر المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني "أم أي 5" MI5 أخيراً، إن كنتم تعملون في مجال التكنولوجيا المتطورة جداً حالياً، "فإنكم ربما لن تكونوا مهتمين كثيراً بالجيوبوليتيك العالمي، إلا أن [اللاعبين في] الجيوبوليتيك العالمي بالتأكيد مهتمون بكم". ولا يخفى على أحد أن نوايا الصين الجيوسياسية والاقتصادية تسير دوماً بموازاة بعضها بعضاً. في الواقع، إن الصين تقوم بنفسها بالترويج لذلك الأمر. إن خطة "صنع في الصين 2025" Made in China 2025، تبرز الاهتمام الحكومي في قطاعات عدة هي الذكاء الاصطناعي، والتكولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا المركبات الكهربائية، وقطاع الصيدلة، وكلها قطاعات مستهدفة من الدولة الصينية لغاية السيطرة العالمية. في العام الماضي، أكد كل من رئيس الاستخبارات البريطانية الداخلية "أم أي 5" MI5، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "أف بي آي" FBI، بأن الأهداف التكنولوجية الصينية التي وضعت تحت عنوان "صنع في الصين" لا يمكن تحقيقها من دون اللجوء إلى أساليب غير مشروعة.

ويظهر النهج الصيني القائم على "كل عناصر الدولة"، جلياً إلى حد كبير في قطاع علم الجينوم مثلاً، وما يرتبط به من قطاع تكنولوجيا علم الأحياء، فهو مجال يقع ضمن اختصاص علوم الأحياء ككل. علم الجينوم، وهو مجال دراسة التركيب الجيني للإنسان، وكيفية تفاعل الجينات مع بعضها بعضاً - يتيح وضع خريطة المكونات الجسدية والعقلية والتعرف من خلالها على ما قد يهدد الإنسان من أمراض. وبينما يسلط العلم الضوء على روابط جديدة بين الحمض النووي والصفات البشرية، فإن الوصول إلى البيانات الوراثية الجينية لمجموعات سكانية مختلفة يمنح البلدان أفضلية استراتيجية.

لهذا السبب ترى الصين أن البيانات الجينية هي بمثابة "اكتشاف نوع جديد من الذهب". وبعض نواحي التكنولوجيا تلك لها استخدامات مزدوجة، وقد تستغل بشكل مسيء: إذ يمكن أن يؤدي إلى تزويد جنود بقدرات معززة، أو يمكن تزويدهم بفيروسات مهندسة خصيصاً. ومن خلال تقارير متداولة فإننا نعلم أن حكومة بكين كانت بدأت أصلاً تجاربها في هذا المجال.

إن كبرى الشركات الصينية التي تعمل في مجال علم الجينوم، وهي "مجموعة بي جي آي" BGI Group، وشريكتها الأساسية شركة "أم جي أي تيك" MGI Tech، هما "طرفان رائدان على المستوى الوطني" إلى جانب كل من "هواوي" و"علي بابا" و"تينسينت" Tencent. على رغم أن الشركتين هما مشروعتان ظاهرياً، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية وضعت شركات متفرعة عن "بي جي أي" BGI على اللائحة السوداء، بوصفها شركات تابعة للمؤسسة العسكرية الصينية، وقامت بفرض عقوبات عليها عامي 2021 و2023 بسبب عمليات جمع بيانات للجينات اعتبرت مسيئة وسمحت بإخضاع أقليات عرقية. عام 2021، حذرت لجنة الأمن القومي الأميركي للذكاء الاصطناعي The National Security Commission on Artificial Intelligence من أن "’مجموعة بي جي آي‘ ربما تعمل في خدمة الحكومة الصينية... كجامع للبيانات [الجينية] على مستوى العالم".

في مقابل ذلك، منحت "بي جي أي" الصينية التي تواصل بيع اختبارات الحمل للأمهات في المملكة المتحدة - خلص تحقيق استقصائي لوكالة "رويترز" عام 2021 إلى أنها طورت بالتعاون مع المؤسسة العسكرية الصينية – عام 2021 عقداً حكومياً لتأمين اختبارات "كوفيد-19"، كما تملك شركات متفرعة عن "بي جي أي" وتلك المرتبطة بها مثل "أم جي أي تيك"، علاقات واسعة في جميع مرافق القطاع الأكاديمي، وهي توفر التكنولوجيا، والتمويل والباحثين.

إن قطاع علوم الجينوم هو مثال واضح حيث تتطلب استراتيجية "النهج الحكومي الشامل".

الخطوة الأولى يجب أن تكون من خلال العمل على رفع مستويات الوعي عن الموضوع خارج الدوائر الحكومية وعبرها. وحل مكان المفاهيم التقليدية للأمن القومي الغموض الذي يحيط بحدود القطاعين العام والخاص في الصين، وهو نهج مقيت حيث يعمل القطاعان بشكل متبادل. إن الدوائر الحكومية المعروف عنها ميولها للتفكير القصير المدى، يمنع أيضاً صانعي القرار من رؤية التداعيات على المدى البعيد للتكنولوجيا على تقدم بريطانيا الاستراتيجي.

إن المثال الأفضل على نهج الحكومة غير المنسجم يظهر من خلال الجلسة التي شارك فيها وزير الخارجية البريطاني خلال مساءلته من لجنة العلاقات الدولية في البرلمان هذا الأسبوع. فعندما سئل [وزير الخارجية] عن شركة "بي جي أي"، قال الوزير إنه "سسيذهب [بعد الجلسة] ويطلع عليها"، على رغم أن وزير العلوم كان وصف "بي جي أي"، بأنها تشكل "مصدر تهديد" على قطاعات العلوم والتكنولوجيا في المملكة المتحدة، وذلك خلال ندوة عقدت في البرلمان في مارس (آذار) من العام 2023.

ثانياً، إن على صناع السياسات أن يحددوا نطاق حماية واضح للمؤسسات العامة، والشركات الخاصة، التي تعمل مع أطراف في قطاعات تقوم بكين باستهدافها. إن على الحكومات أن تؤمن دعماً أكبر لقطاع موفري العناية الصحية، من هيئة خدمات الصحة الوطنية، وصولاً إلى الشركات الصحية الخاصة التي لديها قدرة الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة مثل شركة "بوبا" Bupa، و"أتش سي أي" HCA، و"أكسا" AXA. ومن ضمن ذلك عليها توفير شفافية أكبر في إسداء التقييم الأمني وتشديد أكبر على شرح سبب الخطر الذي يهدد تلك الشركات بسبب تعاملاتها مع كيانات مثل "بي جي أي" و"أم جي أي تيك".

وسبق أن شكلت الحكومة "الفريق الاستشاري للتعاون البحثي" Research Collaboration Advice Team، لتوجيه الأوساط الأكاديمي ضد جهات حكومية معادية. والعملية هذه عبارة عن آلية إحالة ذاتية للجامعات التي تعاني ضائقة مالية وتواجه فرص لشراكات ومنح بحثية مربحة. لكن هذا النظام فشل حتى الآن في مواجهة ضخامة عمليات التسلل التي يتعرض لها القطاع الأكاديمي من كيانات مسيئة. لكن إذا لم تشرح التهديدات بشكل واضح، فلا يمكننا أن نلوم الجامعات على الاستسلام للصين. إنه ليس من واجب المؤسسات أن تقوم بتحمل أعباء البت بقضايا أمنية معقدة.

وأخيراً، يتطلب وجود استراتيجية منسقة للتعامل مع الصين إعادة رسم خريطة عمل الدولة البريطانية. إن علوم الجينوم تتوزع على عدد من الإدارات والوزارات الحكومية من بينها وزارة العلوم والتجديد والتكنولوجيا، ووزارة الصحة والعناية الاجتماعية، ووزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتعاون الدولي، ووزارة التجارة والأعمال، ووزارة الطاقة، إضافة إلى مكتب إدارة الشؤون الحكومية، ووزارة الخزانة. كما أنه ليس لدى أية لجنة أو هيئة ناظمة المسؤولية الكاملة للتدقيق في كيفية التعامل مع هذه القضية المعقدة وذات المستويات المتعددة. من دون مقاربة "النهج الحكومي الشامل" فإن الشركات المرتبطة بالدولة الصينية لن يكون ممكناً الكشف عنها.

* بوب سيلي هو نائب عن حزب المحافظين البريطاني عن دائرة "أيل أوف وايت"، وهو عضو في اللجنة البرلمانية الخاصة للعلاقات الخارجية

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل