ملخص
هناك قادة أقوياء يبحثون عن تأسيس أشكال من حكم الرجل الواحد عبر كوكتيل من الخوف والوطنية والمظالم الشعبية، لكن ضعف الرجال الأقوياء هو كون هذا الحكم لا يدوم إلى الأبد.
أميركا تعاني انقساماً سياسياً داخلياً عميقاً وتحديات خارجية كبيرة، والصين لا تزال تعاني مضاعفات الثورة الثقافية أيام ماوتسي تونغ، حيث "الشعب أرعب الحزب، والحزب أرعب الشعب"، كما سجلت تاتيانا برانيغان في كتاب "ذاكرة حمراء: حيوات ما بعد الثورة الثقافية الصينية".
لكن البلدين مستمران في السير على طريق التنافس الاستراتيجي، لا حرب غزة واضطراب الشرق الأوسط، ولا حرب أوكرانيا وخضة أوروبا، ولا أخطار الصدام على تايوان أدت إلى فرملة التنافس الذي بدا حتمية تاريخية بين قوة عظمى مكرسة وقوة عظمى صاعدة.
تنافس يقول مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز "إن له الأولوية القصوى في أميركا"، ويصفه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأنه "كوني، لكنه ليس لعبة صفرية"، أما الرئيس الصيني شي جينبينغ المؤمن بقول ماو إن "محاربة أميركا للصين حتمية تاريخية" فإنه يرفع شعار "لا صدام، ولا مواجهة، احترام متبادل وتعاون يرضي الطرفين".
لكن وزير الدفاع الأميركي سابقاً روبرت غيتس يترجم شعار شي عن "التجديد العظيم للأمة الصينية" بأنه "اختصار لأن تصبح الصين مسيطرة على العالم في 2049"، أي في الذكرى المئوية الأولى لنجاح الثورة الصينية عام 1949، وإذا قيل إن صدام الأيديولوجيات انتهى بعد الحديث عن "نهاية التاريخ"، فإن صدام المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية يبقى محرك السياسات.
والتنافس الأميركي - الصيني ليس فقط في القوة الصلبة، بل أيضاً في القوة الناعمة، شي يراهن على "الثقة الثقافية والأمن الثقافي" وانتشار معاهد كونفوشيوس في 162 بلداً، والرئيس الأميركي جو بايدن يراهن على "المثال، لا مثال قوتنا، بل قوة مثالنا"، والفارق لا يزال كبيراً في امتلاك حاملات الطائرات والأسلحة النووية والصاروخية والقواعد العسكرية في الخارج، إذ تبحث الصين عن قاعدة في أفريقيا بعد وجودها في جيبوتي، في حين أن لأميركا نحو 800 قاعدة عسكرية في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أميركا مهددة بنوع من حرب أهلية باردة إذا فاز دونالد ترمب بالرئاسة، وحرب أهلية حارة إذا خسر، أما في الصين، بحسب تاتيانا برانيغان، فإن "طلاب اليوم هم الجيل (Z)" بعدما أدت الثورة الثقافية إلى أن "المجتمع يأكل نفسه من الداخل"، شي مثلاً، رأى والده المسؤول الكبير في الحزب الشيوعي يساق إلى السجن، ويهان على أيدي جهلة، كما عوقب هو بإرساله إلى الريف للعمل في المزارع، لكنه يعتبر اليوم "أن الثورة الثقافية كانت في النهاية تجربة لتحمل المسؤوليات، ونوعاً من الخبرة".
الواقع أن أميركا قلقة ومتوجسة، والصين مرتاحة غير مستعجلة، الولايات المتحدة تواجه تحديات خارجية قوية للانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب لأن "عالم ما بعد الحرب الباردة انتهى لحظة حرب روسيا في أوكرانيا"، كما رأى وليام بيرنز في مقال نشرته "فورين أفيرز"، وهي فوق ذلك مهددة بأن يعود إلى البيت الأبيض ترمب الطامح لأن يلعب "دور الديكتاتور" ويمارس مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حكم الشخص الواحد في نظام ديمقراطي رسمياً.
والصين التي تواجه هموماً اقتصادية جديدة ومعارضة تحت الأرض، تتجه أكثر فأكثر إلى تركيز السلطة في يد رجل واحد كما كانت الحال أيام ماوتسي تونغ، وشي الذي ليس في نظام ديمقراطي هو أحد الذين تحدث عن تجاربهم جدعون راتشمان في كتاب "عصر الرجل القوي: كيف تهدد عبادة القائد الديمقراطية في العالم"، إذ يقول راتشمان إن "السلطوية الجديدة تتمدد في العالم من الصين إلى الهند والمجر وبولندا وروسيا وتركيا، وحتى أميركا".
هناك "قادة أقوياء يبحثون عن تأسيس أشكال من حكم الرجل الواحد عبر كوكتيل من الخوف والوطنية والمظالم الشعبية"، لكن "ضعف الرجال الأقوياء هو كون حكم الشخص الواحد لا يدوم إلى الأبد، ونادراً ما يبدو قادراً على تقديم ما يعد به".
معروف أن الصين اليوم توصف بأنها "توتاليتارية ديجيتالية"، لكن التيار الأميركي الداعي إلى صدام حتمي مع الصين يخرقه عقلاء واقعيون، فالمؤرخ آدم توز يدعو إلى "التكيف مع صعود الصين التاريخي"، والمتخصص في العلوم السياسية غراهام أليسون يدعو إلى "قبول النفوذ التقليدي للصين في آسيا"، وأكثر من هذا ما كان يدعو إليه الراحل هنري كيسنغر، لكن اللعبة أقوى من العقلاء، وأحياناً من المجانين.