بين جنبات واحد من كبرى الأحياء الشعبية القديمة في قطاع غزّة، والذي يسمى بـ "حي الشجاعية"، يعمل أمجد على تحويل سطح منزله إلى جنة خضراء، من خلال استصلاحه الكامل، فيقوم بزراعته بأنواعٍ مختلفة من الشتلات التي تضفي جمالاً للمكان، يمكن استخدامها في مجالات عدة.
ينهمك أمجد منذ ساعات الصباح الباكر في تجهيز زوايا سطح منزله، لتحويله من مكانٍ مهجور يحتوي على خزانات المياه، وبعض الألواح الشمسية، إلى تحفة فنية جميلة تجذب الناظرين لها، وتصبح مكاناً هادئاً لجلسات عائلية أو زوايا تصوير مميّزة. وسطح منزله عبارة عن خمس زوايا، يحاول جاهداً منذ أسابيع على إعادة تدويرها من جديد، فيهتم بكلّ زاوية على حدة، وفقاً لخطة رسمها في رأسه. يقول "جميع أسطح المنازل مكان مهجور، وأنا حاولت استثماره في فكرة جديدة، وأنوي زراعته بشتلات من الصبار".
فكرة أمجد لقيت استحسان عائلته التي شجعته على استثماره بطريقة جذابة تعمل على توفير فرصة عملٍ له، يضيف "أنا من خريجي قسم الصحافة والإعلام، وأعشق التصوير في الكاميرات الاحترافية، لذلك خطرت في بالي فكرة استغلال السطح على شكل زوايا تصوير يمكنني من خلالها توفير فرصة عملي".
جنة الصبار
في الزاوية الأولى من السطح، بدأ أمجد يزرع شتلات الصبار، وينشرها في المكان بطريقة مدروسة لتشكل في نهاية المطاف لوحة فنية جميلة، يوضح أنّه يحاول من خلال ذلك تحويلها للوحة فوتوغرافية مميزة، يلتقط من أمامها الناس صوراً تذكارية لهم. زرع أمجد أكثر من 100 قوار من شتلة الصبار، واختار أشكالاً متعددة لها، توحي بحيوية المكان وتجديد النشاط فيه، لكن ذلك لم يعجب الكثيرين، ويشير إلى أنّ الصبار يصنف من الشوكيات، لذلك يكرهه الناس، وعادة ما يكون هناك نفور منه.
وفي غزّة، درجت خرافة بأنّ الصبار يجلب الحظ السيء، ووجوده في المنزل قد يحدث مشاكل عائلية، لأنّه من النباتات ذات الأشواك التي لم تعجب الناس، لذلك يحاول الناس تجنب زراعته في منازلهم، بينما تأتي فكرة أمجد لدحض تلك الخرافة المتوارثة عبر الأجيال. ويوضح أمجد أنّ نبات الصبار له فوائد كثيرة، ولا علاقة له بالحظ السيء أو جلب خلافات ومشاكل، بل الكثير من الفوائد، وعلى النطاق العادي يعد منظراً جمالياً مميزاً، فضلاً عن ذلك يحتوي على الكثير من الزيوت التي تستخدم كعلاج لعدد من الأمراض.
تغيرت أفكار الناس
وبعد تجهيز تلك الزاوية، بدأ أمجد في تصويرها بأوقاتِ مختلفة، ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخلال فترة قصيرة بدأ النشطاء ورواد تلك المواقع في التفاعل معه، ويقول "تغيّرت أفكار الناس عن شتلة الصبار، وبدأوا يحبونها كثيراً، تلقيت العديد من الطلبات لتحويل منازلهم لجلسات هادئة من خلال زراعة شتلة الصبار فيها".
أطلق أمجد اسم جنّة الصبار على سطح منزله، وعلى الزاوية المقابلة لها، بدأ في تشييد شبكة كهرباء جديدة تغذي المنطقة بالإنارة، وقام بتمديد سطح منزله بمصابيح إنارة قديمة ذات اللون الأصفر، ويصف المشهد باللؤلؤ المتناثر في المكان، وتنعكس الإنارة على شتلات الصبار، وتعطي ألواناً مميزة ناعمة. واستعان بفكرة الفوانيس القديمة، استوحاها من أحد المسلسلات التلفزيونية، ويلفت إلى أنّ هذه الفكرة تدمج بين الوقت المعاصر والزمن القديم الجميل.
جلسات تصوير
ونصب أمجد في مساحات السطح الواسعة بعض الستائر والكراسي الخشبية، ويتابع "فكرتي هي صناعة الشيء بنفسي، وليس شراء المقتنيات من المتاجر، فأنا عاطل من العمل، وأبحث عن فرصة عمل من خلال تحويل السطح للوحة، وعند الانتهاء سأبدأ في استقبال الناس فيه وأقوم بتصويرهم مقابل المال".
جهّز أمجد على سطح منزله جلسات عدة، في كلّ زاوية منظر يختلف عن الآخر، ويمكن التقاط العديد من الصور عليه، وفي الإطار ذاته، بدأت في الفترة الأخيرة جلسات التصوير تأخذ صدى مميزاً بين المواطنين، إذ اتخذ من الفكرة مشروع عمل له يدر له بعض الأموال.
لمحاربة الفقر
ولم يكن أمجد وحده الذي زرع منزله، فهناك العديد من الناس قاموا باستصلاح الأسطح وزراعتها، من بينهم سامية أبو مسعود التي حوّلت سطحها إلى مشتل صغير فيه العديد من الشتلات مثل الطماطم، والنعناع وبعض الخضروات سريعة النمو. وتعمل عند نضوج هذه الشتلات على قطف ثمارها، ثمّ تقوم ببيعها في الأسواق، في محاولة منها لتخطي حالة الفقر التي تعيشها برفقة أسرتها وتشرح: "قبل أن أبدأ في مشروعي لم أكن أستطيع توفير مصاريف المنزل، ولم أستطع استكمال تعليم أطفالي، ولكن الآن الحياة تغيرت، بعدما تمكنت من بيع أوّل الجني".
والجدير بالذكر أنّ نسبة الفقر تخطت في غزّة حاجز 36 في المئة، وتعمل بعض المؤسسات الخيرية في القطاع على تشجيع زراعة أسطح المنازل، في محاولة لتوفير فرص عمل للفقراء، وكذلك لسد العجز في قلة الأراضي الزراعية بسبب الزحف العمراني.