ملخص
حظيت المحادثات المصرية - التركية في القاهرة بعناية كبيرة في ليبيا لأهميتها المتوقعة في دعم التوصل إلى اتفاق يقود إلى انتخابات عامة تنهي أزمة البلاد السياسية
بددت إعادة تطبيع العلاقات المصرية - التركية عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة قبل يومين شيئاً من قلق وتشاؤم الليبيين بخصوص الوضع السياسي في بلادهم التي يعيش حالاً من الجمود التام منذ بداية العام الماضي، على وقع الخلافات المعقدة بين معسكري الشرق والغرب التي أفشلت كل الخطط لتنظيم انتخابات عامة تنتشل البلاد من مستنقع الفوضى الذي علقت به منذ أكثر من عقد.
وسبب التفاؤل الليبي هو استئناف العلاقات بين مصر وتركيا، بسبب قوة تأثير الدولتين في أطراف النزاع الليبي، فعلى مدى الأعوام الماضية كانت كلمة القاهرة مسموعة في الشرق، وسطوة أنقرة ظاهرة في الغرب، وكان تباين موقف الطرفين من الأزمة الليبية سبباً مهماً في تعثر كثير من المبادرات الدولية لحلحلتها وحسم ملفها عبر المسار السياسي التفاوضي.
الملف الأهم
وأكدت التصريحات المصرية - التركية التي تلت زيارة أردوغان إلى القاهرة أن الملف الليبي كان أحد أهم الملفات على طاولة التفاوض بين الجانبين، مما يؤشر إلى أن النجاح أو الفشل في الوصول إلى رؤية توافقية ستلعب دوراً رئيساً في عودة العلاقات بينهما أو بقاء الوضع على ما هو عليه.
وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هذه النقطة خلال مؤتمر صحافي عقده الأربعاء الماضي بقوله إنه "من الضروري تعزيز التشاور بين مصر وتركيا في الملف الليبي بما يساعد في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد". وأضاف، "نجاحنا في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيمثل نموذجاً يحتذى به، إذ إن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وسبل تسوية الخلافات القائمة فيها"، مما يعني أنه بالقدر نفسه الذي تمثله أهمية المحادثات بين مصر وتركيا حول الوضع السياسي الليبي والتوصل إلى اتفاق بينهما في شأنه، فإنه يمثل طوق نجاة للعلاقات المشتركة التي عكر صفوها هذا الملف أكثر من غيره منذ تسلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منصبه عام 2013، وجعلهما يقفان على شفا مواجهة عسكرية مباشرة في الأراضي الليبية بين عامي 2019 و2020.
مصلحة للجميع
وأكد المحلل السياسي الليبي عبدالله الكبير أن "من مصلحة ليبيا ومصر وتركيا أن تحل القاهرة وأنقرة خلافاتهما الخاصة بليبيا لجني المصالح للأطراف الثلاثة"، ونوه إلى أن "التقارب التركي مع مصر منذ العام الماضي انعكس على الملف الليبي بأن سمح لتركيا أن تتواصل مع السلطات في شرق البلاد، ولولا أن مصر أعطت الضوء الأخضر ووافقت على التقارب لما تمكنت تركيا من الدخول إلى هناك وإقامة المعارض وزيارة السفير التركي أكثر من مرة إلى بنغازي".
لكنه توقع أن الوصول إلى تسوية مرضية للقاهرة وأنقرة حول ليبيا لن يكون سهلاً، "فالملف الليبي أحد أهم شواغل مصر وتركيا باعتبارهما أصحاب نفوذ في شرق ليبيا وغربها، والمصالح بينهما متناقضة وبالتالي فمن المستبعد تنازل أي طرف عن مصالحه للطرف الآخر بسهولة".
خدمة لاستقرار ليبيا
أما الباحث في العلاقات العربية والدولية أحمد العناني فاعتبر أن "التقارب المصري - التركي يصب في خدمة استقرار ليبيا وإنهاء كثير من الخلافات الداخلية، إذ إن الملف الليبي كان من أكثر القضايا حساسية بين القاهرة وأنقرة لأن الوجود العسكري التركي في ليبيا يثير مخاوف مصر، نظراً لما تمثله ليبيا من عمق إستراتيجي مهم لأمنها القومي".
وأشار إلى أن "التصريحات الصادرة عن السيسي وأردوغان تشير إلى دعم المسار السياسي وإجراء الانتخابات ووقف الخلافات، وهي خطوة مهمة في التقارب بين البلدين في الملف الليبي لما تمثله مصر وتركيا من ثقل مهم في المنطقة ودور مؤثر في كثير من القضايا وأبرزها الملف الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جني الثمار سريعاً
من جانبه توقع المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي أن "ليبيا ستجني نتائج القمة المصرية - التركية خلال الفترة المقبلة، مما يشكل دعماً للمسار الدولي باتجاه إعادة تشكيل السلطة عبر حكومة موحدة جديدة، وتفاعل إيجابي مع الزخم المحلي المتصاعد والمطالب بإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة تصل بالليبيين إلى الانتخابات".
ولفت إلى أن "هذا التطور المهم الذي تمثله زيارة أردوغان لمصر سيدعم العمل السياسي المتصاعد في ليبيا الذي يحقق نتائج إيجابية أيضاً، وهو ما انعكس في ردود الفعل حول بيان الفاعليات الوطنية في مصراتة الذي دان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باتيلي في تلكؤه للبحث عن حل، وتحركات سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو التي تدعم بصورة غير مباشرة سلطة الأمر الواقع، مما أحرج مفوضية الاتحاد الأوروبي ودفعها إلى استدعاء سفيرها بسبب اتهامات ليبية له بدعم طرف دون آخر".
ضغط الظروف المتشابهة
في المقابل رجح الإعلامي الليبي عمر الجروشي أن تقدم مصر وتركيا بعض التنازلات لحسم خلافاتهما المزمنة في ليبيا تحت ضغط ظرفهما السياسي والاقتصادي الحالي، وقال إنه "لدى مصر وتركيا حالياً حافز أكبر للمساعدة في تحقيق الاستقرار في ليبيا نظراً لأزماتهما الاقتصادية المتزايدة الخطورة في الداخل مع الانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم في كلا البلدين".
كما عد أن "السؤال الذي يطرح نفسه هنا بخصوص الموقف المصري، هو ما إذا كانت القاهرة لا تزال تفضل الإبقاء على الوضع السياسي الراهن في شرق ليبيا أو حصد المنافع الاقتصادية الناتجة من قيام حكومة ليبية مستقرة توفر مئات آلاف فرص العمل للعمال المصريين، كما كان عليه الحال قبل ثورة 2011، مع تحرك حركة الإعمار في جارتها الغربية، وهو السؤال نفسه بالنسبة إلى موقف تركيا من حلفائها غرب البلاد".
وتابع أن "هذه العوامل مجتمعة بإمكانها أن تسهم في المصالحة المصرية - التركية في ما يتعلق بالخلاف الإستراتيجي بين الدولتين حول ليبيا، والذي يشمل نزاعاً بحرياً ومخاوف عسكرية مختلفة وخلافات أيديولوجية، وهذا إن تحقق فمن شأنه أن يحسن فرص التوصل إلى اتفاق يدفع ليبيا نحو المضي قدماً".
تقاسم المصالح الاقتصادية
من جانبه شدد الصحافي الليبي الصديق الورفلي على "الدور المحوري للاتفاق على الحصص الاقتصادية والاستثمارية لمصر وتركيا في دعم فرص نجاح مفاوضاتهما الخاصة بليبيا، في ما يرتبط بمصالح كل من مصر وتركيا الاقتصادية في ذلك البلد، إذ لا يمكن أن يحدث اتفاق من دون ضمانات تحفظ لكل منهما حصته، سواء من خلال عملية إعادة إعمار ما دمرته أعوام الحرب أو في المشاريع الصناعية والتجارية التي ستقوم فيها وهو ما يمهد الطريق لتوسيع نطاق تعاونهما، فمن الممكن أن تستعين أنقرة في تنفيذ مشاريعها المستقبلية على الأراضي الليبية بعمالة مصرية لأنها أرخص كلفة وأكثر قدرة على التواصل مع الليبيين بحكم اللغة".
وخلص إلى أن "هذا الأمر مهم للقاهرة التي ترتكز رغبتها في أن يكون لها وجود أكبر داخل القطاع الاقتصادي والتجاري الليبي من خلال بحثها عن حل لمشكلة البطالة المرتفعة بين مواطنيها، ولما تمثله الكعكة الليبية من ثروات وفرص استثمارية تعد علاجاً مهماً لأزمات الاقتصاد التركي المتفاقمة".