ملخص
تراجع بنسبة 60 في المئة من رقم تعاملات التجار خلال فترة موسم الخفوضات وتنقيح قانون الخفوضات جاهز ولكنه في رفوف وزارة التجارة
حال غير مسبوقة من الركود التجاري في تونس يشكو منها تجار وأصحاب المحال في العاصمة، على رغم إقرار موسم الخفوضات الموسمية في البلاد الذي انطلق منذ الأول من فبراير (شباط) الجاري لمدة ستة أسابيع.
وفي جولة قامت بها "اندبندنت عربية" على عدد من المساحات التجارية الكبرى ومحال بيع الملابس الجاهزة والأحذية في العاصمة تونس لوحظ أن هذه المحال مقفرة من العملاء وشبه فارغة وحركة البيع فيها "مجمدة" تقريباً.
ويعلق التجار، خصوصاً أصحاب محال بيع الملابس الجاهزة والأحذية والعطورات والهدايا آمالاً كبيرة على موسم الخفوضات الدورية أو ما يعرف في تونس بـ"الصولد" في إنعاش وضعيتهم المالية بترويج منتجات بأسعار مناسبة ومعقولة تراعي القدرة المهترئة للمواطنين.
وتنظم تونس مرتين في السنة موسماً للخفوضات الدورية، الأول في الشتاء مع مطلع فبراير من كل عام، بينما الثاني في الصيف مع بداية أغسطس (آب).
وأجمع عدد من تجار تونس العاصمة في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" على أنه منذ انطلاق موسم الخفوضات الشتوية خلال العام الحالي، اصطدموا بعزوف غير مسبوق من التونسيين على شراء المنتجات التي عُرضت بأسعار مناسبة، معبرين عن دهشتهم من سلوك المواطنين، إذ كانوا في زمن غير بعيد ينتظرون موسم الخفوضات لاقتناء الملابس والهدايا والعطورات.
وأرجع التجار هذا العزوف إلى الوضع المالي المتدني الذي تعيشه البلاد، إذ إن تفكير كثير من الأسر التونسية صار مقتصراً على شراء المستلزمات الغذائية التي باتت أسعارها مرتفعة.
في غضون ذلك يهرب عدد كبير من التونسيين، لا سيما الشباب منهم إلى محال الملابس المستعملة لتجديد مخزونهم من الملابس والأحذية بأسعار يعتقدون بأنها أفضل من تلك المتداولة حتى في فترة الخفوضات.
تراجع لافت في المبيعات
من جهته، أكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة في منظمة الأعراف التونسية محسن بن ساسي أن جل التجار لم يتوقعوا حال الركود التجاري التي تعرفها خصوصاً العاصمة حيث معظم العلامات التجارية والمساحات التجارية المهمة.
ولفت إلى أن موسم الخفوضات فقد بريقه وإشعاعه منذ أعوام عدة ولم يعُد يحقق الإضافة المرجوة منه في تنشيط الحركة التجارية والإسهام في عرض منتجات بأسعار تراعي القدرة الاستهلاكية للتونسيين، قائلاً إنهم "صاروا أكثر تقشفاً بسبب الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد".
وأفاد بن ساسي باعتباره صاحب محال لبيع الملابس، بأنه "منذ جائحة فيروس كورونا واندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية صارت الوضعية المادية للتونسيين متواضعة جداً، إذ إنهم يخيرون ما بين تأمين المواد الغذائية الأساسية واقتناء اللباس والترفيه".
وأشار إلى أن "هذه الوضعية انعكست على النشاط التجاري في العاصمة"، مضيفاً أن "القطاع الوحيد تقريباً الذي يحقق رقم تعاملات جيداً هو المقاهي والمطاعم"، ولفت إلى أن عدداً من أصحاب المحال التجارية المتخصصة في الملابس والأحذية أو حتى بيع العطورات والنظارات الشمسية حولوا أنشطتهم إلى مقاهٍ أو مطاعم ليرتفع عدد المقاهي في تونس العاصمة بصورة رهيبة، إذ ما بين مقهى وآخر هناك مقهى ثالث أو قاعة شاي.
وخلص بن ساسي إلى أن المبيعات في موسم الخفوضات الشتوية الحالي تراجعت بنسبة 60 في المئة مقارنة بموسم العام الماضي، منتقداً "تراخي وزارة التجارة في تمرير تنقيح قانون موسم الخفوضات الذي صار جاهزاً، لكنه في رفوف مسؤولي الوزارة".
خفوضات غير حقيقية
في الأثناء، رأى عدد لا بأس به من التونسيين أن الركود التجاري، خصوصاً في العاصمة، يتسبب به التجار أيضاً، على اعتبار أن الأسعار المطروحة في مواسم الخفوضات "وهمية" وغير حقيقية، إذ يعمد عدد كبير منهم إلى التلاعب بالأسعار المعروضة أمام المستهلكين، مستدلين في ذلك بأنهم عندما يتجولون في مختلف أرجاء العاصمة بين المحال والمساحات التجارية يعاينون الأسعار وعند حلول موسم الخفوضات يتفاجأون بأن الأسعار لم تتغير بالصورة القانونية المعمول بها، مما أفقدهم الثقة فعزفوا عن موسم الخفوضات.
تنقيح جذري وعميق
من جانبه، أكد مدير عام المنافسة والأبحاث لاقتصادية في وزارة التجارة التونسية حسان التويتي أن "النصوص القانونية المنظمة لموسم الخفوضات ستشهد عملية تنقيح جذرية تقطع مع نصوص لم تعُد تواكب الأنماط الاستهلاكية والتسويقية الجديدة من جهة، ولإعطاء دفع جديد لتظاهرة تجارية أصبحت مهددة بالاندثار".
إلى ذلك تلح المهنة على الإسراع في تنقيح القانون عدد 40 لسنة 1998 المتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري الذي يتضمن فصولاً ترتبط بتنظيم تظاهرة موسم الخفوضات، وقال التويتي إن "تجربة موسم الخفوضات تعود لنحو 26 عاماً، مع سن القانون عدد 40 لسنة 1998 المتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري الذي قنن موسم الخفوضات الدورية وأضحى ’الصولد‘ من التقاليد التجارية المهمة في البلاد"، مشيراً إلى أن "هذه التظاهرة بدأت خلال الأعوام الأخيرة تفقد بريقها وأصبحت كلاسيكية"، ومبرراً ذلك بعوامل عدة أهمها، الجانب التشريعي الذي لم يتطور وظل جامداً والحال أن الجانب الاقتصادي والعادات الاستهلاكية في تونس تغيرا بصورة متسارعة من سنة إلى أخرى، خصوصاً مع تنامي بروز التكنولوجيات الحديثة للاتصال التي خلقت أنماطاً جديدة من التجارة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "الأنماط التسويقية الجديدة أصبحت تستقطب المستهلك أكثر طوال العام على غرار البيوعات التنموية والتظاهرات التجارية الخصوصية مثل اليوم التنموي والبلاك فرايداي، إلى جانب أن التجارة الإلكترونية والبيع على الخط تطورا بصورة لافتة، لا سيما مع أزمة ’كوفيد‘ وإقرار الحجر الصحي الشامل لأشهر عدة العام الماضي، مما دفع كثيراً من التونسيين إلى الإقبال على الاقتناء من المواقع التجارية الإلكترونية".
ثلاثة محاور كبرى للإصلاح
وأوضح التويتي أن "رؤية وزارة التجارة لإصلاح تلك التظاهرة تتركز على ثلاثة محاور كبرى، الأول أن التعريف القانوني للصولد يعوق في حد ذاته هذه التظاهرة، ويتمثل المحور الثاني في العمل على تطوير التصاريح باتجاه الاعتماد على الرقمنة في عمليات التسجيل في المشاركات، أما الثالث فيخص تقنين العمليات التسويقية الأخرى، البيع عبر الإنترنت والبلاك فرايداي والأيام التنموية، في اتجاه تنظيمها إذ إنها لن تكون مفتوحة في كل الفترات"، مشيراً إلى أنها أصبحت تطغى على "الصولد" وأضرت بعدد كبير من التجار.
وكشف التويتي عن أن "تنقيح القانون سيهتم بتنظيم عملية الخفوضات الإضافية واعتماد الشفافية عند إقرارها"، لافتاً إلى أن الوزارة تتعامل بمرونة حتى الآن مع هذه المسألة.
بحث ميداني
وأظهر أحدث بحث ميداني أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك (حكومي) حول التونسيين والخفوضات الموسمية، أن 22 في المئة من العائلات تخصص عادة موازنة لهذه المواسم، وتخصص ثمانية في المئة فحسب من العائلات التونسية موازنة خاصة بموسم الخفوضات مقابل 78 في المئة لا يفعلون ذلك "أبداً" و14 في المئة "أحياناً".
ويتأتى مصدر تمويل الشراء في فترة "الصولد" من "الدخل الشهري" بالنسبة إلى 66 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، مقابل 20 في المئة يعتمدون على "الادخار" و11 في المئة عبر "الدفع بالتقسيط".
وأبرز البحث الميداني الذي شمل عينة مكونة من 3000 مستجوباً أن كبار السن وسكان المناطق الداخلية هم أكثر من يتجهون إلى الادخار في هذه الحالة.
وحول استعدادات وسلوكات المستهلكين خلال فترة الخفوضات الموسمية، أكد البحث أن 25 في المئة من المشاركين يرصدون "بانتظام" العروض التجارية قبل بداية موسم الخفوضات، مقابل 39 في المئة "أحياناً" و36 في المئة "أبداً"، مشيراً إلى أن النساء والشباب وسكان تونس الكبرى هم الأكثر مواظبة على رصد العروض قبل الخفوضات.