بعد ظهور الأزمة بين منظومة السلطة والرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، بخاصة بعد دخول الأخير في صراع مفتوح مع المرشد الأعلى والتصعيد الذي اتخذ شكل الاعتكاف عن إدارة السلطة التنفيذية على خلفية عزله لوزير الاستخبارات حيدر مصلحي وتدخل المرشد بإعادته. اتخذت الدولة العميقة قراراً بتفكيك الحلقة المحيطة بأحمدي نجاد وإبعاده عن مواقع القرار، فرفضت قرار تعيين رحيم مشائي مساعداً ومبعوثاً خاصاً للرئيس في العديد من الملفات الحساسة الإقليمية والدولية، فأدخل (مشائي) إلى السجن مع المعاون التنفيذي لرئيس الجمهورية حميد بقائي، ما اعتبر حينها أنه "تقليم أظافر أحمدي نجاد" ومؤشراً على المسار الذي ستتخذه الأمور في آليات التعامل معه بعد انتهاء رئاسته.
في هذه الأثناء، حدث تحول في تيار "جبهة الثابتون" (بايداريها)، مع تولي الجنرال صادق محصولي وزير داخلية أحمدي نجاد قيادة هذه الجبهة، والذي يعتبر من الأشخاص الأكثر قرباً له، ومحصولي يعتبر من العناصر الأساسية المؤسسة للأنشطة الإقليمية لحرس الثورة، وكان عضواً في قيادة مقر "نصر" الذي نشط داخل العراق وفي العلاقة مع الفصائل الكردية خلال الحرب العراقية- الإيرانية، قبل أن يتحول أو يتنقل إلى العمل الإداري والتجاري، وما وفره له ذلك من بناء ثروة هائلة وضعته في عداد الرأسماليين الكبار على مستوى إيران. مع ما في ذلك من شبهات حول فساد كبير شارك فيه إلى جانب مشائي وآخرين من قيادة "جبهة الثابتون" خلال تولي أحمدي نجاد لمنصب محافظ أردبيل التركية في شمال غربي إيران، بخاصة مسألة تهريب النفط.
وفي استكمال المشهد الانتخابي للمعسكر المحافظ، يمكن القول إن تجمع الوحدة "شوراي وحدت" يأتي في الدرجة الثانية بعد الجبهة من حيث تاريخ الظهور أو الأقدمية على الساحة السياسية، وهو تجمع برز خلال مرحلة التحضير لانتخابات 2012 بهدف واحد وأساس، يقوم على ضرورة توحيد الصفوف داخل هذا المعسكر من أجل استعادة السيطرة على السلطة التشريعية، ومحاولة ترميم صورة هذه القوى وتصحيح الأخطاء والأزمات التي نتجت من سياسة أحمدي نجاد وفريقه الإداري.
وقد انشغل هذا التجمع في محاولة الحد من إمكانية عودة القوى المنافسة إلى ساحة العمل السياسي والبرلماني، بخاصة وأن المؤشرات لما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية ما بعد أحمدي نجاد كانت تصب في غير مصلحة أي من مرشحي النظام، فضلاً عن الحاجة إلى شخصية في رئاسة السلطة التنفيذية لديها الرغبة والقدرة على تحمل أعباء ونتائج أي متغير قد يحصل.
فالنظام ومنظومة السلطة، التي بدأت بمسار تفاوضي جدي حول الاتفاق النووي مع الإدارة الأميركية، لم تكن قادرة على تحمل الآثار العقائدية والأيديولوجية لمثل هذا التقارب والحوار، وقد وجدت في عملية وصول شخصية انتحارية مثل حسن روحاني، فرصة لتمرير هذا الاتفاق أو النقلة النوعية، مع احتفاظها بهامش معارضته وحتى إفشاله أو منعه من الاستثمار فيه لتكريس حالة جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد استطاع هذا التجمع "الوحدة" وبقيادة وزير الخارجية الأسبق منوتشهر متكي وبالتعاون مع الرئيس الأسبق للبرلمان والمقرب من المرشد الأعلى غلام علي حداد عادل، استطاع التوصل إلى تفاهمات بين أجنحة المعسكر أو التيار المحافظ وأن يشكل لوائح موحدة في المدن الكبرى، بخاصة العاصمة طهران، وأن يحصل على أكثرية برلمانية تسمح له باللعب على تعطيل القوانين أو المشاريع التي تصب في مصلحة الفريق الاعتدالي الذي بدأ يتبلور في رئاسة روحاني وقيادة علي لاريجاني لرئاسة السلطة التشريعية.
هذا الاتفاق حول الأسس السياسية والتوجهات العامة التي تصب في مصلحة النظام والمشروع السلطوي، لم يمنع من الافتراق بين أقطاب هذا التشكل داخل البرلمان في ما يتعلق بالمصالح والمكاسب الخاصة لكل فريق، فبرز تكتل "نواب الثابتون" كأحد أبرز معارضي لاريجاني والسياسات الاقتصادية لحكومة روحاني.
هذا التعايش بين هذه الأجنحة أو القوى لم يستمر طويلاً، ففي الانتخابات التالية التي أجريت عام 2016، ظهر على السطح تجمع جديد بقيادة حداد عادل يحمل اسم "تجمع ائتلاف قوى الثورة" الذي يختصر باسم "شانا"، وكانت مهمته العمل على كسب الغالبية البرلمانية، وتحويل المعتدلين الحاملين لمشروع روحاني إلى أقلية غير فاعلة، بخاصة بعد أن نجح النظام وأجهزته في إخراج الإصلاحيين بشكل شبه تام من ساحة العمل السياسي والبرلماني.
واستطاع هذا الائتلاف أن يرتب أوراقه ويقسمها بناء على ضرورات المرحلة، فلم يعمد إلى إبعاد لاريجاني عن رئاسة البرلمان، انطلاقاً من رؤيته بضرورة الإبقاء على صورة المشهد في ظل استمرار رئاسة روحاني وتحميله كل المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي عاشتها إيران. ولعل أحداث أواخر عام 2018 بداية عام 2019 التي اندلعت على خلفية أزمة رفع أسعار المحروقات، تشكل مؤشراً واضحاً على هذا المشروع، إذ حملت حكومة روحاني ومعها رئاسة لاريجاني للبرلمان المسؤولية عن هذا القرار وما نتج منه من أعمال شغب حصدت أكثر من 350 قتيلاً باعتراف وزير الداخلية حينها رحماني فضلي، في حين أن روحاني ولاريجاني أكدا علناً أنهما لم يكونا على علم بهذا القرار، وأنه اتخذ في مكان ما خارج السلطتين التنفيذية والتشريعية.
هذا المسار الذي بدأه النظام لاستعادة السيطرة على مفاتيح الأمور وإعادة ترتيبها بما يخدم رؤيته ومشروعه، دفعت هذا الائتلاف للتخطيط في آليات خوض الانتخابات البرلمانية ما بعد رئاسة روحاني في عام 2018، وتكون تأسيساً لما ستكون عليه رئاسة الجمهورية في ظل وجود مرشح أساس هو إبراهيم رئيسي.
وقد استطاع هذا الائتلاف من تجميع أقطاب وأحزاب المعسكر المحافظ في لوائح مشتركة، سمحت لهم بتحقيق الهدف الذي يريدونه، في تصفية واستخلاص السلطة التشريعية من أيدي المعارضين والمعتدلين على حد سواء، وفرضت الدولة العميقة على لاريجاني الانسحاب من السباق الانتخابي، حتى لا يشكل عائقاً أو تحدياً أمام وصول مرشحها للسلطة التشريعية محمد باقر قاليباف كتعويض أو جائزة ترضية لتخليه عن طموحاته الرئاسية لمصلحة رئيسي.