ملخص
لا يتجاوز المعدل السنوي لاستهلاك الفرد في تونس للحوم الحمراء 6.8 كيلوغرام في مقابل معدل عالمي يتراوح ما بين 90 و110 كيلوغرامات
أعلنت شركة اللحوم الحكومية في تونس تسعيرة منتجاتها خلال شهر رمضان، وقال مديرها طارق بن جازية إن الأسعار حددت على حساب هامش الربح، وتضمنت 32 ديناراً (10.25 دولار) للكيلوغرام الواحد من لحوم الضأن، مشيراً إلى امتلاك الشركة كميات من اللحوم ستضخ خلال الشهر.
وفسر بن جازية ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالطلب الذي تشهده سوق الدواب، وأشار إلى فتح 15 نقطة بيع تابعة للشركة في العاصمة وأحوازها، في انتظار تعميمها في كامل الجمهورية، لتوفير اللحوم الحمراء بأسعار مناسبة.
وبخصوص إمكان توريد كميات من اللحوم الحمراء قال المسؤول إن الأسعار العالمية تشهد ارتفاعاً، مما دفع إلى الاعتماد على السوق المحلية في الوقت الحاضر، في وقت أدى ارتفاع أسعار اللحوم إلى غضب وصدمة في أوساط المستهلكين، إثر بلوغ لحوم الأبقار 53 ديناراً (17 دولار) في بعض المناطق، واتهم رؤساء منظمات تحدثوا لـ"اندبدنت عربية" السلطات المعنية بتجاهل الدعوات المتتالية إلى إصلاح منظومة اللحوم، والعجز عن مواجهة "اللوبيات" المتحكمة في دائرة الإنتاج.
وشهدت سوق الاستهلاك في تونس خلال السنوات الأخيرة تراجعاً في الإقبال على اللحوم الحمراء وتعويضه بالدواجن على خلفية ارتفاع الأسعار، إذ بلغ معدل ارتفاع أسعار لحوم الأبقار والضأن 20 في المئة سنوياً، مما يساوي سبعة دنانير (2.24 دولار)، وتعاني منظومة اللحوم الحمراء في تونس، صعوبات بسبب تراجع القطيع في البلاد على خلفية ارتفاع كلفة الإنتاج.
وانخفض عدد رؤوس الأبقار إلى 365 ألف رأس في مقابل 594 ألف رأس في عام 2018، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء وديوان تربية الماشية، ونقص قطيع الأغنام ليتحدد بـ3 ملايين و800 ألف رأس في مقابل 6 ملايين و470 ألف عام 2018، وانخفض قطيع الماعز إلى 738970 رأس مقارنة بمليون و197 ألف في حين لا يزيد قطيع الإبل على 50 ألف رأس.
تآكل القطيع
وتعمقت أزمة تآكل القطيع في السنوات الأخيرة بالنظر إلى الأزمة المائية، وموجة الجفاف التي امتدت إلى ست سنوات، مما حد من مساحات المراعي، ودفع بالمربين إلى التفريط في رؤوس الأبقار والأغنام لديهم بالبيع عجزاً عن تغطية كلفة الإنتاج، في حين زادت الحرب الأوكرانية من معاناتهم بما ترتب عنها من ارتفاع جنوني في أسعار العلف المورد، الذي يمثل 75 في المئة من جملة الاستهلاك.
وقال عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة والصيد البحري الإمام البرقوقي، إن الثروة الحيوانية في تونس عانت في الفترة الأخيرة استهلاك مخزون القطيع، بسبب ذبح الإناث على خلفية نقص الإنتاج، وارتفعت أسعار اللحوم في نتيجة حتمية لتخلي السلطات المعنية عن المربين الذين واجهوا اشتعال أسعار الأعلاف بمفردهم، إذ بلغ سعر طن الصوجاً 2000 دينار (641 دولار)، وطن الذرة ألف دينار (320 دولار).
وعبر البرقوقي عن أمله بأن يعدل ديوان الأعلاف الذي تأسس أخيراً هذه الأسعار، مضيفاً أن المنظمة الفلاحية دعت في عديد من المناسبات إلى الدعم المباشر للأعلاف عند مرحلة بيعه للمربين، بدلاً عن دعم مصنعي الأعلاف الذي طالما مثل باباً للفساد، وفق تعبيره.
وكان مجلس الوزراء صادق في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2024، على مشروع أمر يتعلق بإحداث الديوان الوطني للأعلاف، ويعود تأسيسه لوجود مشكلات متعلقة بتوريد الأعلاف، إذ لوحظت إخلالات على مستوى منظومة التوزيع على المربين، علاوة على إشكالات متعلقة بإنتاج الأعلاف على المستوى المحلي.
ويتمثل دور الديوان في الإسهام في ضبط الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية للنهوض بالموارد العلفية وحوكمة التصرف فيها، وضبط وتوفير الحاجيات السنوية من الموارد العلفية للقطيع، وإنتاج وتوريد وتوزيع الموارد العلفية والاتجار فيها، وتكوين مخزونات الاحتياط، والتدخلات الضرورية لتعديل السوق، والإسهام في إنجاز الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة بمنظومة الأعلاف، بما في ذلك تقديرات كلفة الإنتاج.
وذكر البرقوقي أن انفراد الديوان بتوريد الأعلاف من شأنه أن يحدد سقفاً للأسعار ويحل الجزء الأوفر من معضلة التزود بالأعلاف، بالتالي إنتاج اللحوم بنوعيها الحمراء والدواجن، وهي المرحلة الأساس لاسترجاع القطيع، ووتيرة إنتاج اللحوم وإيقاف نزف ذبح الإناث وتآكل مخزون الثروة الحيوانية، والخطوة الأولى التي تحول دون تفويت صغار المربين في رؤوس الأغنام والأبقار بالبيع، ومن جهة أخرى عبر عن أمله في القضاء على ظاهرة تهريب القطيع، بخاصة الأبقار إلى القطر الجزائري الذي مثل عنصراً إضافياً لمعاناة قطاع اللحوم الحمراء في تونس.
"لوبيات"
وتشير الإحصاءات إلى أن تونس تنتج سنوياً 120 ألف طن من اللحوم الحمراء، وهي غير كافية للاستهلاك ويقع توريد بقية الحاجيات من خارج البلاد، قبل أن ترتفع الأسعار العام الماضي عالمياً، ويجري التخلي عن التوريد.
وحذر رئيس غرفة القصابين أحمد العميري من تفكك منظومة إنتاج اللحوم وانهيارها بعد ما وصفه بسقوطها بأيدي "لوبيات" متحكمة في الأسعار، مما تسبب في اشتعال الأسعار، إذ يتراوح سعر الكيلوغرام من لحوم الأبقار ما بين 46 ديناراً (14.7 دولار) و51 ديناراً (16.34 دولار)، في حين تتفاوت أسعار لحم الضأن ما بين 42 ديناراً (13.46 دولار) و48 ديناراً (15.38 دولار) للكيلوغرام، محققة زيادة تساوي 20 في المئة، بحكم أن أسعار اللحوم الحمراء في الفترة نفسها من السنة المنقضية، تراوحت ما بين 36 ديناراً (11.5 دولار) و38.5 دينار (12.3 دولار)، ووجه العميري سهام الاتهام إلى من وصفهم بالدخلاء على القطاع، مشيراً إلى أنهم يتجسدون في عدد من الشركات الموردة لعجول التسمين المعدة بالأساس لإنتاج لحوم الأبقار وعددهم لا يزيد على 10 موردين، ولا يتوقف دورهم على مرحلة التوريد التي يتمتعون خلالها بامتيازات وإعفاءات جمركية، بل يتجاوزه إلى التحكم في دائرة الإنتاج برمتها بقيامهم بالهيمنة على عملية بيع العجول للمربين بأسعار باهظة ثم العودة لشرائها بعد عملية التسمين، وتوزيعها في السوق للبيع بالجملة، مما حولهم إلى موردين ومسوقين بالسوق المحلية بالجملة، والتفصيل من دون رقيب، وفق تقديره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب العميري بتغيير كراسة الشروط (القانون) المنظم للتوريد التي تنقحت عام 2017، ليتحول إلى قانون مناسب لـ"لوبيات" بعينها خربت القطاع وحرمت التونسيين من اللحوم، وفق قوله. وأضاف "يتعين تحديد الأسعار عند البيع للمربين الذين تحولوا إلى الحلقة الأضعف في الإنتاج وعجزوا عن مسايرة الأسعار المرتفعة، واكتفوا بهامش ربح ضئيل عند مرحلة التربية في مقابل تغول التجار المحتكرين للحوم الأبقار".
وطالب العميري بربط التسويق بعقود التوريد لتحديد سقف للأرباح، وانتقد من جهة أخرى إيقاف توريد كميات محدودة من اللحوم المبردة لتعديل الأسعار بالسوق المحلية العام الماضي، مما أسهم في انفلات الأسعار.
وكشف عن دراسة توريد كميات من اللحوم قبل حلول شهر رمضان، إذ تراقب وزارة التجارة الأسعار في الأسواق العالمية بهدف توريد 500 طن من لحوم الضأن المبردة، و2000 طن من لحوم الأبقار المبردة، في حين يتجه القطاع الخاص إلى توريد 1000 طن من لحوم الضأن المجمدة، و2500 طن من لحوم العجول المجمدة، وهي مخصصة لتزويد النزل المطاعم السياحية، في حلول ظرفية في انتظار استرجاع الثروة الحيوانية التي افتقدتها البلاد في العقود الماضية، مما أدى الى تراجع عدد القصابين من 8216 في عام 2015 إلى 5400 في العام الحالي، على خلفية العزوف عن استهلاك اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع أسعارها، في وقت لم يعد يتجاوز المعدل السنوي لاستهلاك الفرد في تونس للحوم الحمراء 6.8 كيلوغرام، في مقابل معدل عالمي يتراوح ما بين 90 و110 كيلوغرامات للفرد الواحد.