ملخص
ثمة نظرة اجتماعية تشكل عائقاً حتى يومنا هذا في محاربة التحرش وترتكز على إدانة الضحايا وليس مرتكبي التحرش، ومعظم الشكاوى يتراجع عنها بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية
ظلت ظاهرة التحرش في الأردن إلى عهد قريب من الأمور المسكوت عنها بفعل عوامل عدة، أبرزها النظرة الاجتماعية والصمت والخوف من وصمة العار وضعف القوانين وغياب الوعي.
لكن الحديث عاد مجدداً عن هذه الظاهرة مع ارتفاع نسب التحرش التي تتعرض لها النساء في أماكن العمل، إذ تشير أحدث الإحصاءات الرسمية الى أن 42 في المئة من العاملات في الأردن تعرضن للتحرش في أماكن العمل.
وعلى رغم أن الأردن يعد من الدول السبّاقة في شأن القضاء على العنف والتحرش إلا أنه لم يصادق حتى اللحظة على اتفاق "منظمة العمل الدولية" رقم 190 الخاصة بذلك.
أرقام مقلقة
ويعرف ناشطون في حقوق الإنسان التحرش في العمل بأنه "كل سلوك جنسي غير مقبول وغير مرغوب فيه، ويخلق بيئة عمل عدائية أو مسيئة".
وتشير دراسة عن التحرش أعدتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الى أن أكثر أشكال التحرش شيوعاً هو التحرش اللفظي بنسبة 51.6 في المئة، والإيمائي بنسبة 51.5 في المئة، والجسدي بنسبة 37.4 في المئة، كما أن أكثر مرتكبي التحرش من الذكور وغالبيتهم زملاء عمل أو مراجعون ومديرون، في حين أن أكثر الفئات العمرية ممارسة للتحرش ما بين 18و25 سنة، وأكثر الفئات العمرية تعرضاً للتحرش ما بين 18 و35 سنة، وبنسبة 40.5 في المئة من ضحايا التحرش، كما دفعت ظاهرة التحرش في العمل نحو 11 في المئة ممن تعرضوا لها إلى ترك وظائفهم نهائياً.
كسر الصمت وتغليظ العقوبات
ويدعو ناشطون إلى تعديل قانون العمل لمواجهة هذه الظاهرة بعدما شمل أخيراً تعريفاً للتحرش الجنسي في أماكن العمل، فضلاً عن إنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عنه ونشر برامج للتوعية وتغليظ العقوبات لمرتكبي هذه الجريمة.
لكن الأهم برأي هؤلاء هو كسر الصمت وتشجيع ضحايا التحرش على التحدث والإبلاغ عما يتعرضون له، فضلاً عن خلق بيئة عمل آمنة.
وفي هذا السياق دعت منظمات حقوقية ونسائية الحكومة الأردنية إلى التصديق على "اتفاق منظمة العمل الدولية للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل".
وتقول جمعية "تمكين المرأة الأردنية" إن على الحكومة مواءمة التشريعات مع ما يتضمنه الاتفاق، وتبني سياسات للحد من العنف والتحرش في العمل.
بينما تؤكد المسؤولة عن برامج العمل اللائق للمرأة في منظمة العمل الدولية ريم أصلان إنشاء عيادة للإرشاد القانوني في قضايا التعذيب والتحرش، ويكشف "اتحاد عمال الأردن" تلقي نحو مليون شكوى عمالية خلال العامين الماضيين، بعضها يتعلق بالعنف الجنسي والتحرش، لكن معظمها يتراجع عنها لاحقاً بسبب ما يسمى الخوف من الوصمة الاجتماعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النظرة الاجتماعية
وثمة نظرة اجتماعية للضحايا تشكل عائقاً حتى يومنا هذا في محاربة التحرش وترتكز على إدانة الضحايا لا مرتكبيه.
وتطالب مؤسسة "تضامن" المعنية بحقوق النساء بإجراءات مستدامة لمصلحة المساواة بين الجنسين في أماكن العمل، بما فيها قوانين فعالة تتصدى لظاهرتي التحرش الجنسي والعنف في أماكن العمل، وضمان بيئة عمل لائقة وصديقة للأسرة بعام والمرأة بخاصة، وتبني تشريعات وسياسات مناهضة للتحرش والعنف من قبل الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
وتشير المؤسسة إلى أن التحرش الجنسي في مكان العمل تعانيه النساء بشكل مضاعف مقارنة بالرجال، وتعتبر أن العاملات المنزليات من أكثر الفئات التي تتعرض للتحرشات الجنسية.
ويلفت مدير المؤسسة التنفيذي منير ادعيبس إلى أن "للتحرش تبعات وتأثيرات صحية ونفسية على النساء مع خفض إنتاجيتهن، وصولاً إلى ترك سوق العمل بحيث يصبحن غير نشطات اقتصادياً".
وتكشف المؤسسة أن عدد الشكاوى المقدمة لمديرية التفتيش في وزارة العمل حول التحرش الجنسي محدودة جداً، مما يستدعي تعديل قانون العمل ووضع تعريف واضح وغير فضفاض للتحرش وعقوبات رادعة جداً بصورة تضمن الوقاية والحماية للنساء العاملات، وتدريب المفتشين في وزارة العمل على كيفية رصد حالات التحرش الجنسي ومتابعتها وتوثيقها، وتفعيل دور مراكز تقديم الخدمات المساندة مثل الاستماع والإرشاد والمساعدة القانونية.
بينما تشير وزارة العمل إلى عدم تلقيها أي شكاوى تحرش عام 2022، وإنه وفي حال وجود شكاوى في هذا الشأن فإنه يتعامل مع كل واحدة على حدة وبحسب الظروف المحيطة بها، وتحويلها للجهات المختصة سواء حماية الأسرة أو القضاء.
غرامات على المتحرشين
يشار إلى أن الأردن أقر، العام الماضي، غرامات على المتحرشين في أماكن العمل وفق تعديل على قانون العمل الذي ينص على أنه إذا تبين وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله بالضرب أو بممارسة أي شكل من أشكال الاعتداء أو التحرش الجنسي على العاملين المستخدمين لديه، فإن صاحب العمل أو مدير المؤسسة أو من يمثله يعاقب بغرامة لا تقل عن 2000 دينار أردني (2800 دولار أميركي)، ولا تزيد على خمسة آلاف دينار (7000 دولار)، وتضاعف في حال التكرار.
لكن المثير للاستغراب هو أن الغرامة المالية المفروضة على المتحرش جنسياً في العمل لا تدفع للمعتدى عليه وإنما للدولة.
ويقول الخبير في العنف ومستشار الطب الشرعي هاني جهشان إن التحرش الجنسي عادة ما يطلق على توجيه تعابير كلامية جنسية للضحية أو القيام بأفعال جنسية غير جسيمة، وهذه عقابها جزائياً بحسب التشريعات الأردنية أقل نسبياً مقارنة مع جريمتي هتك العرض والاغتصاب. ويضيف، "لا فرق إن كان التحرش صراحة أو ضمناً، ولا فرق إن كان من رجل مسؤول إدارياً عن المرأة أو من شخص غريب".
وتشير الدراسات العالمية وفق جهشان إلى أن المرأة هي الضحية في التحرش الجنسي بنسبة 98 في المئة من الحالات، بينما يكون الرجل الضحية بنسبة لا تتجاوز اثنين في المئة.