Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزراعة الذكية تفرض نفسها كخيار استراتيجي في الجزائر

تحقيق الأمن الغذائي ضروري رغم صعوبته حماية للسيادة وحرية القرار

اتجهت الجزائر إلى تبني الزراعة الذكية التي تعتمد على التقنيات الحديثة المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي (مواقع التواصل)

ملخص

صنف المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الجزائر من بين البلدان الرائدة عالمياً في مجال ضمان الأمن الغذائي

باتت الجزائر تعتمد كل السياسات التي من شأنها ضمان الأمن الغذائي للبلاد، وتأتي "الزراعة الذكية" كخيار جديد استراتيجي من أجل الوصول إلى حل لمشكلة توفير الغذاء، وعلى رغم الأرقام الإيجابية التي حققتها مختلف الأساليب الزراعية الأخرى إلا أن التساؤل في شأن مدى قدرة الحكومة على الاستجابة لمتطلبات هذا النوع من الزراعة يطرح نفسه بقوة.

نوع زراعي جديد ومراتب متقدمة

ومع تزايد حدة الطلب على الغذاء في العالم وفي ظل استمرار الجدل حول ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، اتجهت الجزائر إلى تبني الزراعة الذكية التي تعتمد على التقنيات الحديثة المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وتستدعي إعطاء أهمية كبيرة للبحث العلمي المتخصص وتحفيز الشباب على الانضمام إلى البرامج ذات الطابع الفلاحي، وهو التوجه الذي يضمن التوسع في حجم الاستثمارات الفلاحية وبالتالي زيادة وتحسين الكفاءة الإنتاجية للمحاصيل.
ويبدو أن الجهود المبذولة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي غذائياً باتت مشجعة بعد أن صنف المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عبر تقريره الأخير عام 2023 الجزائر من بين البلدان الرائدة عالمياً في مجال ضمان الأمن الغذائي من طريق إنتاجها الوطني.

كما وضعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) الجزائر في المرتبة الأولى عربياً وأفريقياً خلال الأعوام من 2020 وحتى 2022، لجهة تجسيد أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة في مجال الأمن الغذائي، في حين أشار آخر تقرير لبرنامج الأمن الغذائي العالمي "صفر جوع" بحلول عام 2030 إلى احتلال الجزائر المرتبة الأولى أفريقياً من ناحية الأمن الغذائي، إذ حصلت على 63.9 في المئة.


التكنولوجيا في خدمة الفلاحة

وعلى رغم التصنيفات والمراتب المتقدمة وفق الجهات الدولية إلا أن الحكومة تواصل السير من أجل رفع مستوى الانتاج الغذائي، لكن هذه المرة عبر الزراعة الذكية التي تأخذ بعين الاعتبار التطور السريع في التكنولوجيا من خلال تعميم الطاقات المتجددة في الري واستخدام الطاقة الشمسية في الضخ بدلاً من المحركات الزيتية، والاعتماد على الجامعة كشريك مهم في ترقية الابتكار والبحث، مما يفسر تبني السلطات تكنولوجيا حديثة ومفهوماً جديداً للزراعة يتيحان التحكم الكامل في العوامل البيئية واستخدام الموارد بكفاءة عالية، إضافة إلى فتح مدرستين وطنيتين للزراعة للإسهام في ربط المشاريع الزراعية بالأبحاث العلمية الحديثة.

كما أنشئ قطب فلاحي غذائي وبنك للبذور مع استحداث بنك الجينات، إضافة إلى تحويل المزارع النموذجية إلى مشتلة للثروة الحيوانية والنباتية كقاطرة للبحث وتطوير قطاع الفلاحة.
وفي السياق يرى أستاذ الاقتصاد جمال مناصري أن "الجزائر ومن أجل ضمان أمنها الغذائي الذي بات هاجس كل الدول بعد جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، لجأت إلى اعتماد كل التجارب والسياسات التي من شأنها خفض التبعية الغذائية للخارج"، مشيراً إلى أن "الجزائر غيرت إستراتيجيتها خلال الأعوام الأخيرة من خلال توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وتطوير الفلاحة الصحراوية وترقية الاقتصاد الأخضر واستعمال الطاقات المتجددة ودعم الزراعة الذكية، بهدف توسيع المساحات المروية وتحسين الاستغلال الرشيد للأراضي الزراعية، ومنه رفع الانتاج بنوعية جيدة".

وأوضح مناصري أن "الحكومة ترغب في ربط معظم الأراضي الزراعية بالتقنيات الرقمية الجديدة خلال عام 2024 في إطار الاعتماد على الزراعة الذكية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لماذا ذكية؟

وتوصف هذه الطريقة في الزراعة بالذكية لأنها تستخدم التكنولوجيا الحديثة لترشيد استخدام الموارد الطبيعية، ولا سيما المياه، واستخدام الأسمدة الكيماوية، ومن أهدافها الأساس رفع مستوى الإنتاج والتكيف مع الظروف المناخية وخفض الغازات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري وتحسين الأمن الغذائي والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعتمد في ذلك على أجهزة الاستشعار من بعد وتكنولوجيا نظام التموضع العالمي (جي بي أس)، واستخدام الطائرات من دون طيار والروبوتات والمركبات ذاتية القيادة.

ومن بين الأدوات الذكية أيضاً تطبيقات الهاتف التي تساعد في عملية السقي من بعد بصورة منتظمة وتسمح بترشيد استهلاك الماء في ظل ظاهرة الجفاف وشح الأمطار، وتشخيص أمراض النباتات وتحديد الأدوية الفعالة لمعالجتها بعيداً من اللجوء الممنهج إلى استعمال المبيدات بصورة عشوائية.

توفير الوسائل ضرورة

وأمام هذا الوصف تتبادر إلى الأذهان تساؤلات حول مدى قدرة الجزائر على توفير هذه الأدوات والوسائل، ثم هل بإمكانها تحقيق نقلة نوعية في مجال الزراعة تسمح لها بالوصول إلى ضمان أمنها الغذائي؟
ويرد أستاذ الاقتصاد علي حاجي بأن "بإمكان الجزائر اعتماد كل السياسات الناجحة الممكنة، ليس في المجال الزراعي فقط وإنما في كل القطاعات، بالنظر إلى المداخيل الكبيرة المتأتية من صادرات المحروقات، لكن يبقى سوء التسيير والتخطيط والتدبير أهم ما يمنع التقدم إلى الأمام".

وقال إن "غياب المتابعة والمراقبة فتح المجال أمام الانتهازيين للتلاعب بأموال الشعب التي تضعها السلطات لإنجاز المشاريع"، مضيفا أنه "على رغم التغير الحاصل خلال الأعوام الأخيرة من حيث محاربة الفساد وتحييد المسؤولين غير الأكفاء، غير أن استمرار بقايا النظام السابق قد يضر بمصالح البلاد والمواطنين".
ويتابع حاجي أن "اللجوء إلى الزراعة الذكية أمر مهم جداً لرفع مستوى الإنتاج الغذائي وتحسينه، غير أن المتطلبات التي يجب توافرها من أجل إتمام المهمة تبقى غير كافية في الوقت الحالي، ولا سيما ما تعلق بوضع الأجهزة والآلات المتطورة في أيادي فلاحين غير مؤهلين بسبب ضعف تحصيلهم العلمي وغياب التكوين والمتابعة"، مشدداً على أن "توفير التكنولوجيا الحديثة يجب أن يرافقه حسن التعامل، وهو ما لا يتوافر لدى قطاع الفلاحة بصورة واسعة لاعتبارات عدة أهمها انعدام هياكل الحفظ ومراكز الصيانة".

وختم حاجي بالقول إنه "من المستحسن ومن أجل تثبيت هذا النوع من الزراعة يجب منح الفرصة للشباب الجامعي من الباحثين وإعادة تكوين الفلاحين، إضافة إلى أهمية إعادة المجال الفلاحي إلى أحضان الدولة وأن تتولى الحكومة جزءاً من هذا القطاع كما كان عليه الحال سابقاً".

أرقام ونسب

وقدرت قيمة سوق الزراعة في الجزائر بـ 4.64 مليار دولار عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 5.82 مليار دولار بحلول عام 2028، أي بمعدل نمو سنوي مقداره 4.65 في المئة، وفق ما كشف عنه موقع "موردر أنتيليجنس" الأميركي الذي أوضح أن قطاع الفلاحة سجل نمواً مطرداً على رغم ذبذبات الصعود والهبوط، مشيراً إلى أن الجزائر قادرة تقنياً على إنتاج 30 مليون طن من الحبوب سنوياً وتصدير 21 مليون طن منها إلى البلدان المجاورة.
وكشفت بيانات "فاو" عن بلوغ قيمة إنتاج الخضراوات في الجزائر خلال عام 2023 ما يساوي 23 مليار دولار، وجاءت في المرتبة الثانية عربياً بعد مصر في المركز الأول بـ 27 مليار دولار، ثم السعودية في المركز الثالث بقيمة إنتاج بلغت 17 مليار دولار.
وبحسب وزارة الفلاحة والتنمية الريفية فإن القطاع الفلاحي يسهم بـ 14.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويستقطب أكثر من ربع اليد العاملة النشطة بما يعادل 2.7 مليون عامل. وأبرزت الوزارة أن قيمة الإنتاج الفلاحي الجزائري لعام 2022 قدر بـ 35 مليار دولار، وبلغت تغطية الحاجات الغذائية الوطنية في الإنتاج المحلي 75 في المئة.

اقرأ المزيد