ملخص
طبقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه في عام 2019 كان هناك 14 مليون شخص يعانون اضطرابات الطعام، فما أبرز أنواعها؟
تعتبر اضطرابات الأكل بأنواعها المختلفة واحدة من المشكلات النفسية التي يعانيها الناس في جميع أنحاء العالم، فالطعام هنا أصبح بالنسبة إليهم أزمة أو متنفس لإفراغ الطاقة السلبية والضغوط، ليتحول الأمر إلى وضع يحتاج إلى المساعدة من متخصص للتعافي.
شخص كثيرون من المشاهير بأنواع مختلفة من اضطرابات الطعام، أشهرهم الأميرة ديانا، والممثلتين أنجلينا جولي وليندسي لوهان وغيرهما، مما ألقى الضوء في فترات مختلفة على أنواع بعينها تعيش الاضطرابات المرتبطة بالطعام. وأخيراً زاد الوعي كثيراً بمثل هذه الاضطرابات من خلال وجود حملات مختلفة للحديث عنها، وإنشاء أقسام متخصصة في المستشفيات والمراكز النفسية تكون معنية بعلاجها، وكذلك اهتمام الإعلام وكثير من صفحات السوشيال ميديا المتخصصة بهذه الاضطرابات.
طبقاً لمنظمة الصحة العالمية فإنه في عام 2019 كان هناك 14 مليون شخص يعانون اضطرابات الأكل، منهم 3 ملايين طفل ومراهق، وقد يؤدي هذا إلى أخطار جسيمة ومضاعفات سواء في ما يتعلق بالصحة الجسدية أو النفسية.
أنواع مختلفة
ماذا تعني اضطرابات الأكل النفسية؟ وما أشهر أنواعها وما أبرز الأعراض التي تدل على أن الشخص مصاب بواحد منها؟
يقول محمد حمودة استشاري الطب النفسي لـ"اندبندنت عربية" إن "اضطرابات الأكل لها ثلاثة أنواع، الأول هو فقدان الشهية العصبي، ويعني أن المريض لا يأكل ويمتنع عن الطعام والشراب بشكل شبه كامل مما ينتج منه في حالات كثيرة إعياء شديد وإغماء قد يترتب عليه نقل المريض إلى المستشفى. وينتشر هذا النوع من الاضطراب بدرجة كبيرة بين الفتيات المراهقات والسيدات ويكون ناتجاً من تشوه الرؤية للذات. أما النوع الثاني فهو الشره العصبي ويعرف بالبوليميا ويعتمد على تناول الطعام بشكل كبير جداً، ومن ثم يتجه الشخص إلى القيء العمدي نتيجة للإحساس بتأنيب الضمير، ومن أشهر من شخصوا بهذا النوع الأميرة ديانا، وهو أخطر من السابق لأن ارتجاع أحماض المعدة يسبب للمرء كثيراً من الأضرار كما يسبب تآكل الأسنان في وقت لاحق".
ويضيف أن "النوع الثالث هو الأكل القهري فيأكل الشخص كميات كبيرة جداً من الطعام ولا يستطيع السيطرة على نفسه، خصوصاً إذا كان يعاني أية أزمة أو ضيق، ويكون بسبب حال من الوسواس، أصحاب هذا النوع من الاضطراب يعانون السمنة وزيادة الوزن بعكس أصحاب النوع الأول الذين يعانون نحافة شديدة".
أسباب اضطرابات الأكل
طبقاً لكثير من الدراسات فإن النساء والأطفال والمراهقات، هم الأكثر إصابة باضطرابات الأكل والأسباب كثيرة، فربما هم الأكثر بحثاً عن شكل مثالي للقوام ويرغبون في الحصول عليه بأي ثمن، وربما كان لمقاييس الجمال التي ترسخ في الأذهان بوسائل كثيرة على رأسها السينما وفتيات الإعلانات وحالياً السوشيال ميديا دور في ذلك. وفي الوقت ذاته، قد يعاني الأصغر سناً التنمر مما يؤدي إلى حال من عدم الثقة بالنفس تدفع إلى الرغبة في الحصول على شكل معين للقوام من دون اتباع قواعد صحية أو نظام غذائي آمن.
وعن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة باضطرابات الطعام يقول حمودة إن "اضطرابات الأكل بشكل عام يكون لها علاقة بعوامل متعددة منها الوراثي، والبيولوجي المرتبط بكيمياء المخ، والنفسي الذي قد ينتج من علاقة مشوهة بالوالدين مثلاً، والاجتماعي الذي يرتبط بأشياء متعددة من بينها التنمر الذي قد تتعرض له فئات هشة مثل الأطفال والمراهقات، والتأثر بالنماذج التي تعرضها السوشيال ميديا، فكلها عوامل لها علاقة مباشرة بالإصابة بهذا النوع من الاضطراب".
ويضيف حمودة أن "اضطرابات الأكل، غالباً يكون علاجها صعباً، ويحتاج إلى مجهود كبير باعتبار أن المريض في كثير من الأحوال لا تكون لديه الرغبة الحقيقية في العلاج، وكثيراً ما تأتي به أسرته رغماً عنه في محاولة لمساعدته. وغالباً يكون العلاج نفسياً ودوائياً وفي بعض الأحيان يحتاج المريض إلى الحجز في المستشفى مثل حالات فقدان الشهية العصبي لتلقي العلاج، ومن ثم يبدأ بعدها دور الطبيب النفسي من خلال جلسات نفسية تهدف إلى تغيير رؤية الشخص لذاته، ومعها يوضع نظام غذائي من اختصاصي التغذية".
وضع نظام غذائي خاص
وعلى رغم أن اضطرابات الأكل تمثل اضطراباً نفسياً بالأساس إلا أن علاجها لا بد أن يتضمن وجود متخصص في التغذية لوضع برنامج غذائي يتناسب مع طبيعة الحالة التي يعانيها المريض، فالعلاج له شق نفسي وآخر غذائي لا بد أن يتكاملا حتى تتحسن الحالة وتبدأ بالتعافي من اضطراب الأكل. ويتطلب وضع نظام غذائي مراعاة تفاصيل متعددة من بينها أن المريض يعاني علاقة مضطربة مع الطعام وأنه غالباً يخضع إلى علاج نفسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول وفاء فهمي، أستاذة طب التغذية وعلاج اضطرابات الأكل، إن "الأشخاص الذين يعانون اضطراب الأكل يحتاجون إلى دعم شامل، سواء على المستوى النفسي، إذ يكون معتمداً على العلاج الدوائي والجلسات النفسية لتحسين العلاقة بين الفرد والطعام، وفي الوقت ذاته يتضمن الفريق المعالج اختصاصي تغذية لوضع نظام غذائي مناسب وتحديد الاحتياجات الغذائية الفردية وتطوير الخطة الغذائية لتتضمن تنويعاً في الطعام وتناول وجبات منتظمة وصغيرة. ويجب تجنب المباعدة الطويلة بين الوجبات وتركيز الانتباه على الأطعمة الصحية بدلاً من السعرات الحرارية. إضافة إلى ذلك هناك ضرورة لتشجيع المريض على التفاعل الإيجابي مع الطعام من حيث الانتباه له لوناً وشكلاً ورائحةً ومذاقاً، إضافة إلى مراقبة الوزن بانتظام".
وتضيف فهمي أن "نشر الوعي باضطرابات الأكل في العالم العربي سيكون له تأثير كبير يتمثل في زيادة التشخيص والعلاج المبكر للاضطرابات الغذائية وبالتالي تعزيز فرص الشفاء والتعافي، ويساعد في دعم الصحة النفسية والجسدية للأفراد وتقليل حالات الاضطرابات الغذائية. كما يؤدي نشر الوعي إلى تغيير المواقف الاجتماعية تجاه المصابين بالاضطرابات الغذائية، مما يساعدهم في البحث عن الدعم والمساعدة، وبالنسبة إلى المتخصصين، سيعمل على تحفيز مزيد من البحث والتعلم في هذا المجال مما يسهم في تطوير أفضل الطرق للتشخيص والعلاج".
منصة للتعريف باضطرابات الأكل
في الفترة الأخيرة أصبح هناك اهتمام نسبي بكثير من المواضيع المتعلقة بالطب النفسي، ومن بينها اضطرابات الطعام، وانطلاقاً من ذلك أنشئت منصة هي الأولى من نوعها في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط تعنى بالتعريف باضطرابات الأكل وتعرض تجارب لأشخاص كان لهم خبرات في التعامل مع تلك الأوضاع وتجاوزها والعودة لحياتهم الطبيعية.
الكاتب والاختصاصي النفسي في مجال اضطرابات الطعام محمود زكي أسس منصة "سيلف" (self)، ويقول إنها "قائمة على جهود ذاتية من متخصصين في الصحة النفسية مع أشخاص تعافوا من اضطرابات نفسية مختلفة أهمها اضطرابات الأكل. وتحاول تقديم صورة متكاملة عن هذه الحالات من خلال عرض تجارب بعض الأشخاص وقصصهم وأهم الصعوبات التي واجهوها وكيف تغلبوا عليها. المنصة هي الأولى من نوعها في العالم العربي والشرق الأوسط وتقدم محتواها باللغتين العربية والإنجليزية، ونأمل لأن تتوسع في الفترة المقبلة ويكون لها وجود في اضطرابات نفسية أخرى".
ويضيف زكي أن "اضطرابات الأكل هي اضطرابات نفسية في المقام الأول ويعمل الطبيب النفسي على نظام لتغيير السلوك والأفكار، فيركز على المخ وطريقة التفكير والسلوكيات ويحاول تغييرها، فالمريض يستخدم الأكل كوسيلة عقاب وإيذاء للنفس وهذا يحتاج إلى حل المشكلات النفسية بالأساس مثل التروما وغيرها، وكذلك تجاوز فكرة الأكل العاطفي ليضع لاحقاً متخصص التغذية نظاماً غذائياً يناسب حال المريض وطبيعته حتى يمكن للشخص أن يتعافي ويستكمل حياته بشكل طبيعي".
وعن جهود التوعية بمثل هذا النوع من الاضطرابات النفسية يوضح زكي أن "التوعية ليست بالقدر الكافي، وهذا راجع إلى أن الاهتمام بمجال الصحة النفسية عموماً ليس كما ينبغي أن يكون، واضطرابات الأكل تمثل جزءاً منه، ولكن لا شك أن الوضع حالياً أفضل من السابق وأصبح الناس أكثر اهتماماً، وفي الوقت نفسه أصبحنا نجري حملات للتوعية في المدارس والجامعات ونتكلم مع الناس عن أهمية مثل هذه الاضطرابات، وفي الوقت نفسه باتت الصحافة وكل وسائل الإعلام أكثر اهتماماً بنشر وتقديم مواضيع متعلقة بالصحة النفسية والاضطرابات المختلفة وكيفية التعامل معها مقارنة بفترات سابقة".