ملخص
تقوم نساء "داعش" إما بتهديد أو قتل النساء اللواتي لا يرغبن في تغطية أنفسهن، أو اللواتي تكون وجوههن ظاهرة أو شعرهن مكشوفاً أو اللواتي يتواصلن مع منظمات الإغاثة
تحدثنا الأسبوع الماضي عن العنف متعدد الأوجه في مخيم الهول، واليوم سنتطرق إلى تفاصيل الحياة اليومية في معسكر الاعتقال، كما سنتحدث عن المشاريع التي أنشئت في إطار إعادة تأهيل عناصر تنظيم "داعش"، وحماية النساء والأطفال من الانتهاكات وإنقاذهم من العقلية الـ "داعشية."
عند بوابة "مخيم الهول" يوجد مركز الأمن العام، إضافة إلى مكتب تمثيلي للأمم المتحدة، وإذا ما دخلت المخيم ستجد بعض الأطفال يبتسمون للزوار، في حين يحدق أطفال آخرون بحقد، ومخيم الهول أو "مدينة الخيم" تشبه مدينة مزدحمة أو مركز مدينة حيوية للغاية، فإضافة إلى المطاعم ومحال الملابس والقرطاسية ومحال الحلويات ومحال الأجهزة ومحال الخضراوات والخردوات والحلاقة والجزارين، وتصطف المحال التجارية بجميع أحجامها الكبيرة والصغيرة في صفوف، ويحاول أصحاب المتاجر والبائعين بيع البضائع بالصراخ بأعلى صوت ممكن.
مدينة الخيم التي تحيط حدودها الخارجية بالأسلاك الشائكة والجدران يوجد بها مدارس ومراكز صحية ونقاط تحويل أموال ومحال إنترنت وحدائق ومساجد ومكاتب للمنظمات الدولية وكل ما من شأنه تلبية حاجات الناس في الحياة اليومية.
عدد الرجال في سوق مخيم الهول قليل جداً وجميعهم لديهم لحى، ويرتدون الزي العربي التقليدي ويتبادلون التحيات بحذر، ولا يجيبون على الأسئلة المتعلقة بالحياة في المخيم أو بتنظيم "داعش"، ويتجنبون المقابلات والمحادثات الثنائية مع الغرباء، ويمكنهم أيضاً أن يأمروا النساء معهم بالمغادرة على الفور.
وتصل يومياً السلع الاستهلاكية إلى المخيم بمعدل يصل إلى 100 شاحنة يومياً محملة بالخضراوات والفواكه واللحوم والمواد الغذائية الأخرى، ووفقاً للعقد المبرم بين إدارة المخيم وتجار الجملة في المنطقة تُسلم هذه المؤن والإمدادات المرسلة إلى المخيم في نقاط محددة مسبقاً.
ويوجد سوقان ثابتان داخل المخيم، سوق العراقيين وسوق السوريين، وهناك سوق آخر للأجانب القادمين من خارج المخيم، وهذا السوق الأخير يفتح في ساعات تحددها إدارة المخيم.
ويمكن تسلم الحوالات المرسلة من أقارب سكان المخيم من مختلف دول العالم من خلال مراكز التحويلات الموجودة فيه، ويمكن للأيتام الذين لا يستطيعون تلقي التحويلات المالية الاستفادة من المخصصات الشهرية الصغيرة التي تقدمها إدارة المخيم ومنظمات المساعدات الإنسانية الدولية المختلفة، ومن الناحية العملية لا يحتاج أهل المخيم إلى الكثير لأن حاجاتهم من الكهرباء والتدفئة والمياه والخبز والنقل والرعاية الصحية مجانية، كما يمنح بعض الأشخاص أموالاً نقدية يمكن إنفاقها على الحاجات الأساس مثل الطعام والملابس ونفقات النقل الإجبارية.
ما هي الآلية الأمنية في المخيم؟
يقول جيهان حنان، وهو أحد كوادر إدارة مخيم الهول، إن المشكلات والتهديدات الأمنية مستمرة، ويضيف "لا يوجد نظام أمني يمكنه معرفة كل نشاط من أنشطة حياة المخيم، ويمكن أن نتحدث عن أمن جزئي يمكنه مراقبة مدينة الخيام من الخارج وإغلاقها إذا لزم الأمر والسيطرة على المداخل والمخارج، وعلى سبيل المثال، لم تطور أية آلية سوى تسيير دوريات عرضية في المخيم بسيارات مصفحة وتفتيش في أقسام مخصصة مع العشرات من رجال إنفاذ القانون أثناء عمليات التفتيش العامة".
ويتابع المسؤول في إدارة المخيم حديثه فيقول، "تحدث أيضاً بشكل متكرر استهزاءات لفظية وتهديدات بالقتل أو الانتقام وهجمات بالحجارة على الدوريات الراجلة، ولا توجد وثائق تثبت هوية الأشخاص المحتجزين في قسم الأجانب لتجنب اكتشافهم ومعاقبتهم على جرائمهم السابقة، كما ترفض معظم العائلات الأجنبية إظهار هويتها الحقيقية أو الكشف عنها، لكن بالنسبة إلى النازحين السوريين أو اللاجئين العراقيين، فإضافة إلى هوياتهم تسجل أيضاً بصمات أصابعهم مع مسح العين، فيما يعترض العراقيون، الذين يشكلون الجزء الأكبر من سكان المخيم، على تسليمهم إلى بلادهم بسبب سوء المعاملة والعقوبات القضائية التي سيواجهونها عند عودتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخشى العراقيون المنتمون إلى "داعش" أيضاً من الانتقام الطائفي بسبب الفظائع التي ارتكبوها في الماضي، كما تخشى إدارة المخيم من أن يقوم مسلحو "داعش" الذين ينشطون على بعد 25 كيلومتراً من مكان المخيم بمداهمة الهول واجتياحه عندما تتاح لهم الفرصة.
في عام 2023 لم تكن هناك عمليات قتل في المخيم، ولكن كان هناك كثير من محاولات الهجوم، حيث ذهبت نساء "داعش" إلى خيم كثير من النساء وقمن بتهديدهن وضربهن، ودخلن ليلاً خيمة مصففة شعر نسائية وهاجمنها بسكين لكن المرأة المصابة تمكنت من الإفلات من أيديهن ووصلت إلى إدارة أمن المخيم.
ورصدت نساء "داعش" مواقع كثير من المنظمات الإغاثية العاملة في المخيم وهددن موظفيها وأحرقن مبان تابعة لثلاث منظمات إغاثة، كما أحرقن المكان الذي بُني كمدرسة للأطفال، وبطبيعة الحال فإن المتورطين في مثل هذا العنف والتهديدات يغطون وجوههم ويحملون السلاح، لكن مع العملية الأمنية التي جرت داخل المخيم عام 2022 طرأ تحسن على المستوى الأمني، إلا أن التنظيم يعيد ترتيب صفوفه من جديد وتشكيل مجموعات.
ويضيف المسؤول في إدارة "الهول" أن المخيم "مقام على مساحة كبيرة جداً، ولا نملك الوسائل اللازمة لتجهيز محيطه بالكاميرات ونشر قوات إنفاذ القانون في كل مكان وملاحظة تطورات الأوضاع في الوقت المناسب".
ما هي الإجراءات الأمنية المتخذة ضد العنف والتهديدات؟
المسؤولة في المخيم جيهان زينان تتحدث عن الوضع العام في الهول والإجراءات المتخذة في شأن النساء المهددات من قبل نساء "داعش" فتقول، "تقوم نساء ’داعش‘ إما بتهديد أو قتل النساء اللواتي لا يرغبن في تغطية أنفسهن أو اللواتي تكون وجوههن ظاهرة أو شعرهن مكشوفاً، أو النساء اللواتي يتواصلن مع منظمات الإغاثة، وقد أحرقن خيمة مقر ’مجلس المرأة السورية‘ لأن موظفي هذه المنظمة يطورون نشاطاً تعليمياً في المخيم حول تعدد الزوجات باعتباره اغتصاباً لحقوق المرأة، ولقد أحرقن المركز بعد يوم واحد من بدء التدريب، وبسبب هذه التهديدات لا تستطيع كثير من النساء القدوم إلينا وإخبارنا عن المشكلات التي يعانينها، كما أن منظمات الإغاثة الأخرى لا تستطيع دخول مقصورة نساء ’داعش‘ الأجنبيات بسبب هجماتهن، وعلاوة على ذلك لا توجد جهود لتطهير تلك النساء من الأفكار الإرهابية".
وتضيف، "عندما نسمع أو ندرك أن هناك زميلات من النساء يتعرضن للتهديد والاعتداء من قبل نساء ’داعش‘ الأخريات نُخرج النساء اللواتي يتقدمن إلينا من تلك الحجرة ونضعهن في مكان أكثر أماناً أعددناه لهن في المخيم".
ما الذي يحدث في إطار إعادة تأهيل النساء والأطفال المقيمين في المخيم؟
وتتابع المسؤولة المدنية في مخيم الهول جيهان زينان حديثها فتقول إنه "نظراً إلى وصول عدد الأطفال إلى عشرات الآلاف، أنشئت 29 مدرسة ومركزاً تعليمياً، وتعطى دروس اللغة العربية وفق منهج ’منظمة الأمم المتحدة للطفولة‘ (يونيسف)، وإضافة إلى ذلك أنشئت عشرات مراكز الدعم والمساعدة النفسي، كما تقدم الأنشطة خارج الفصل الدراسي حتى يتمكن الطلاب من التكيف مع الحياة الاجتماعية خارج الفصل، وعلى سبيل المثال تقدم ندوات ودورات حول تحسين الذات والتدريب الرياضي المتنوع". وأشارت إلى أن "أكثر ما يثير القلق والشكوى هو استخدام لغة وتعريف وأسلوب خطاب عدواني وتمييزي، وهو ما يهيمن على حياة المخيم، وقد تغلغل هذا العداء في وعي وروح جميع العائلات، ولذلك فإن عائلات ’داعش‘ تعارض بشدة ذهاب أبنائها إلى المدارس ومراكز التعليم".
وكإجراء مضاد تنفذ إدارة المخيم برنامجاً خاصاً لإعادة تأهيل الأطفال الذين وصلوا إلى سن البلوغ، إذ قامت الإدارة التي لاحظت تعرض بعض المراهقين للاغتصاب من قبل نساء "داعش" داخل المخيم بنقل كل فتى مراهق، سواء كانوا ضحايا أم لا، إلى مراكز إعادة التأهيل المقامة خارج المخيم في القامشلي أو الحسكة.
وإضافة إلى التعليم والتدريب المكثف تنظم في هذه المراكز ندوات خاصة بالتحول النفسي والعقلي والفعاليات الرياضية والترفيهية والثقافية، ويحق لهؤلاء المراهقين زيارة عائلاتهم في عطلات نهاية الأسبوع والتحدث عبر الهاتف مرة واحدة في الأسبوع، لكن هذا المشروع لم يتمكن من تلبية التوقعات.
وخلال عام 2019 وصل عدد سكان مخيم الهول إلى رقم قياسي بلغ 65 ألف شخص، لكن بعد وساطات عشائرية وتدخلات خرج عدد من قاطني المخيم، ولسوء الحظ فإن نسبة من المفرج عنهم ينضمون مرة أخرى إلى "داعش" ويهاجمون الأهداف الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أما الباقون فقطعوا كل العلاقات مع الماضي.
من ناحية أخرى توفر إدارة المخيم أيضاً معلومات مفصلة حول الخدمات الصحية والاجتماعية الأخرى في حياة المخيم، فتقدم أربعة مستشفيات وعشرات المراكز الصحية المتنقلة الخدمة المجانية طوال أيام الأسبوع، وتقدم الخدمات الصحية التي تحتاج إلى خبرات مثل أقسام الجراحة بموجب عقد مبرم مع المستشفى المتكامل في الحسكة، كما يفحص يومياً ويعالج المئات من سكان المخيم، ويتلقون الأدوية اللازمة، ويمكنهم البقاء في المستوصف إذا لزم الأمر أو الحصول على العلاج المجاني في أقسام المرضى داخل عيادات المستشفيات.
ويضم المخيم خمسة مساجد ويعين الأئمة من قبل الإدارة ومن خلال العمل مع المسؤولين الشرعيين في بلدة الهول، ويساعد الأئمة الناس في أداء صلواتهم اليومية ويقدمون دروساً دينية ودورات القرآن الكريم.
وأيضاً يمكن تنظيم الاحتفالات في المناسبات الخاصة مثل الولادة والوفاة بحسب العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية لأهل المخيم.
وينقسم سكان المخيم إلى ثلاثة أقسام من حيث نظرتهم تجاه الإدارة، القسم الأول هم الذين لا ينتقدون الإدارة أو يعترضون عليها، والقسم الثاني هو أولئك الذين يحبون ما تفعله الإدارة ولكنهم لا يحبون نظرتها للعالم وخطابها، والقسم الثالث هم المتعصبون والمتحيزون الذين يتخذون موقفاً إنكارياً ورافضاً تماماً لكل ما تفعله الإدارة.
ويشار إلى بعض الانتقادات التي تطاول المؤسسات الكردية التابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" والتي تتبع لها إدارة المخيم تجاه الأهالي في الهول والمخيمات الـ 19 الأخرى الموجودة شمال شرقي سوريا، إذ إن أخذ الأطفال بعمر 13 سنة فما فوق من القسم الذي توجد فيه نساء "داعش" ونقلهم إلى مراكز التأهيل والتعليم "يعني فصل الأم عن الطفل، وهو أمر مخالف لحقوق الإنسان وقانون الأسرة"، وإخراج هؤلاء الأطفال له سببان، الأول هو منع نمو الأطفال على أساس أفكار "داعش" وعنفها، والثاني هو منع اغتصاب نساء "داعش" للأطفال تحت مسمى "زواج الإمام"، ومع ذلك فقد انتقد المقرر الأممي إخراج الأولاد الذين تبلغ أعمارهم 13 سنة وأكثر من مقصورات نساء "داعش" في مخيمي "الهول" و"روج"، ووصفه بأنه "فصل بين الأم والطفل".
وترد على هذا الرأي المسؤولة عن إدارة مخيمي الهول والروج سارة ديريك فتقول، "اتخذنا ونفذنا قرارنا بنقل أطفال عناصر ’داعش‘ من المخيم إلى مراكز التعليم، وذلك يتماشى مع العديد من الوثائق التي توضح كيفية تعليم هؤلاء الأطفال وفق أفكار ’داعش‘ في المخيم، قلقد استغل الأولاد في المخيم كأدوات إنجابية واغتصبوا من قبل النساء البالغات، فقمنا بإخراج هؤلاء الأطفال من قسم النساء".
وتضيف ديريك أنه "خلال تلك الفترة وقعت حادثة في المخيم، وبعد ذلك رأينا حوادث مماثلة تحدث مرة أخرى، ولقد قاموا بتزويج صبي يقيم في مقصورة نساء ’داعش‘ من أربع نساء وكانوا يسيئون معاملته، ونتيجة لبحثنا علمنا أن هناك حالات أخرى من هذا القبيل، وقد نفذت بشكل واع ومخطط له من قبل نساء ’داعش‘ وبسبب كل هذا قررنا إخراج الأولاد الذين تبلغ أعمارهم 13 عاماً وأكثر من المخيم ونقلهم إلى مراكز التأهيل والتعليم، وهذه المراكز ليست زنزانات بل إن مستويات وظروف المعيشة فيها أفضل بكثير مما هي عليه في المخيم، كما أن هناك بعض الأمهات لا يتحدثن علناً عن نساء "داعش"، لكنهن لا يرغبن في أن يكبر أطفالهن في المخيم ويتعرضون للإيذاء، فيأتون إلينا ويقولون خذوا أطفالنا، ونحن نمكن الأطفال من إجراء مكالمات هاتفية عبر الفيديو مع أمهاتهم، ولو لم نقم بتطوير هذا التطبيق لكانت قد حدث أكثر من ذلك بكثير في المخيم، ولكان وضع هؤلاء الأطفال سيئاً جداً".
من جهتها تقول "قوات سوريا الديمقراطية" إن "مخيم الهول يشبه قنبلة ذرية جاهزة للانفجار في أية لحظة بالنسبة للمدنيين، ومن الضروري أن يعرف من ينتقدنا أنه لا توجد أية دولة ترغب في تحمل المسؤولية السياسية والأمنية والاقتصادية لهذا المعسكر، ولذلك اضطررنا إلى القيام بهذه المهمة النفسية والسياسية والأمنية نيابة عن دول العالم".
ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة اندبندنت تركية.
نقلاً عن اندبندنت تركية