ملخص
السيناتور شيلدون وايتهاوس يقول إن "أوكرانيا تنهار وعلى الغرب أن يساعد جنود كييف على إيجاد طريق لعبور وادي الموت"
في توقيت بالغ الحرج تواصل فيه القوات الروسية تقدمها على صعيد المواجهة مع القوات الأوكرانية التي تتراجع تحت وطأة الكثير من المتاعب، بسبب توالي سقوط كثير من المناطق الواقعة في اتجاه أفدييفكا، المدينة شديدة التحصين وذات الأهمية الاستراتيجية، عاد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى طرح الفكرة التي سبق وتقدم بها في يناير (كانون الثاني) من هذا العام إبان انعقاد المنتدى الدولي الاقتصادي في دافوس السويسرية، وهي فكرة المحادثات السلمية التي يريد أن تكون في بدايتها "مؤتمراً دولياً" يُعقَد من دون مشاركة الجانب الروسي. وكان زيلينسكي سبق وطرح هذه الفكرة في لقاءات عدة، كان أولها عقد في كوبنهاغن وأعقبته محادثات جدة ثم الرياض، والتي جرت كلها في غضون العام الفائت من دون مشاركة روسيا.
زيلينسكي طلب من سويسرا استضافة "قمة سلام"
وجاء مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ هذا العام، ليعيد فيه زيلينسكي رسالته السابقة التي بدت أكثر وضوحاً عن ذي قبل، وهي الشكوى من أن روسيا تتقدم على وقع "تراجع أوكرانيا التي تتجه نحو تدهور معنوي بعد أن صارت في وضع لا تحسد عليه"، على حد قول السيناتور شيلدون وايتهاوس، الذي تزعم وفد مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى المؤتمر. وخلص شيلدون وايتهاوس إلى استنتاج مفاده بأن "أوكرانيا تنهار وعلى الغرب أن يساعد جنود كييف على إيجاد طريق لعبور وادي الموت". وكان الرئيس زيلينسكي يواصل جهوده الرامية إلى نقل "خطة السلام" إلى روسيا، عبر مؤتمر دولي يمكن عقده في سويسرا في غضون الأشهر القليلة المقبلة من العام الحالي، وإن أعرب عن اعتقاده في "أن هذا لا يمكن اعتباره بداية المفاوضات".
وقد كشفت الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقدته مع الرئيس الأوكراني في برن، إن "زيلينسكي طلب من سويسرا تنظيم قمة سلام رفيعة المستوى". وأكدت "استعداد بلادها لتنظيم مثل هذه القمة". وقالت أمهيرد إن تفاصيل تنظيم هذا الحدث "ستتم دراستها بعمق حتى تنجح عملية السلام". وأشارت الرئيسة السويسرية إلى أنه من الممكن تنظيم القمة غداً، في الوقت الذي أعرب فلاديمير زيلينسكي عن رغبته في رؤية الوفد الصيني في المؤتمر المقبل، وإن قال إن كل شيء لا يعتمد على رغبة الجانب الأوكراني. ونقلت صحيفة "أوكراينسكا برافدا" عن زيلينسكي قوله: "دعونا نأمل في أن تشارك جميع الدول المتحضرة في قمة السلام". وعلى رغم تأكيده رفضه مشاركة موسكو في هذه المناسبة، فقد عاد ليقول إن الوثيقة المنتظر إعدادها في المؤتمر الأول يمكن تقديمها إلى روسيا لبحثها في القمة الثانية، وإن استبق الأحداث بقوله: "روسيا قد لا تقبل الوثيقة التي سيتم إعدادها في القمة الأولى"، وذلك في الوقت الذي يقول فيه إنه يعتقد أن ذلك لا يمكن اعتباره بداية للمفاوضات. وكانت الصين تعمدت في منتدى "دافوس" عدم المشاركة في أية لقاءات جرى تنظيمها لمناقشة "الصيغ المطروحة والخيارات الممكنة لحل النزاع القائم"، على رغم تلقيها دعوة للمشاركة في هذه المناسبة.
سويسرا تعلن عن احتمالات تنظيم "مؤتمر دولي"
وكان وزير الخارجية السويسري إجناسيو كاسيس أعاد إلى الأذهان الكثير من الخطط التي طرحتها بلدان كثيرة ومنها الصين والبرازيل ومجموعة الدول الأفريقية، وبلغت حوالى 10 خطط استهدفت جميعها حل النزاع في أوكرانيا. وقال الوزير السويسري إن ستاً أو سبعاً منها معروفة علناً، ومنها الخطة التي اقترحها الرئيس الأوكراني زيلينسكي، والتي تسمى "صيغة السلام"، أما البقية فلا تزال سرية. كما أشار الوزير السويسري إلى "مؤتمر السلام" الذي تعتزم بلاده تنظيمه في ربيع أو صيف العام الحالي، "لاستعراض كل هذه الأفكار وتحليلها وإيجاد قواسم مشتركة من أجل التوصل إلى السلام خطوة بخطوة"، إضافة إلى أنه من الضروري تحقيق مشاركة ليس فقط الدول الغربية، في إشارة إلى مشاركة مجموعة "بريكس"، التي قال إنها تعتبر إضافة هامة نظراً "لأن المؤتمر الذي يعقده الغرب فقط لن يثير الكثير من الاهتمام"، مؤكداً "أن بلاده لن تُقْدِم على تنظيم هذا المؤتمر، ما لم تتمكن من تبني نهج واسع النطاق". وعاد وزير الخارجية السويسري كاسيس ليقول إن العملية الآن في "توازن هش"، لأنه من دون روسيا لن يكون هناك سلام، ومن الضروري إيجاد نهج يثير اهتمامها. واعتبر أنه من غير المرجح أن تشارك روسيا في "مؤتمر السلام" الأول، وأوضح أنه لإيجاد هذا المسار، تم عقد لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي أعلن انفتاحه على طروحات جدية. وتساءل وزير الخارجية السويسرية عما إذا كانت المقترحات الجادة لروسيا مقبولة لدى الآخرين، ليعود ويجيب على تساؤله بقوله: "هذا هو السؤال والمشكلة برمتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موسكو تعلن رفضها
ولعل ذلك كله هو ما قد يكون وراء تعجيل الكرملين إعلان موقفه من عقد "مؤتمر دولي" لبحث السلام في أوكرانيا من دون مشاركة روسيا، واعتبار "ألا معنى له، ولا جدوى منه". وقد تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية ما قاله دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين حول "إن مناقشة اتفاق سلام مع أوكرانيا من دون مشاركة روسيا أمر ممكن، لكنه يفتقر إلى احتمال التوصل إلى أي نتيجة". وأكد بيسكوف أن "هذه المناقشة لا تهدف، ولا يمكن أن تهدف إلى تحقيق نتيجة محددة لسبب واضح، وهو أننا لم نكن هناك". وعاد ليقول إنه "من دون مشاركة روسيا، بالطبع، فإن أي مناقشات ممكنة، إنها ممكنة، لكنها ستكون خالية من أي احتمال للتوصل إلى أي نتيجة". وختم "أن الكرملين قام بتقييم هذه العملية مراراً وتكراراً، وأن هذا كلام من أجل الكلام في الأساس".
وكان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي سبق ورفض إمكانية أن تصبح سويسرا وسيطاً بين موسكو وكييف. وقال: "لن يأتي شيء من هذا. ليست لاعباً يمكن الوثوق به". وذلك ما سارعت إلى الرد عليه وزارة الخارجية السويسرية في بيان أصدرته بهذا الشأن، وجاء فيه ما نقلته صحيفة "آر بي كا" الروسية حول أن "سويسرا ملتزمة بتعزيز السلام، وحقوق الإنسان، والتعددية الفعالة، والحكم الرشيد، واحترام القانون الدولي. ومن هذا المنطلق، تسعى سويسرا جاهدة لإقامة علاقات بناءة مع جميع دول العالم".
من جانبه، وصف سفير روسيا الاتحادية في سويسرا سيرغي غارمونين، عقد قمة عالمية للسلام في البلاد بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا "بألا معنى له"، معيداً إلى الأذهان ما قالته الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد حول "الاستعداد لبدء الاجتماع على الفور". وقال غارمونين في حديثه الى صحيفة "زونتاغ تسايتونغ" السويسرية: "لا يمكنك التحدث مع روسيا بلغة الإنذارات"، مشيراً إلى أن أوكرانيا وصيغة السلام "تحتوي على عدد من الإنذارات الموجهة إلى روسيا". وانتقد السفير الروسي سويسرا، بقوله إنها تدعم باستمرار "الخط المناهض لروسيا الذي يتبناه الغرب الجماعي"، ومن خلال إظهار التضامن مع أوكرانيا، "فقدت دورها كوسيط دولي محايد". ولذلك فإن الوساطة السويسرية "غير واردة". وقال غارمونين إنه ينبغي أخذ المطالب الروسية في الاعتبار، ولا سيما أن "أوكرانيا يجب أن تصبح دولة محايدة وغير منحازة من دون أسلحة نووية". وكانت أوكرانيا اعترفت بحيادها في إعلانها الذي أصدرته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كما أعلنت وضعيتها غير النووية في مذكرة بودابست عام 1994، الموقعة بضمان الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا الاتحادية.
وهكذا تعرب كل من موسكو وكييف عن استعدادهما للمفاوضات، لكنهما تطالبان بشروط تقف على طرفي نقيض من احتمالات استئناف الحوار بين الجانبين. فالجانب الأوكراني يؤكد إصراره وتمسكه بضرورة، أولاً وقبل كل شيء، انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991، في الوقت الذي يطالب الجانب الروسي بمراعاة الواقع الجديد على الأرض، والاعتراف بسيادته على مناطق دونباس وشبه جزيرة القرم وخيرسون وزابوروجيه. كما وصف الجانبان شروط الطرف الآخر بأنها غير مقبولة.
أردوغان يعود إلى طرح وساطته
وفي الوقت الذي يبدو فيه المجتمع الدولي حائراً أمام مختلف "خطط السلام"، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طرح استعداده للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وهو الذي سبق واستضاف في إسطنبول محادثات الجانبين الروسي والأوكراني في مارس (آذار) 2022. وكان الجانب الأوكراني وافق على ما توصلت إليه هذه المحادثات، لكنه عاد وبإيعاز من رئيس مجلس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون إلى رفضها، بحسب ما اعترف به ديفيد أراخميا رئيس الوفد الأوكراني في تلك المحادثات ونقله عنه الرئيس فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة، وأكثر من لقاء. ونقلت صحيفة "آر بي كا" الروسية ما كتبته إدارة الاتصالات في تركيا على منصة "إكس" حول هذا الشأن: "أشار أردوغان إلى أن تركيا تعرب عن استعدادها لتولي دور الوسيط، وإجراء مفاوضات سلام لضمان السلام في أوكرانيا". وأضاف الرئيس التركي "أنه يجب تطبيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا لبدء المفاوضات بين الطرفين". كما أشار أردوغان إلى "أنه من المهم إعادة هيكلة ممر الحبوب وتشغيله مرة أخرى". ووفقاً له، فإن تركيا "تواصل اتصالاتها الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق ذلك". وكان الجانبان قد أكدا في تلك المحادثات ما خلصا إليه حول "موافقة أوكرانيا على قبول وضع محايد مع ضمانات أمنية (باستثناء أراضي شبه جزيرة القرم ودونباس)، وما وعدت به روسيا حول تخفيض النشاط العسكري في اتجاهي كييف وتشرنيغوف، والموافقة على عقد اجتماع لرؤساء أوكرانيا وروسيا. كما قامت روسيا بموجب ما اتفق عليه الجانبان في إسطنبول بالانسحاب من مواقعها في محيط كييف وفي مقاطعة خاركيف شمال أوكرانيا تأكيداً على حسن النوايا".