Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إهمال مروع في مستشفيات بريطانية

مع اكتظاظ أسرّة المستشفيات بنسبة إشغال بلغت قرابة 95 في المئة، مراسلة "اندبندنت" تسلط الضوء على "المحنة" التي عاشها رجل يبلغ من العمر 73 سنة في أحد أجنحة "أن إتش أس"

بلغ تدهور صحته من السوء درجة أنه أصبح هزيلاً وأشبه بظل إنسان (مارتن وايلد)

بعدما تُرك مارتن وايلد يعاني من آلاماً مبرحة، في وقت تجاهل عاملو الرعاية الصحية صرخاته للمساعدة، لجأ إلى الاتصال برقم الطوارىء 999 من سريره في المستشفى، طالباً إحضار الدواء الذي كان في أمس الحاجة إليه.

لكن ما حدث لم يكن سوى بداية محنة مروعة وكابوس تعرض له الرجل البالغ من العمر 73 سنة في "مستشفى سالفورد الملكي" Salford Royal Hospital التابع لهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS.

ويؤكد الرجل الذي كان يعمل في السابق بائع سيارات، أنه عانى لنحو خمسة أشهر إهمالاً طويلاً، وتحمل لحظات مؤلمة وهو مستلقٍ فوق ملاءات مبللة بالبول وكان يتوسل فيها بشدة الحصول على دواء.

بحسب زوجته، بلغ تدهور صحته من السوء درجة أنه أصبح هزيلاً وأشبه بظل إنسان، مقارنة بما كان عليه من قبل. وأقر أحد الموظفين الذين تولوا رعايته بأنه لم يشهد قط مريضاً في المستشفى تعرض للإهمال إلى هذه الدرجة.

وروى وايلد لـ"اندبندنت" كيف أن تجربته خلال الفترة التي أمضاها في "مستشفى سالفورد الملكي" أسهمت في تحطيم ثقته بمرافق "إن إتش أس" التي يعتقد بأنها أصبحت غير صالحة للغرض الذي أنشئت من أجله. ووصف ما عاناه داخل الجناح الصحي بأنه كان كابوساً، قائلاً "شعرتُ بأنني حرمت من الاهتمام والرعاية".

وأضاف: "كنت أقبع مستلقياً على السرير في الليل، وأنا أسمع صرخات تتردد في الجناح لأفراد بائسين يطلبون المساعدة. وكان الأمر كما لو كنتُ في إحدى دول العالم الثالث".

 

أما لورين زوجة السيد وايلد، وهي ممرضة سابقة، فتحدثت عن الصعوبات المتواصلة التي وجدتها في محاولتها حض "مؤسسة تحالف الرعاية الشمالية" Northern Care Alliance NHS Foundation Trust المسؤولة عن "مستشفى سالفورد الملكي"، على إجراء تحقيق شامل في طريقة علاج زوجها. وجاءت النتائج الأولى للتحقيق بتصنيف الرعاية على أنها تسبب ضرراً متوسطاً، لكن نتيجة الضغط الشديد من جانبها اعتبر في نهاية المطاف ضرراً جسيماً.

وأفاد أحد الموظفين الذين شاركوا بصورة مباشرة في رعاية السيد وايلد بأنه في "مرحلة معينة بدا وكأنه شخص ميت".

وقال: "رأيتُ مرضى متوفين بدوا أكثر حيوية منه. ويمكنني التأكيد أنه في مسيرتي المهنية التي امتدت لعقود من الزمن، لم أشهد قط مثل هذا الإهمال الصارخ لمريض في أحد المستشفيات ... لقد كان إهمالاً متجذراً. ولو كان هناك إشراف مناسب على رعايته، لكان من الممكن تصحيح جميع أوجه القصور الأخرى".

تأتي محنة السيد وايلد في وقت وجهت "الكلية الملكية للتمريض" The Royal College of Nursing  نداء ناشدت فيه المعنيين القيام بتدخل طارئ لإنقاذ التمريض كمهنة، إذ تكشف أرقام جديدة عن تراجع مقلق بنسبة 10 في المئة تقريباً في عدد المتقدمين للحصول على شهادات تمريض، وذلك في غضون عام واحد.

 

وفيما تواجه مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" زيادة في الشغور في وظائف التمريض، مع بلوغ الرقم قرابة 43 ألف وظيفة شاغرة وفقاً لبيانات حديثة، تعاني مستشفيات "الخدمات الصحية الوطنية" أزمة اكتظاظ، بحيث إن أكثر من 95 في المئة من الأسرّة تظل مشغولة باستمرار، مما يتجاوز بكثير مستوى الإشغال "الآمن" المقبول عموماً الذي يبلغ 85 في المئة.

الاتصال برقم الطوارىء 999

في عودة لمارتن وايلد، وفي الثامن من مايو (أيار) من العام الماضي، أي بعد أسبوعين من إجرائه عملية جراحية في "مستشفى ألكسندرا"  Alexandra Hospital الخاص، بهدف علاج تضيق في العمود الفقري، أصيب بعدوى نادرة، وجرى نقله على الفور إلى "قسم الحوادث والطوارئ" في "مستشفى فيرفيلد"  Fairfield Hospital.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تلك المحطة شكلت بالنسبة إليه بداية محنة شاقة استمرت خمسة أشهر، وجد خلالها رجل اعتاد قضاء وقت فراغه في إصلاح سيارات كلاسيكية، نفسه طريح الفراش، تراوده أفكار الموت.

فبعد ساعات من إدخاله إلى قسم "الحوادث والطوارىء"، نقل إلى "مستشفى سالفورد الملكي"، حيث وضع في جناح للعلاج من الأمراض التي تتطلب رعاية طبية فورية. وكان السيد وايلد مستلقياً هناك في غرفة جانبية يعاني آلاماً مبرحة و"بالكاد يقوى على الحركة"، وكان يتوسل الممرضات إعطاءه مسكنات للألم كان في حاجة ماسة إليها.

مع ذلك، أبلغه طاقم التمريض أن الطبيب وحده هو الذي لديه صلاحية وصف الدواء. وقال: "طلبتُ إعطائي بعض مسكنات الألم، فأجابوني: ’سبق أن تناولت مسكن باراسيتامول، وهذا هو الحد الأقصى الذي يمكننا تقديمه لك. ليست لدينا السلطة لوصف (مستحضرات أفيونية)، والأمر يحتاج إلى تدخل طبيب‘. وعندما استفسرتُ عن إمكان استدعاء طبيب، قالوا لي ’إن جميعهم مشغولون للغاية في رعاية أكثر من 100 مريض، وأن حالتي لا تشكل أولوية".

وأضاف: "بما أنني كنتُ أعاني آلاماً مبرحة، قمتُ بالاتصال برقم الطوارئ 999".

 

مرت ساعات على هذا الوضع، تخللتها اتصالات عدة بمكتب الاستقبال في المستشفى، قبل أن يتمكن السيد وايلد أخيراً من الوصول إلى طبيب قادر على استصدار وصفة طبية له.

بعد أسابيع، وفي ما وصفه أحد الموظفين بأنه فشل آخر من جانب المديرين الذين كانوا مستعجلين لـ"إخلاء السرير"، خرج السيد وايلد من المستشفى وأُرسل إلى منزله بسيارة أجرة، يصحب معه حوالى 40 علبة دواء، بما فيها المواد الأفيونية شديدة التخدير. وعلى رغم تنبيهات السيد وايلد للموظفين في شأن حالته غير الملائمة وغياب المساعدة له في المنزل خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلا أنه أُخرج من المستشفى.

وقال السيد وايلد: "كان الأمر مروعاً. وجدتُ نفسي متكئاً على حاجز باب سيارة الأجرة، أميل إلى الأمام، في محاولة لوضع رأسي على لوحة القيادة، بهدف التخفيف من الألم بعض الشيء".

وبعد أيام، تدهورت حالته إلى حد أنه كان لا بد من إعادته إلى المستشفى مرة أخرى عبر "قسم الحوادث والطوارئ".

رعاية "مروعة"

ووصف السيد وايلد مستوى الرعاية "المروع" الذي استمر أثناء دخوله إلى المستشفى للمرة الثانية. وقال: "كنتُ أشعر بألم كبير، وأرتجف نتيجة ذلك. لكن ما من أحد بدا مهتماً".

السيدة وايلد قالت لـ"اندبندنت" في معرض روايتها لإحدى أكثر اللحظات المؤلمة: "كانت هناك ثلاث زجاجات ممتلئة من البول موضوعة على طاولته قرب طعامه".

 

وأضافت: "في صباح أحد الأيام قرابة الثامنة والربع، سكب عن طريق الخطأ زجاجة بول على سريره، وعلى رغم الإلحاح بطلب المساعدة عبر قرع الجرس بصورة متكررة كي يأتي الموظفون لتغيير ملاءات الفراش وملابس النوم، إلا أنهم ألغوا الجرس ولم يعودوا للغرفة. ونتيجة لذلك اضطر إلى تناول وجبتي الإفطار والغداء إضافة إلى جرعات من الأدوية أثناء استلقائه على سرير مبلل بالبول. وعندما وصلتُ في نهاية المطاف لزيارته كان مستاءً ومضطرباً للغاية".

بعد خمسة أشهر، تحديداً في سبتمبر (أيلول) 2023، أُحيل مارتن إلى اختصاصي في جناح مختلف حيث تحسنت رعايته. لكن بحلول تلك المرحلة، كانت صحته تدهورت كثيراً إلى درجة أنه فقد نحو ستة كيلوغرامات ونصف من وزنه في شهر واحد.

وتتذكر السيدة وايلد بوضوح رؤية زوجها وهو يبكي، معرباً عن يأسه وعن رغبته في عدم مواصلة العيش. وتقول: "كانت صحته تتدهور بصورة واضحة بسبب النقص في العناصر الغذائية الأساسية. وفي مرحلة ما، اعتقدتُ بأنه فارق الحياة".

ةكشف تقرير عن حادثة خطرة تمثلت في تجاهل الموظفين المخاوف المتعلقة بعادات الأكل والشرب للسيد وايلد. وعُزي هذا الخطأ إلى المعرفة والخبرة المحدودتين لطاقم التمريض الذي كان أفراده في غالبيتهم من المبتدئين في ذلك الوقت.

ومع ذلك، فإن التقرير عن التحقيق في الرعاية التي تلقاها السيد وايلد، لم يتطرق إلى الرعاية في الجناح الذي كان فيه، وسوء التعامل معه لجهة إخراجه من المستشفى. وفيما قدم السيد وايلد وزوجته اعتراضاً على النتائج لدى "مؤسسة تحالف الرعاية الشمالية" إلا أنهما لم يتلقيا رداً بعد.

جوديث آدامز، كبيرة مسؤولي الإشراف على ضمان جودة الخدمات في المؤسسة الاستشفائية، قالت: "نهدف إلى أن يشعر جميع مرضانا والأفراد الذين يستخدمون مرافقنا بأن صحتهم ورفاهيتهم هي أولويتنا القصوى، ونحن نعتذر بشدة لأن هذه لم تكن تجربة السيد وايلد وعائلته".

وذكرت أن المؤسسة أجرت تحقيقاً في شكاوى السيدة وايلد وبعثت بالنتائج التي توصلت إليها إلى الأسرة والموظفين المسؤولين عن رعايته. وأكدت السيدة آدامز أن المستشفى شهد تغييرات لضمان التعلم من تجربة السيد وايلد.

يُشار أخيراً إلى أنه جرى الاتصال بوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية للتعليق على ما ورد في هذا التقرير.

© The Independent

المزيد من صحة