في ظل تصاعد حرب عالمية تجارية بين أميركا والصين، يبدو أن الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي، يترصد الفرص للاستفادة من حرب المصالح الدوليّة العملاقة. على الأقل، يمثّل ذلك جزءاً مما يوحي به الخبر عن الاختراق الضخم الذي حققته بريطانيا في "بلاد العم ماو" أخيراً. إذ استطاعت شركة "بي تي" BT البريطانيّة العالميّة أن تقتحم "سور الصين العظيم" الذي يفرضه الحزب الشيوعي الصيني على شبكات الاتصالات في
بلاده. وصارت أول شركة أجنبيّة تدير شبكة اتصالات داخلية في الصين، التي تشتهر بأن حكومتها تمارس هيمنة مطلقة على شبكات الاتصالات بأنواعها كافة. وأوضحت شركة "بي تي" أن وزارة الصناعة وتقنية المعلومات الصينيّة منحتها مجموعة من التراخيص، تمكنها من تشغيل شبكة تعمل محلياً وتُغطّي أرجاء البلاد كلها. وبذا، صار مستطاعاً لشركة "بي تي تشيانا كوميونيكيشن" BT China Communication التعاقد مباشرة مع الأفراد في أنحاء البلاد، وإدارة شبكة للاتصالات الخليوية المتطوّرة. ويقصد بذلك أن الشبكة التي تديرها "بي تي" في الصين تعطي الهواتف الذكيّة إمكان الاتصال بوسائط متنوعة كالمكالمات والصور والرسائل والنصوص وغيرها، إضافة إلى الاتصال بشبكة الإنترنت. إذ تشمل التراخيص الصينية الممنوحة لـ"بي تي"، السماح لها بالحصول على شبكة افتراضيّة ("فيرتشويال برسونال نتورك" Virtual Personal Network)، مع السماح بنشرها في كل الأراضي الصينية. ويعتبر الأمر ملفتاً لأنه يجمع بين سماح الحكومة المشهورة بتشددها في الرقابة بنشر شبكة افتراضيّة خاصة من جهة، إضافة إلى إتاحة تعاملها مع الكومبيوترات عبر دمج معطيات "بروتوكول الإنترنت" معها. ولذا، جاء الترخيص من نوع "دوماستيك أي بي- في بي آن" Domestic IP-VPN . ومن جهة ثانية، يثير ذلك الأمر سؤالاً عن مدى نأي تلك "الشبكة الافتراضية" عن رقابة الحكومة الصينية. ولا أقل من القول إن الشبكات الافتراضيّة تعطي إمكان الاستقلال حتى عن بعض الخوادم ("راوتر" Router) التي تمر بها، لكنها تبقى في حاجة إلى "راوتر" أساسي تستند إليه أيضاً. وإذا أُخِذ في الاعتبار أيضاً تمرّس الحكومة الصينية بالمعطيات التقنية المتصلة بالرقابة على شبكات الاتصالات، يصبح السؤال في شأن مدى استقلالية شبكة "بي تي تشاينا كوميونيكيشن" عن الرقابة الإلكترونيّة لحكومة بكين، موضع التباس محيّر.
في المقلب الآخر من الصورة، أوضح بيان لشركة "بي تي" أنها تتوقع إقبالاً على شبكتها الصينية المحلية، خصوصاً من قبل الشركات العالمية المتعددة الجنسيات العاملة في الصين، التي تسعى إلى الحصول على خدمات اتصالات آمنة وموثوق بها لتوسيع أعمالها في السوق الصينية. وإذا حقّقت "بي تي" ولو مقداراً نسبيّاً من الاستقلالية عن رقابة الحكومة المركزية، ينفتح المجال أمام اعتبارها مساحة مأمونة للاتصالات في الصين، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الأجنبية العملاقة.
وعلى لسان وزير الدولة البريطاني للتجارة الدوليّة الدكتور ليام فوكس، اعتبرت بريطانيا الخطوة الصينية تتويجاً لتعاونها الوثيق مع الحكومة الصينية، وجزءاً من فتح الأسواق العالمية أمام الشركات البريطانية وأعمالها.
إذاً، هناك أسئلة معلقة في شأن توصّل أول شركة أجنبية إلى إدارة شبكة صينية محلية تغطي الأراضي الصينية كلها.