Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوقاية من سرطان عنق الرحم في لبنان تواجه نقص الوعي والانفتاح

على رغم أنه المرض السرطاني الوحيد الذي يمكن تلافيه فلا تزال معدلات التلقيح منخفضة في مجتمعاتنا العربية

يعتبر لقاح فيروس الورم الحليمي البشري السلاح الأكثر فاعلية في مواجهة سرطان عنق الرحم لاعتباره المسبب الرئيس له (أ ف ب)

ملخص

يتوافر لقاح "أتش بي في" HPV كسلاح فاعل للوقاية من سرطان عنق الرحم

يصاب يومياً أكثر من مليون شخص في العالم بأحد الأمراض المنقولة جنسياً، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. وتؤثر هذه الأمراض في الصحة الجنسية والإنجابية نتيجة العقم الذي قد تسببه، إضافة إلى مضاعفات في الحمل وخطر الإصابة بالأيدز والسرطان. وهناك أكثر من 30 نوعاً مختلفاً من الفيروسات والطفيليات والبكتيريا التي يمكن أن تنتقل من خلال العلاقة الجنسية، لكن يعتبر فيروس الورم الحليمي البشري "أتش بي في" (HPV) أكثرها شيوعاً وخطورة، كونه المسبب الرئيس لسرطان عنق الرحم مع ما يشكله ذلك من عبء صحي عالمي. ويعتبر سرطان عنق الرحم السرطان الوحيد القابل للوقاية بوجود لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري، الذي من المتوقع أن يصاب به أربعة أشخاص من خمسة في مرحلة ما من حياتهم. واستطاعت مجتمعات عدة مكافحته وخفض معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم، وعلى رأسها أستراليا التي انخفض المرض فيها إلى أدنى المستويات، ومن المتوقع أن تصل إلى مرحلة صفر حالة بحلول عام 2030 إثر حملات التلقيح الواسعة التي تشمل الصبيان والفتيات. في المقابل، لا يزال لبنان وغيره من الدول في المنطقة في مراحل متأخرة في هذا المجال. أما السبب الرئيس وراء ذلك فيعود إلى أن هذه المواضيع تعتبر حتى اليوم من المحرمات وتنقص الجرأة في مواجهتها، وإن كانت هناك مساع جدية وحملات مكثفة للتلقيح ولنشر الوعي، خصوصاً في بعض دول الخليج.

سرطان سببه معروف

تتعدد الأمراض المنتقلة جنسياً، لكن من بينها ما يزيد خطر التقاط عدواها، مثل الهربس والأيدز وفيروس الورم الحليمي البشري. لكل من هذه الفيروسات خصوصيتها، لكن الاختصاصي في الأمراض السرطانية النسائية البروفيسور ديفيد عطالله يشدد على أن فيروس الورم الحليمي البشري هو مسبب سرطان عنق الرحم في نسبة 90 في المئة من الحالات، مما يزيد من خطورته. ومن الممكن معالجة باقي الأمراض المنتقلة جنسياً بالأدوية التي تسمح بالتعافي منها أو تمنع معاودتها، ويعتبر هذا الفيروس الوحيد الذي يمكن أن يتطور إلى سرطان، في حال الإهمال. وأضاف "يمكن التقاط عدوى الفيروس بالعلاقة الجنسية، إنما العلاقة الحميمية ليست ضرورية دائماً. وأياً كانت الطريقة التي يمكن فيها التقاط العدوى، يمكن أن يؤدي الفيروس إلى سرطان. والأهم أنه من الممكن كشف هذا السرطان في مرحلة مبكرة والوقاية منه. علماً أنه في حال كشف الفيروس تعتبر المتابعة ممكنة، خصوصاً أن المشوار طويل وقد يمتد لـ10 أو 20 سنة قبل أن يتحول إلى سرطان بالفعل. بكل بساطة من الممكن التقاط الخلايا واستئصالها لتشفى الحالة قبل أن تتطور وتتحول إلى سرطان".

فحص دقيق لكشف الفيروس

ليست مسحة عنق الرحم، الفحص الأفضل لكشف فيروس الورم الحليمي البشري، كما يعتقد كثر، إذ تبين مع الوقت أن هذا الفحص ليس بالدقة المطلوبة في هذه الحالة، فهو يفشل في كشف الفيروس في كثير من الأحيان. في المقابل، ثمة فحص خاص بفيروس الورم الحليمي البشري، وتتوافر علامات عدة تمتاز بدقتها العالية. ويشير عطالله إلى أن "هذا الفحص الذي يجرى كل ثلاث أو خمس سنوات بحسب سياسة كل دولة، هو الحل الأفضل لكشف الفيروس في الوقت المناسب، والمتابعة، والتدخل قبل أن يتطور إلى سرطان. أما فحص الزجاجة فيجرى سنوياً".
لكن، الأهم أن توافر اللقاح لهذا الفيروس الذي من المتوقع أن يصاب به أربعة أشخاص من خمسة في مرحلة ما من الحياة، هو الخطوة الأساسية التي تحمي من السرطان الناتج منه. ويعطى لقاح "أتش بي في" للفتيات والفتيان في نحو سن الـ10 أو الـ11، وتعطى عندها جرعة واحدة لأن المناعة تكون مرتفعة في هذه السن، فيما تنخفض لاحقاً مما يستدعي زيادة الجرعات إلى اثنين أو ثلاث. وبقدر ما يجري تعاطي اللقاح في سن مبكرة تزيد فاعليته، فيما لا يؤيد البروفيسور عطالله اللجوء إليه في مراحل عمرية متأخرة لاعتبار أنه قد لا يكون مجدياً عندها. فللاستفادة من فاعليته بمعدلات أعلى، يجب أن يجرى بين عمر تسع سنوات و25 كحد أقصى، وإن كان من الأفضل أن يجرى قبل سن الـ17 سنة، علماً أن الدراسات حول فاعلية اللقاح قد توقفت عند سن 26 سنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بين التكتم ورفض الواقع

تنخفض بشكل مقلق معدلات التلقيح في مواجهة فيروس الورم الحليمي البشري في لبنان والشرق الأوسط عامة مقارنة مع دول الغرب. هذا، فيما تتكثف في السنوات الأخيرة حملات التلقيح في بعض دول الخليج، خصوصاً دبي وقطر حيث أثبتت قدرة عالية على التغيير من خلال تكثيف حملات التلقيح. "ما يبدو مطمئناً أن الفيروس الموجود في المنطقة يعتبر أقل عدوانية مقارنة مع دول الغرب"، كما يؤكد عطالله. لكن في الوقت نفسه يعبر عن قلقه حيال التأخير في اللجوء إلى المساعدة الطبية في بلادنا، فالحالات التي تطلب مساعدة طبية تكون في مراحل متقدمة من المرض، وإن كان تطور الفيروس بطيئاً حتى يبلغ مرحلة الورم السرطاني. وصحيح أن النساء في لبنان يلتزمن إجراء فحص الزجاجة بنسبة عالية، لكن ينقص الوعي حول أهمية إجراء الفحص الخاص بالفيروس حتى اللحظة مما قد يفسر هذا التأخير الحاصل. أما خفض معدلات التلقيح، فلا يعود إلى ارتفاع كلفته فحسب، بل بصورة أساسية إلى أن هذا الموضوع لا يزال من "المحرمات" في المجتمع اللبناني الذي ينقصه الوعي والانفتاح حول هذه المواضيع. فهناك تكتم حول هذه المواضيع، وإن كانت هناك شرائح معينة تظهر مزيداً من الانفتاح.
وأضاف "ليس مقبولاً ألا يعطى اللقاح للفتاة والصبي لأن الأهل يعتبرون أن أولادهم لن يقيموا علاقة. فالاختباء لا يلغي الواقع، والتكتم ليس الحل، بل الحل هو في المواجهة. وللدولة دور أساس في توعية المجتمع وتغيير الذهنية السائدة، والتحفيز على التلقيح. أما بغير ذلك فلن يكون من الممكن الوقاية من المرض. فكما تأقلم المجتمع اللبناني مع مختلف التغييرات الحاصلة، لا بد له من التأقلم مع هذا التغيير أيضاً وتقبل الواقع. حتى إن كلفة اللقاح التي تصل إلى 200 دولار يجب ألا تشكل عائقاً، لأنه من الممكن للدولة أن تحل هذه المشكلة بالتعاون مع جمعيات قادرة على تأمينه بأسعار أقل".

من فيروس إلى سرطان

يعتبر سرطان عنق الرحم سابع السرطانات الأكثر انتشاراً في العالم وترتفع معدلات الوفيات بين المصابات به، بحسب ما يوضح الطبيب الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد، الدكتور جوزيف غنيمة. وهناك 200 نوع من فيروس الورم الحليمي البشري تؤدي إلى الإصابة بالسرطان بنسب متفاوتة. أما اللقاح فيحوي نوعي الفيروس 16 و18 لتأمين الحماية منهما. وفيما يمكن التقاط العدوى بصورة أساسية من خلال العلاقات الجنسية، فإن ذلك ممكن أيضاً في المسابح والحمامات العامة أو بالليزر أو من خلال الثآليل في المواضع الحساسة، ولو بمعدلات أقل. ويقول غنيمة "يعتبر تعزيز المناعة خطوة أساسية لمواجهة الفيروس والتخلص منه حتى في حال التقاط العدوى، وهي وقاية ممكنة غالباً، لكن ثمة حالات تعجز فيها المناعة عن التخلص من الفيروس، فيتطور تدريجاً ويتحول إلى سرطان في حال عدم المعالجة المبكرة للتخلص منه. أما علاج سرطان عنق الرحم، فيختلف عندها بحسب سن المرأة وما إذا كانت تنوي الإنجاب ليحصل الاستئصال الجزئي أو الكلي، وبحسب مرحلة المرض أيضاً. علماً أنه عندنا في لبنان تظهر أعراض المرض يكون الأوان قد فات".
ويعتبر فيروس الورم الحليمي البشري الوحيد المتوافر كلقاح بين الأمراض المنتقلة جنسياً، وهذا اللقاح هو السلاح الأهم والأكثر فاعلية في مواجهة المرض. على رغم ذلك، تعتبر الوقاية منخفضة في بلادنا بسبب خفض معدلات الوعي، ونتيجة التكتم عن المواضيع المتعلقة بالعلاقات الجنسية لأسباب تتعلق بالثقافة والدين. ففي رفضه لهذا الموضوع، يلجأ المجتمع اللبناني إلى أسلوب النعامة، كما يوضح غنيمة، مؤكداً أن "هذا لا يلغي وجود المرض وضرورة مواجهته من خلال الوعي وتقبل الواقع كما هو. فبهذه الصورة استطاعت أستراليا وحدها أن تقوم بالمواجهة الصحيحة لتشارف على التخلص التام من سرطان عنق الرحم عبر تلقيح كل الصبيان والبنات. في المقابل، على رغم أن فرنسا هي البلد الأوروبي الأول الذي بدأ بالتلقيح في مواجهة فيروس (أتش بي في) HPV، فلا تزال معدلات التلقيح فيها منخفضة ولا تتخطى 40 في المئة من الفتيات وهي دون 20 في المئة للصبيان. ففي السابق، كانت حملات التلقيح تتركز على الفتيات، لكن سرعان ما تبين أن تلقيح الصبيان لا يقل أهمية لتوفير حماية قصوى، بما أنه من الممكن أن يلتقط الصبي العدوى وينقلها إلى الفتاة. لذلك، يمكن لحملات التلقيح التي تطاول الصبيان والفتيات أن تؤمن حماية قصوى وللقضاء على المرض بشكل تام. لذلك توصي منظمة الصحة العالمية بإعطاء جرعة واحدة أو اثنتين قبل عمر 14 سنة وبعد هذه السن تعطى ثلاث جرعات، على أن تكون هناك فترة شهر بين الأولى والثانية وشهرين بين الثانية والثالثة".
وإضافة إلى اللقاح الذي يشكل الوقاية الأكثر فاعلية في مواجهة المرض، يمكن أن تساعد الوقاية الأولية على تجنب الإصابة بالفيروس، وذلك عبر تفادي السبب، وتعزيز المناعة من خلال نمط حياة صحي، والحرص في العلاقات الجنسية، وعبر التدخل الطبي في الوقت المناسب. وبما أن تحول الفيروس قد يتطلب وقتاً، في كثير من الأحيان، قد يتخلص منه الجسم تلقائياً أحياناً بفضل المناعة. في المقابل، يدخل التزام فحص الزجاجة السنوي ضمن إطار الوقاية الثانوية التي لا بد من الحرص عليها، إضافة إلى فحص فيروس الورم الحليمي البشري كل ثلاث أو خمس سنوات، بعد أن تبين أن مسحة عنق الرحم لا تمتاز بالدقة المطلوبة في 40 أو 50 في المئة من الحالات، ويمكن ألا تكشف الفيروس في حال وجوده، مما دفع دولاً إلى إيقافه.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة