ملخص
شكلت صادرات الصين من السلع إلى البلدان التي تغطيها شبكة اتفاقية التجارة الحرة نحو 38 في المئة من إجمالي صادراتها العالمية
حتى خلال فترة شهر العسل الأولى التي شهدت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، كان من الواضح أن واشنطن وبكين - كما يقول المصطلح الصيني - "تتقاسمان السرير ولكنهما تحلمان بأحلام مختلفة". وأشاد رئيس الولايات المتحدة الأسبق آنذاك بيل كلينتون، بعضوية الصين باعتبارها "تعزيزاً للإصلاح السياسي"، في حين كان لزعيم الصين آنذاك لجيانغ تسه مين، وجهة نظر مختلفة محذراً من الدافع الحقيقي لأميركا هو "تغريب الدول الاشتراكية وتقسيمها".
واليوم بعد مرور أكثر من 20 عاماً، انتشر هذا الاحتكاك، وأصبحت منظمة التجارة العالمية - التي تعقد مؤتمرها الوزاري الذي يعقد كل عامين هذا الأسبوع - رهينة للانقسامات الحادة بين الولايات المتحدة والصين مع تصاعد الاحتكاك التجاري بين الصين والغرب. ومع تعثر المنظمة تعمل الصين على تسريع الجهود الرامية إلى بناء بنية تجارية بديلة معزولة عن نفوذ الولايات المتحدة وتتمحور حول العالم النامي.
الصين والاستفادة من الجنوب العالمي
وفي هذا الصدد، تتمثل استراتيجية بكين الرئيسة في الاستفادة من العلاقات مع "الجنوب العالمي" التي تعززت من خلال مبادرة الحزام والطريق BRI البالغة قيمتها تريليون دولار، وهو برنامج استثماري أُطلق في عام 2013 ويضم أكثر من 140 دولة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ومناطق أخرى كمشاركين فيها. ويقول المسؤولون الصينيون إن البنية قيد الإنشاء تدور حول شبكة تتمحور حول الصين من "اتفاقيات التجارة الحرة" الثنائية والإقليمية، والتي تسمح بالتجارة بتعريفات منخفضة مع تعزيز تدفقات الاستثمار المباشر. هذه الشبكة - التي تضم حالياً 28 دولة ومنطقة تستحوذ على ما يقرب من 40 في المئة من صادرات الصين – وهذا يعني أنه إذا انهارت ولاية منظمة التجارة العالمية لإبقاء العالم مفتوحاً أمام التجارة الحرة، فسيكون لدى الصين على الأقل نظام دعم جزئي قائم. مع الإشارة إلى أن أي من اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها الصين لا تشمل الولايات المتحدة أو دولاً داخل الاتحاد الأوروبي.
يقول أستاذ القانون في جامعة سنغافورة للإدارة ومستشار منظمة التجارة العالمية، هنري جاو، لصحيفة "فايننشال تايمز"، "لقد شعرت الصين بأنها بحاجة إلى بناء نظام بديل يخدم مصالحها الخاصة". ويضيف جاو "يعتمد هذا البديل بشكل أساسي على مبادرة الحزام والطريق، التي تحاول الصين تدريجاً تحويل صادراتها إليها من الأسواق التقليدية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
ذبول النظام التجاري العالمي
ويعكس سعي الصين لحماية تجارتها قلقها في شأن ذبول النظام التجاري العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وهو التهديد الذي اشتد منذ عام 2018 عندما فرض الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب تعريفات جمركية ضخمة على التجارة مع الصين. ومن المتوقع أن تكون قد تقلصت قيم التجارة العالمية بنسبة 5 في المئة العام الماضي مع ارتفاع عدد "التدابير المقيدة للتجارة" - التي تشمل التعريفات الجمركية والتدابير غير الجمركية - بشكل كبير، وفقاً لـ"الأونكتاد"، وهي هيئة إنمائية تابعة للأمم المتحدة.
وتقول الصحيفة إلا أن الرياح المعاكسة الرئيسة للنظام التجاري العالمي جاءت في شكل انهيار نظام حل النزاعات في منظمة التجارة العالمية منذ عام 2019. وأشارت إلى أن الخلل الوظيفي في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية - أعلى محكمة استئناف للتجارة العالمية – يعني أن العديد من النزاعات التجارية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات الأميركية الجلوس في مأزق قانوني، مما يجعل التجارة أكثر كلفة وتعقيداً.
وعلى رغم استبعاد معظم المحللين سيناريوهات جذرية مثل زوال منظمة التجارة العالمية، إلا أن البعض يقولون إن التحديات المتعددة التي تواجهها المنظمة - بما في ذلك الإعانات الصناعية الضخمة في العديد من الدول التجارية الكبرى وإنشاء هياكل موازية لاتفاقية التجارة الحرة مثل تلك التي تبنيها الصين - يمكن أن تقوضها بشكل كبير.
وكتب مساعد الممثل التجاري الأميركي السابق، مارك لينسكوت، في ورقة بحثية للمجلس الأطلسي، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن "تشير التهديدات المتعددة إلى أن مستقبل منظمة التجارة العالمية أبعد ما يكون عن التأكيد، حتى لو كان الانهيار المفاجئ أو رحيل لاعب مهم أمراً غير مرجح... إذا استمرت (السياسات الصناعية)، فقد ينهار حكم القانون في منظمة التجارة العالمية".
ويشكل التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية أولوية بالنسبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، والذي قال في خطاب ألقاه في سبتمبر (أيلول) الماضي "ستسعى الصين جاهدة لبناء بيئة أكثر انفتاحاً وشمولاً للتنمية... الصين ستوسع الشبكة ذات التوجه العالمي لمناطق التجارة الحرة عالية المستوى".
ويطرح مسؤول تجاري صيني، رفض ذكر اسمه للصحيفة، الأمر بقوة أكبر، إذ يقول المسؤول، "تلعب الصين الدور الرائد في التجارة الحرة، بينما أصبحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر حمائية". وأضاف "نحن بحاجة إلى تسريع عدد اتفاقيات التجارة الحرة التي نوقعها وكذلك ضمان جودة هذه الاتفاقيات من أجل خلق مساحة كافية لتنمية الصين".
الصين تدفع برنامج اتفاقية التجارة الحرة الخاص بها
وتكشف حسابات صحيفة "فايننشال تايمز" عن تقدم كبير في الخطط الصينية، إذ شكلت صادرات الصين من السلع إلى كافة البلدان والأقاليم التي تغطيها شبكة اتفاقية التجارة الحرة نحو 38 في المئة من صادراتها العالمية في الأشهر الـ12 التي انتهت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وخلال هذه الفترة، قامت الصين - باعتبارها أكبر مصدر في العالم على الإطلاق - بشحن نحو 3.43 تريليون دولار حول العالم، كما استحوذت شبكة اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة بها على ما يقرب من 1.3 تريليون دولار من هذا الإجمالي.
ولوضع حجم بصمة اتفاقية التجارة الحرة هذه في السياق، تصدر الصين إلى شبكة اتفاقية التجارة الحرة الخاصة بها أكثر مما فعلته رابع وخامس أكبر المصدرين في العالم، هولندا واليابان، في جميع أنحاء العالم خلال عام 2022.
وقد اكتسب إنشاء النظام البيئي لاتفاقية التجارة الحرة في الصين زخماً بعد أن زرعت الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008 شعوراً عميقاً بالقلق في بكين في شأن استقرار الاقتصاد العالمي.
وأعقبت اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وسنغافورة في أواخر عام 2008، في عام 2010، اتفاقية التجارة الحرة بين الصين و(الآسيان) مع جميع الدول الـ10 التي تشكل التجمع الاقتصادي لجنوب شرقي آسيا. ولكن بعد أن استبعدت الولايات المتحدة الصين من المحادثات للانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية تجارية كبيرة متعددة الأطراف وقعت في عام 2016، دفعت بكين بالفعل برنامج اتفاقية التجارة الحرة الخاص بها إلى أقصى الحدود.
وكان أكبر نجاح حققته حتى الآن هو التفاوض في شأن عضوية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضم 15 دولة، وهي اتفاقية تجارة حرة إقليمية ضخمة دخلت حيز التنفيذ في عام 2022. ويسهم أعضاء الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بحوالى ثلث الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
لكن بكين لن تتوقف عند الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، فهي تتفاوض حالياً على 10 اتفاقيات تجارة حرة، والتي، باستثناء تلك التي تعتبر تحديثات لاتفاقيات التجارة الحرة المعمول بها بالفعل، ستمثل نحو 4.3 في المئة أخرى من صادراتها العالمية، وفقاً لحسابات الصحيفة. ومن ناحية أخرى، يجري الآن أيضاً إعداد دراسات جدوى لثماني اتفاقيات تجارة حرة أخرى، والتي في حال إبرامها ستمثل ما يقرب من 2.6 في المئة إضافية من الصادرات الصينية إلى العالم.
تركيز الصين على تجارتها مع العالم النامي
أما على المدى الطويل، سينصب تركيز بكين على توجيه تجارتها بشكل أكبر نحو العالم النامي من خلال استخدام علاقاتها مع أكثر من 140 دولة تغطيها مبادرة الحزام والطريق وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة معها إذا أمكن ذلك، وفق ما يقول المحللون الصينيون. ويقول جاو إن هذا الاتجاه جار على قدم وساق، مضيفاً أن صادرات الصين إلى الدول الـ10 الأعضاء في (آسيان) - وجميعها مدرجة في مبادرة الحزام والطريق - تجاوزت الصادرات إلى الولايات المتحدة في العام المنتهي في أكتوبر 2023.
وعلى نطاق أوسع، فقد تجاوزت تجارة الصين مع مجموعة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، تجارة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان مجتمعة.
ويرى محلل الأسواق الناشئة في شركة إدارة الأصول ناينتي وان، مايكل باور، أن ارتباط الصين التجاري مع الدول النامية دليل على أن العالم يميل نحو محوره. وقال "الصين لا تحاول فقط إنشاء نظام عالمي بديل، إنها تنجح... لا يستطيع الكثيرون في الغرب قياس النجاح الذي تحققه الصين في بقية العالم، بينما يبدأ الغرب في الانفصال عن الصين، فإن بقية العالم يعيد توجيه نفسه نحو الصين".
ضرورات جيوسياسية
في حين تكمن أحد التعبيرات عن التغيرات الجارية في ارتفاع تدفقات الاستثمار التي تتبع تضاريس اتفاقيات التجارة الحرة الصينية، إذ يقول باور إن الاستثمار الصيني المباشر في آسيان، والذي ارتفع إلى 15.4 مليار دولار في عام 2022 من 9 مليارات دولار استثمرت في عام 2019 قبل الوباء، مما يساعد في تحويل المصير الاقتصادي للمنطقة، علاوة على أن النقاط الساخنة لتصنيع التكنولوجيا الفائقة مثل بينانج في ماليزيا لأشباه الموصلات وكاليمانتان في إندونيسيا للسيارات الكهربائية وبطاريات السيارات الكهربائية، ليست سوى مثالين لدول (آسيان) التي تتسلق سلم التكنولوجيا.
وإلى درجة ملحوظة، فإن التواصل مع اتفاقية التجارة الحرة في الصين يتبع ضروراتها الجيوسياسية، فإحدى الأولويات هي اتفاقية التجارة الحرة المقترحة مع مجلس التعاون الخليجي، وهو اتحاد يضم السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين، إذ خضعت اتفاقية التجارة الحرة هذه لـ10 جولات من المفاوضات، والتي قال المسؤولون الصينيون إنها في عام 2022 ستكون في "مرحلتها النهائية والحاسمة". ويمثل مجلس التعاون الخليجي مصلحة استراتيجية حيوية للصين، فلم يقتصر الأمر على تصدير الصين ما قيمته 112.5 مليار دولار إلى المنطقة في الأشهر الـ 12 المنتهية في أكتوبر من العام الماضي فحسب، بل إنها تعتمد أيضاً على مصدري الوقود الأحفوري في المنطقة في حوالى 40 في المئة من وارداتها النفطية. علاوة على ذلك، ساعدت شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي، شركة الاتصالات العملاقة الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، في إنشاء البنية التحتية الأساس في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي.
الصين وعين على منطقة التجارة الحرة الأفريقية
القارة الأفريقية هي الجائزة الكبرى الأخرى التي تتطلع إليها الصين، وفق ما يقول المسؤولون الصينيون الذين لم يرغبوا في الكشف عن هويتهم للصحيفة، إذ إن إنشاء اتفاقية التجارة الحرة للقارة الأفريقية AfCFTA عام 2018، والتي وقعتها 54 دولة أفريقية، يخلق فرصة هائلة للصين. وعلى رغم أن بكين لم تعلن عن رغبتها في الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، إلا أن مكانة الصين كأكبر شريك تجاري وطني للقارة دفع إلى التوافق الوثيق مع المجموعة.
وتمول الصين أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وفي عام 2021، وقعت وزارة التجارة الصينية اتفاقية لإنشاء فريق من المتخصصين في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية للتعاون في مسائل مثل التجارة الرقمية والإجراءات الجمركية وحقوق الملكية الفكرية وغيرها، وفقاً لمسؤولين صينيين. ويقول أحد المسؤولين، للصحيفة بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته "إذا كانت عمليات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية يمكن أن تتماشى مع معايير وإجراءات الصين، فسيكون ذلك مربحاً لكل من أفريقيا والصين".
لا ترغب الصين في رؤية زوال العولمة كما تمثلها منظمة التجارة العالمية، بل على العكس من ذلك، كانت بكين مستفيدة واضحة من تحرير التجارة على مدى أكثر من عقدين من الزمن، إذ تمتعت بزيادة تزيد على 10 أضعاف في إجمالي تجارتها منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وهو ما يفوق إلى حد كبير المتوسط العالمي بعدة مرات. ولكن على رغم كل الجهود التي بذلتها بكين في بناء هيكلها التجاري البديل، فإن التصعيد الحالي للاحتكاك التجاري مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعني أن الصين تظل معرضة بشكل خطير لأخطار احتمال تراجع قيم التجارة العالمية بشكل أكبر عن مستويات عام 2023.
الاحتكاك التجاري الأميركي الأوروبي مع الصين
ويقول المحلل في مجلس العلاقات الخارجية، زونجيوان زوي ليو، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك، "شبكة الصين المتوسعة من اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية لا يمكنها عزل الصين بشكل فعال عن الاحتكاك التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي... لا يمكن بسهولة تعويض الخسائر التجارية الناجمة عن التوترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال التجارة مع دول ومناطق أخرى، وفق ما يتضح من الانكماش التجاري للصين في عام 2023".
وبالتالي فإن الغيوم العاصفة التي تتراكم حالياً على تجارة الغرب مع الصين تشكل مصدر قلق كبيراً لبكين. وكما كانت الحال في كثير من الأحيان في الماضي، فإن النقطة الشائكة الرئيسة هي الإعانات الصناعية التي يقول مسؤولون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إن الصين أغدقتها على بعض قطاعات التصنيع المتقدمة، مما أدى إلى خلق مزايا غير عادلة من الكلفة للشركات الصينية. وقد حذرت واشنطن بكين هذا الشهر من أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتخذون إجراءات إذا حاولت الصين تخفيف مشكلة الطاقة الصناعية الفائضة عن طريق إغراق البضائع في الأسواق الدولية، وفقاً لمسؤولين أميركيين. ويضيف أحد المسؤولين الأميركيين وفقاً للصحيفة، أن الموضوع سيكون "جزءاً رئيساً" من جدول الأعمال عندما تزور جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية، بكين في وقت لاحق من هذا العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المتوقع أيضاً أن تقوم يلين بمناقشة الطاقة الصناعية الفائضة للصين مع نظرائها في مجموعة الـ20 عندما يجتمعون في ساو باولو هذا الأسبوع. وخلال إدارة ترمب، التي انتهت في عام 2021، فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على نحو 300 مليار دولار من الصادرات الصينية. وقالت مفوضة المنافسة بالاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر هذا الشهر إن الكتلة "مستعدة تماماً لاستخدام" الأدوات التجارية لمعالجة الممارسات التجارية الصينية غير العادلة. وتعزز تصريحاتها تصريحات، رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، العام الماضي، بأن الأسواق العالمية "تغمرها" السيارات الكهربائية الصينية التي تظل رخيصة بشكل مصطنع من خلال "الإعانات الحكومية الضخمة".
من جانبها، أطلقت بكين تحقيقاً لمكافحة الإغراق في مشروب البراندي المستورد من الاتحاد الأوروبي، وهو إجراء يمكن أن يؤثر على ما قيمته 1.57 مليار دولار من المشروبات الروحية، وجميعها تقريباً مصنوعة في فرنسا. ومع وجود قدر كبير من عدم اليقين في شأن المستقبل، تتخذ الشركات الصينية تدابير وقائية لتجنب أي مشاجرات تجارية قد تعترض طريقها.
الشركات الصينية والتحايل على التعريفات الأميركية
تسعى الشركات الصينية إلى التحايل على التعريفات الجمركية الأميركية والاتحاد الأوروبي بعدد من الطرق المختلفة، وإحدى هذه الطرق هي إعادة الشحن، وهي الطريقة التي تعرض بالكامل في المكسيك، والتي يمكنها، باعتبارها عضواً في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، تصدير البضائع إلى السوق الأميركية بتعريفات جمركية أقل بكثير مما تستطيع الصين الوصول إليه. ويظهر تحليل أجرته "فايننشال تايمز" لبيانات التجارة ارتفاعاً حاداً في الحاويات مقاس 20 قدماً التي شحنت من الصين إلى المكسيك في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وجاء هذا الارتفاع مع تفوق المكسيك على الصين كأكبر مصدر للسلع إلى الولايات المتحدة العام الماضي، ومع استمرار زيادة شحنات الشاحنات عبر الحدود إلى الولايات المتحدة بسرعة.
وهناك اتجاه آخر يتلخص في "الاقتراب من الحدود" ــ أو نقل القدرة الإنتاجية إلى مكان أقرب إلى العملاء للحد من التعرض للتوترات الجيوسياسية ــ وهو ما يعيد تشكيل البصمة العالمية للصين. واليوم يُنظر إلى تدفقات الاستثمار المباشر الصيني إلى ماليزيا وإندونيسيا ودول أخرى على أنها بلدان "قريبة" مفيدة آخذة في الارتفاع. ولكن ومع ذلك، فإن المستثمرين الصينيين ليسوا بالضرورة آمنين. ويقول ليو "يمكن لاتفاقيات التجارة الحرة الصينية أن تسهل على الشركات الصينية إنشاء مصانع في بلدان أجنبية للتصدير في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". ويضيف "ولكن إذا تغيرت القوانين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتشمل قيوداً إضافية على ملكية الصينيين للمصانع خارج الصين، فقد تثبت هجرة المصانع الصينية في النهاية أنها ليست فعالة".