ملخص
تدخل الأزمة المالية في لبنان مرحلة حاسمة يتعلق بها مصير المودعين اللبنانيين والأجانب
تقف الأزمة المالية في لبنان على أعتاب مرحلة حاسمة تهم كل من المودعين اللبنانيين والأجانب على حد سواء، وتطرح تساؤلات ملحة حول عدد هؤلاء المودعين وقيمة ودائعهم في البنوك وإمكانية تصفيرها كجزء من خطة الحكومة لمواجهة الأزمة.
هذا الواقع يطرح سؤالاً كبيراً، كيف انتهى المودعون إلى هذا "الفخ" المصرفي، وما الذي يخبئه المستقبل لودائعهم في ظل الاضطرابات الاقتصادية الحالية؟
أعداد المودعين بالأرقام
في السياق كشف رئيس جمعية "صرخة المودعين"، علاء خورشيد، في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك تناقضاً في الأرقام المعلنة للمودعين"، مؤكداً أن "أحدث الإحصاءات تشير إلى وجود مليون و200 ألف مودع، يمثلون مع عائلاتهم من 3 إلى 4 ملايين شخص، شاملاً كلاً من اللبنانيين والأجانب". وأشار إلى "وجود مليونين و400 ألف حساب بنكي، مع العلم أن بعض الأفراد يمتلكون أكثر من حساب واحد"، موضحاً في الوقت عينه أن "الغالبية العظمى من المودعين هم من كبار السن، مما يثير تساؤلات حول كيفية تأمين معيشتهم ورعاية متطلبات أسرهم".
من جهته أكد كبير الاقتصاديين في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل في تصريح خاص، "غياب الأرقام الرسمية حول عدد المودعين في النظام المصرفي اللبناني"، موضحاً أن "الأرقام المتاحة تتعلق بعدد الحسابات المصرفية، والتي لا تعكس الواقع بدقة".
وفقاً لغبريل تظهر الأرقام الرسمية أن "85 في المئة من أصحاب الحسابات يملكون ودائع تصل إلى 100 ألف دولار، لكن هذا يمثل فقط 20 في المئة من إجمالي الودائع، مع العلم أن البقية، أي 80 في المئة، تعالج بطرق أخرى مثل تحويلها إلى أسهم أو الليرة اللبنانية بسعر أقل من سعر السوق".
ونبه إلى أنه "حتى أواخر 2022، بلغ عدد الحسابات المصرفية 1.3 مليون حساب. وفي نهاية سنة 2023، وصل حجم الودائع إلى 94.8 مليار دولار، منها 31.3 مليار بالعملات الأجنبية، ومن إجمالي هذه الودائع، 22 في المئة تعود لغير المقيمين و78 في المئة للمقيمين في لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومضى في حديثه، "نسبة المغتربين اللبنانيين أيضاً غير واضحة بسبب تعقيدات تصنيف الحسابات بين المقيمين وغير المقيمين"، مؤكداً "أهمية وحجم ودائع المغتربين، التي تشمل مواطنين من دول عربية مختلفة وتمثل قيمة كبيرة ضمن النظام المصرفي".
كيف وقع المودعون بالفخ؟
بالعودة إلى رئيس جمعية "صرخة المودعين"، علاء خورشيد، يقول إن "المشكلة التي وقع بها المودعون كانت أواخر سنة 2016، إذ قدم عرض لعدد كبير منهم لتحويل ودائعهم من الدولار إلى الليرة اللبنانية، وكانت الفوائد على العملة الأميركية تراوح ما بين 3 و6 في المئة، بناءً على المبلغ، ثم اقترحت فوائد أعلى بين 10 و12 في المئة لمن يحولون إلى الليرة اللبنانية، وهي أرقام غير عادية جذبت كثيراً من المودعين، فوضع عشرات الآلاف منهم أموالهم في المصارف للاستفادة من الفوائد العالية، قبل أن تظهر لاحقاً الأزمة ومعها احتجزت هذه الأموال".
إعادة هيكلة المصارف
أما بالنسبة إلى خطة الحكومة لإعادة هيكلة المصارف ومعالجة وضع الودائع، المعروفة بمشروع إعادة الانتظام إلى القطاع المالي، اعتبر خورشيد أن "خطة الحكومة لا تهدف إلى استرداد الودائع، بل تقترح بدلاً من ذلك إلغاء ما بين 70 و80 في المئة من قيمة الودائع، محاولة بذلك الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي التي تتضمن الحصول على دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مقابل خفض قيمة ودائع بما يصل إلى 60 مليار دولار"، واصفاً إياها بـ"غير المنطقية".
وانتقد خورشيد "الاستراتيجية الرامية إلى تقسيط أموال المودعين بـ200 دولار شهرياً"، مشيراً إلى أنها "غير كافية لتلبية الحاجات اليومية الأساسية للمودعين العاطلين من العمل". وحذر من أن "هذه الخطة، في حال تم تطبيقها، قد تؤدي إلى عنف وفلتان أمني"، داعياً إلى "تحمل البنوك والدولة المسؤولية وتوزيع الخسائر بصورة عادلة". كما أكد أن "الهدف الحالي يجب أن يكون إنهاء ملف المودعين بطريقة تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد".
تنصل من مسؤوليات الدولة
وفي تفاصيل الخطة، لفت نسيب غبريل إلى أنه "يضمن للمودعين حسابات تصل إلى 100 ألف دولار قبل أزمة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مع تقديم ضمان لودائع أخرى بشروط مختلفة. وتنص الخطة على سداد 300 دولار شهرياً على مدى 15 سنة للحسابات المؤهلة، و200 دولار شهرياً للودائع غير المؤهلة على مدى 10 إلى 15 سنة".
أما بالنسبة إلى المبالغ التي تتجاوز 100 ألف دولار، فتقدم خيارات مثل التحويل إلى الليرة اللبنانية بنسبة 20 في المئة من سعر الصرف، أو الحصول على أسهم في المصارف، أو سندات بفائدة صفرية لمدة تصل إلى 40 عاماً"، وفقاً لغبريل. وأشار إلى أن "هذه الخطة، تقدم معالجة مثيرة للجدل للودائع الكبيرة، وواجهت اعتراضات واسعة من قبل الوزراء في الحكومة، بعضهم قدمها خطية والبعض الآخر دون تقديم وثائق"، معتبراً أن "هدفها التخفيف من مسؤولية الدولة تجاه الأزمة مع تحميل المصارف والمودعين الجزء الأكبر من العبء، مما يثير تساؤلات حول عدالة وفاعلية هذه الاستراتيجية".
استعادة الثقة بالدولة اللبنانية
وعن كيفية استرجاع الأموال، شدد غبريل على "ضرورة وجود الإرادة السياسية لحل أزمة لبنان المالية"، مؤكداً أن "الخطوة الأولى هي استعادة الثقة من خلال التزام الدولة بديونها تجاه مصرف لبنان التي تصل إلى 16.3 مليار دولار".
ولفت الانتباه إلى "دور المادة 113 في قانون النقد والتسليف، التي تحمل وزارة المالية مسؤولية تغطية خسائر المصرف بأي عملة ومبلغ".
تحركات "صرخة المودعين"
وعن سلسلة الإجراءات التي تنفذها جمعية "صرخة المودعين" لمعالجة الأزمة المالية الراهنة، قال خورشيد "اجتمعنا أخيراً مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، وناقشنا بعض النقاط التي سيتم الإعلان عنها قريباً بواسطة منصوري شخصياً". وختم حديثه بقوله إن "هذه المقترحات تقدم حلولاً محتملة للمشكلات المالية المعقدة التي تواجهها البلاد لكن التحدي يظل قائماً مع ضرورة حصولها على موافقة من مجلس النواب والوزراء بسبب تورط السياسيين ومصالح البنوك".