Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإعلام المصري في اختبار الأزمات "غزة نموذجا"

تقارير صحافية غربية تنفيها القاهرة يومياً وسط استفحال مشكلات اقتصادية وأمنية على الحدود

الحدود المصرية مع قطاع غزة (أ ف ب)

في وقت تصم فيه طبول الحرب على الحدود الشرقية آذان المصريين وتؤرق مضاجعهم في شأن المستقبل المنظور، فإن جيوبهم شبه الخاوية بفعل أزمة اقتصادية حادة تدفعهم للتساؤل عن حقيقة ما يحدث اليوم ومخططات مواجهة ما ينتظر غداً، فالسعي وراء المعلومة أصبح الشغل الشاغل للمواطن المصري وسط كم هائل من الأحاديث الرسمية وغير الرسمية من الداخل والخارج، سواء على وسائل الإعلام أم مواقع التواصل، التي تتناول بشكل مباشر حياته، بدءاً من قيمة عملته المحلية وحتى أمن حدود بلاده.

وأصبح مشهد الإعلام المصري أشبه بمباراة للتنس، كرة الإشاعات على مواقع التواصل وكذلك التقارير الصحافية الأجنبية تنطلق في وجه المصريين كل يوم، ويردها مضرب الإعلام المحلي، وهذا الرد غالباً ما يكون خلال برامج "التوك شو" الليلية، سواء من خلال استضافة المسؤول عن الرد في تلك الملفات أو بإدلاء بعض الإعلاميين بآرائهم وتقييماتهم للوضع، الذين يكتفي بعضهم أخيراً بطرح تساؤلات ومطالبة الحكومة بالإجابة، مثل الحديث عن موعد "تعويم الجنيه" وما إذا كانت هناك خطط لذلك من الأساس.

تأخر الرد

لكن الرد الرسمي قد يطول انتظاره، على رغم أن كرة الثلج التي يصنعها تقرير في صحيفة أجنبية، تكبر بالنشر في مواقع إقليمية ثم صفحات "السوشيال ميديا"، لتتحول في غضون يوم وربما أقل إلى أشبه بالمعلومة اليقينية، على رغم أن المصدر لا يعد كونه حديثاً مجهلاً في إحدى الصحف الأجنبية، مهما كانت شهرتها.

الأمثلة على تأخر الرد الرسمي عديدة، فبعد نحو شهر من اندلاع الحرب في قطاع غزة، سرت أنباء وشهادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن دفع فلسطينيين آلافاً عدة من الدولارات لوسطاء من أجل وضع أسمائهم على لوائح عبور معبر رفح إلى الجانب المصري، وهو ما تناولته وسائل إعلام دولية مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" وصحيفة "الغارديان" البريطانية وغيرها.

 

 

لكن الرد المصري جاء في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على لسان وزارة الخارجية التي أعلنت آلية إلكترونية لتسجيل أسماء الراغبين في العودة لمصر من حاملي جنسيتها في قطاع غزة، واعتبرت ما دون ذلك أداة للنصب واستغلال الحاجة.

غير أن بيان وزارة الخارجية في القاهرة لم يوقف الحديث عما يسمى بـ"رسوم التنسيق" لعودة المصريين في غزة لوطنهم، وكذلك عبور بعض الفلسطينيين إلى مصر، ما دفع هيئة الاستعلامات المصرية إلى التصدي للملف نفسه عبر بيان في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، وصف ما تداولته وسائل إعلام وصفحات التواصل الاجتماعي في شأن تحصيل رسوم من المسافرين عبر منفذ رفح من غزة إلى مصر بأنها "ادعاءات كاذبة. اعتمدت على مصادر مجهلة وفردية من دون أي توثيق لها".

هيئة الاستعلامات

ونفى رئيس الهيئة ضياء رشوان بصورة قاطعة مزاعم التحصيل الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك ادعاءات تقاضي أية جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية. وأوضح أن ما يتم تحصيله من الجهات الرسمية هو فقط الرسوم المقررة طبقاً للقوانين المصرية المنظمة لعمل المعبر من هيئة الموانئ البرية، وهي ثابتة ولم تطرأ عليها أية زيادة مطلقاً، وفق نص البيان.

الهيئة العامة للاستعلامات التي تتبع رسمياً رئاسة الجمهورية، تولت مسؤولية الحديث عن المواقف الرسمية المصرية تجاه الحرب، منذ إقرار الهدنة بين طرفي الصراع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكان لرئيسها ضياء رشوان، وهو نقيب الصحافيين السابق، دور كبير في الحديث بوسائل الإعلام للرد على التقارير الصحافية الغربية عن مصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل آخر القضايا التي تصدت لها هيئة الاستعلامات بالنفي هو ما نشر عن إقامة مصر منطقة عازلة على حدودها مع قطاع غزة لإيواء عدد من الفلسطينيين، في حال شن إسرائيل عملية عسكرية على مدينة رفح التي يتكدس بها النازحون.

الخبر الذي انتشر في جميع أنحاء العالم بدأ بمقطع فيديو نشرته منظمة "سيناء لحقوق الإنسان"، وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن، لما قالت عنه وقتها إنه أعمال هندسية مجهولة على الحدود في الـ12 من فبراير (شباط) الجاري، وبعد يومين نقلت المنظمة عن اثنين من المقاولين أن أعمال البناء الجاري إنشاء منطقة أمنية مع معزولة بهدف استقبال اللاجئين من غزة، وتبع ذلك تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت فيه عن مصادر مصرية مجهلة قولها إن القاهرة بصدد بناء منطقة عازلة تبلغ مساحتها 20 كيلومتراً قرب حدودها مع قطاع غزة، ومعززة بجدران خرسانية بإمكانها استيعاب 100 ألف شخص في حال قصف إسرائيل لرفح الفلسطينية.

واستغرق الرد المصري ثلاثة أيام من خروج تلك الأنباء، ففي الـ15 من فبراير الجاري، نفى محافظ شمال سيناء محمد عبدالفضيل شوشة بناء بلاده منطقة أمنية عازلة لاستقبال الفلسطينيين من غزة حال تهجيرهم، مؤكداً موقف القاهرة بـ"عدم السماح بتهجير سكان غزة قسرياً إلى مصر نهائياً".

وفي مساء اليوم التالي، أصدر رئيس هيئة الاستعلامات بياناً ينفي بشكل قاطع ما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية، في شأن تشييد مصر وحدات لإيواء الفلسطينيين، في المنطقة المحاذية للحدود مع قطاع غزة، في حال تهجيرهم قسرياً بفعل الهجمات الإسرائيلية.

وتبع ذلك توضيح من محافظ شمال سيناء بأن ما يتم هو منطقة لوجيستية لاستقبال المساعدات المقدمة لغزة، بهدف تخفيف الأعباء عن السائقين والتكدسات الموجودة بالعريش، وعلى الطرق بجانب تسهيل عمل الهلال الأحمر المصري، مضيفاً في بيان صحافي أن تلك المنطقة ستضم أماكن لانتظار الشاحنات ومخازن مؤمنة ومكاتب إدارية وأماكن مبيت للسائقين وتزويدها بوسائل المعيشية والكهرباء.

معاهدة السلام

كذلك ظهر تأخر الرد المصري على التقارير الغربية في مسألة العلاقات مع إسرائيل، فبعد ساعات من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مطالبته جيشه بإعداد خطة لإخلاء رفح، مما ينقل ساحة القتال بأكملها إلى المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل، ويعني احتمالية هرب أكثر من مليون نازح فلسطيني إلى مصر، أكد تقريران لصحيفتي "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" الأميركيتين، في التاسع من فبراير الجاري، أن الهجوم الإسرائيلي المرتقب وتبعاته المحتملة بتدفق سكان القطاع لمصر قد يهدد معاهدة السلام التي وقعها البلدان في عام 1979. ونقلت الصحيفتان عن مصادر أميركية وإسرائيلية ومصرية جميعها مجهولة، قولهم إن القاهرة هددت بتعليق المعاهدة إذا دفع الجيش الإسرائيلي سكان غزة إلى مصر.

وبعد ثلاثة أيام مما اعتبر موقفاً رسمياً مصرياً وتناقل الخبر عبر وسائل الإعلام العربية والدولية و"السوشيال ميديا"، نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري تلك الأنباء خلال الرد على أسئلة الصحافيين في مؤتمر صحافي خلال زيارة إلى سلوفينيا. وقال شكري "حافظت مصر على اتفاق السلام مع إسرائيل على مدار الأعوام الـ40 الماضية، ونحافظ دائماً على التزاماتنا ما دام الأمر تبادلياً بين الطرفين، وأستبعد أي تعليقات تم الإدلاء بها في هذا الشأن".

"غض الطرف"

إلا أن تأخر الرد على بعض التقارير في شأن الموقف المصري من أزمة غزة أحياناً يكون مقصوداً، بحسب وكيل كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية سهير عثمان، التي ترى أن مصر تنتهج استراتيجية علمية تسمى "غض الطرف" بالإنكار والتجاهل، وهي استراتيجية تستخدم بشكل واضح في إدارة أزمة غزة، لحين خروج الرد الرسمي المناسب عبر وسائل الإعلام المصرية.

وأيدت الأكاديمية المتخصصة في الإعلام النهج المصري، بخاصة عدم التسرع في الرد قبل دراسة الأمر في ظل منطقة مشتعلة منذ هجمات السابع من أكتوبر الماضي، مؤكدة أنه يجب التروي قبل الرد "تحديداً في المواضيع العسكرية الحساسة".

وترى عثمان أن الإعلام المصري يعد "لسان حال القيادة السياسية" وينقل توجهاتها، لذلك في حال الهجوم من رؤساء الدول أو المسؤولين الغربيين على مصر يتم الرد وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية، رافضة وصف الإعلام المصري بأنه "موجه"، واستخدمت تعبير "الإعلام الداعم".

وأشارت إلى أن منهجية الإعلام المصري تنحصر في التحرك والرد بعد تصريحات المسؤولين المصريين وليس قبلها، وكذلك النقل بشكل "حرفي"، قائلة إن الإعلام المصري يفتقر للإبداع بنقله المعلومات من دون محاولة استقطاب بعض الآراء عبر الكتاب أو السياسيين. وشددت على أن الجمهور يعتمد في أوقات الأزمات اعتماداً كلياً على الإعلام، لذا يجب أن يكون على قدر المسؤولية بتقديم المعلومات الصحيحة التي لا تخرج سوى من مسؤولين رسميين ذوي صدقية مرتفعة، أما اتجاه الإعلام للتسرع فيعني الاختلاق وفتح مجال للأخبار الكاذبة والإشاعات.

"الإعلام المعادي"

العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي يرى أن الإعلام المصري يستخدم كل القدرات الممكنة للتصدي لما سماه "الإعلام المعادي" وما يروجه من أكاذيب وإشاعات خلال الفترة الحالية، سواء في شأن إقامة مخيمات للفلسطينيين على الحدود المصرية، والقرارات الاقتصادية المتعلقة بتعويم الجنيه وغيرها.

وقال مكاوي لـ"اندبندنت عربية" إن هناك ضرورة دعم الجاليات المصرية في الخارج بكل المعلومات المتاحة عن مصر وقراراتها السياسية والاقتصادية ليكونوا سفراءنا بالخارج، والعمل على إقناع الغرب بعدالة قضايانا وأطروحاتنا في كل المجالات.

 

 

ورأى أن المشهد الإعلامي في مصر يعاني قلة الشفافية وتقديم المعلومات للمواطنين بشكل كاف، قائلاً إن حجبها يؤدي دائماً إلى انتشار الإشاعات، والقضاء عليها يحتاج إلى تقديم معلومات دقيقة وحقيقة في التوقيت المناسب، موضحاً أنه كلما تقاعست الدولة عن تقديم المعلومة سيضطر المواطن إلى الاطلاع عليها من مصدر آخر غير موثوق فيه.

حرية تداول المعلومات

وأضاف "نحتاج إلى تقديم المعلومات بسرعة ودقة أكبر للحد من الإشاعات. لدينا فجوة كبيرة في هذا الملف لسنوات طويلة"، منوهاً إلى أن الدستور المصري المعدل في عام 2014 نص على ضرورة إتاحة المعلومات، مما يتطلب سرعة إصدار قانون حرية تداول المعلومات إلا أنه لم يصدر بعد.

وتنص المادة 68 من الدستور المصري على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً".

وأشار العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة الإعلام إلى أنه لا يمكن أن يعتمد المواطن على الإعلاميين في تقديم المعلومة من دون مصادر رسمية من الدولة تعلنها صريحة وواضحة، مثلما جرى في ملف استثمارات رأس الحكمة التي تحدث عنها بعض الإعلاميين قبل إعلان الدولة رسمياً بنحو 10 أيام.

وفي مطلع الشهر الجاري، تصدرت منطقة "رأس الحكمة" على ساحل البحر المتوسط اهتمامات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أنباء بيع أرض تلك المنطقة الساحلية لشركة إماراتية في مقابل 22 مليار دولار، على رغم عدم وجود مصدر رسمي للخبر، ودفع ذلك سعر الجنيه المصري في السوق السوداء إلى الارتفاع.

جس النبض

وتناول كثير من الإعلاميين ذلك الملف في برامج "التوك شو" الليلية، إذ قالت الإعلامية لميس الحديدي إن "الدولة تدرس مشروعاً استثمارياً ضخماً في رأس الحكمة"، فيما طرح الإعلامي عمرو أديب تساؤلات عن قيمة الصفقة وموعد تنفيذها مطالباً المسؤولين بالكشف عن تفاصيلها.

كما نشر الإعلامي أحمد موسى تدوينة على منصة "إكس" كتب فيها "قريباً 20 مليار دولار دفعة واحدة لإنهاء أزمة سعر الصرف، تنمية وشراكة مصرية وعربية وعالمية في رأس الحكمة. تنمية واستثمار مباشر وتمويل من الخارج"، ثم تناول الأمر في حلقة برنامجه "على مسؤوليتي" في اليوم التالي قائلاً "مشروع رأس الحكمة اتعمل له دعاية بـ400 مليون دولار".

فيما نقلت قناة "القاهرة الإخبارية" المصرية عن مصادر مسؤولة لم تسمها أن تطوير رأس الحكمة ضمن مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052 وفي إطار التنمية العمرانية المتكاملة لمنطقة الساحل الشمالي الغربي، وأنه جار بالفعل التفاوض مع عدد من الشركات وصناديق الاستثمار العالمية الكبرى للوصول إلى اتفاق يتم إعلانه قريباً عن بدء تنمية المنطقة التي تبلغ مساحتها أكثر من 180 كيلومتراً.

 

 

الحديث الأول على لسان مسؤول رسمي لم يأت في بيان توضيحي، إنما في حوار تلفزيوني أجراه رئيس هيئة الاستثمار المصرية حسام هيبة، بعد نحو أسبوع من إثارة ملف رأس الحكمة، إذ قال إن الحكومة تلقت عروضاً عدة من تحالفات دولية وجرى اختيار تحالف إماراتي لتنفيذ مشروع "رأس الحكمة" باستثمارات مبدئية قد تزيد على 22 مليار دولار، التي لن تضخ دفعة واحدة.

وفي المقابل لا ترى وكيل كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية ضرراً في اعتماد المواطنين على حديث كبار الإعلاميين، باعتباره مؤشراً للسياسات العامة، موضحة أن "الناس عارفة إنهم موجهين" وتصريحاتهم لا تأتي اعتباطاً، بل تقوم على حقائق، ودوماً ما تكون كلماتهم "جس نبض" لاتخاذ قرار أو قانون معين.

وتدعم أستاذ الإعلام منهجية "جس النبض" وتعتبرها صحية، مشيرة إلى أن القيادة السياسية تستخدم وسائل الإعلام لـ"جس النبض" عبر تصريح أو عبارة في برنامج يحظى بثقة الجمهور لرؤية رد فعله، فإذا كان إيجابياً يجري تمرير القرار، وإذا كان سلبياً تتراجع القيادة السياسية، مؤكدة أن ذلك "لا يقلل من دور الإعلامي" فهم أدوات للنظام السياسي لجس نبض الرأي العام، مضيفة أن ذلك "شيء شرعي ولا يعيبهم"، بحسب تعبيرها.

المزيد من تقارير