Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختبارات الثانوية السودانية تثير التوترات ومخاوف التقسيم

لجنة المعلمين قالت إن إجراءها في مناطق سيطرة الجيش بالموعد المحدد سيؤدي إلى حرمان أكثر من 750 ألف طالب وهواجس الأمن حاضرة

طالبات سودانيات يتفقدن أرقام الجلوس للامتحانات (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

حملت لجنة المعلمين السلطات الحكومية مسؤولية المضي قدماً في تنظيم الاختبارات قبل الإجابة عن سؤال إيقاف الحرب وجلوس جميع الطلاب للاختبارات، معربة عن مخاوفها من أن يتحول التعليم إلى مدخل لتقسيم البلاد بين فئات لم تصل إلى التعليم وأخرى مستمرة في العملية التعليمية.

بينما تتسارع الأيام ويقترب الموعد الذي حددته السلطات السودانية لاختبارات الشهادة الثانوية المؤجلة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الجاري تخيم ظلال الحرب ومحاذير التقسيم على الأجواء وسط انقسام السودانيين حول جدوى إجرائها في هذا الظرف والتاريخ، بخاصة بعدما قررت قوات "الدعم السريع" منع الطلاب الموجودين في مناطق سيطرتها من التوجه إلى مراكز الاختبارات المقصورة فقط في المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرة الجيش.

توترات وجدل وانتقادات كثيرة تحيط بخطوة الحكومة تنظيم الاختبارات في ظل أجواء الحرب واستمرار المعارك والقصف من دون حتى هدنة إنسانية أو وقف موقت للقتال من الجانبين فكيف تبدأ وتنتهي؟

ترتيبات وإصرار

حددت وزارة التربية والتعليم فترة الاختبارات المؤهلة لدخول الجامعات اعتباراً من الـ28 من ديسمبر الجاري وحتى التاسع من يناير (كانون الثاني) 2025 وسط مخاوف وقلق الطلاب بمناطق سيطرة "الدعم السريع" من صعوبة وخطورة أوضاعهم وكيفية تأمين وصولهم إلى مراكز الاختبارات في ظل غياب ممرات آمنة.

من جهتها أكدت الوزارة اكتمال جميع الترتيبات اللازمة لإجراء الاختبارات بمشاركة أكثر من 75 في المئة من الطلاب المسجلين قبل اندلاع الحرب، موزعين على مئات المراكز بالمناطق والولايات الآمنة، إلى جانب 46 مركزاً بـ15 دولة يوجد بها لاجئون سودانيون، مما يرجح انحصار جلوس الطلاب الموجودين في مناطق سيطرة الجيش للاختبارات من دون غيرهم من الطلاب الآخرين.

وفي إطار التحضيرات الجارية تفقد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار إير الترتيبات والاستعدادات للاختبارات، مؤكداً إجراءها في الموعد المحدد، ساخراً من مزاعم تسببها في تقسيم البلاد، ومشدداً على ضرورة أن يؤدي الطلاب اختباراتهم هذا العام بسبب تراكم الدفعات.

آخر الاستعدادات

وكان عقار قد اتهم في محفل آخر السلطات التشادية بحرمان نحو 13 ألف طالب سوداني مقيمين في مدينة أبشي من الجلوس لاختبارات الشهادة السودانية، وهو ما عده تأكيداً على تورطها في الحرب.

في آخر الاستعدادات عقدت غرفة طوارئ الاختبارات برئاسة وزير الداخلية المكلف خليل باشا سايرين الإثنين الـ16 من ديسمبر اجتماعاً للوقوف على المراحل النهائية لانعقاد الاختبارات في موعدها المحدد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح وزير التربية والتعليم المكلف أحمد الخليفة أن الترتيبات تسير وفق ما خطط له، مشيراً إلى أن اختبارات الطلاب الذين لم يتمكنوا من الجلوس خلال هذه الفترة بسبب الميليشيات المتمردة ستكون في مارس (آذار) العام المقبل بالنسبة لدفعة عام 2024 تحقيقاً للعدالة، وأن حقوقهم ستكون محفوظة ولن تضيع.

رفض واتهامات

في المقابل أعلنت قوات "الدعم السريع" رفضها القاطع لإجراء الاختبارات في الموعد الذي حددته الحكومة، معتبرة أن عقد الاختبارات في مناطق بعينها دون سائر الولايات الأخرى غير مسبوق في تاريخ السودان، ويندرج ضمن سياسة تهدف لتكريس تقسيم البلاد، كما يكشف عن حجم التآمر وعدم الاكتراث لمستقبل مئات الآلاف من الطلاب في مختلف مناطق السودان.

أضافت في بيان للناطق الرسمي، "على رغم الانتقادات والمحاذير من قبل الجهات التربوية المتخصصة بشؤون التعليم وعلى رأسها لجنة المعلمين السودانيين، فإن السلطة اختارت التلاعب بمصائر الطلاب إمعاناً في نهج التمييز السلبي وتشجيع حالة الانقسام المجتمعي وسط الشعب السوداني".

وكانت وزارة التربية والتعليم شددت على إجراء اختبارات الشهادة السودانية (دفعة 2023) المؤجلة في موعدها المحدد على أن تعقبها بعد ثلاثة أشهر اختبارات (دفعة 2024) المؤجلة، وتشمل الطلاب والطالبات الذين لم يتمكنوا من الجلوس للاختبارات السابقة.

تحذيرات ومخاوف

من جانبها حذرت لجنة المعلمين السودانيين من أن إجراء الاختبارات في الموعد المحدد سيؤدي إلى حرمان أكثر من 750 ألف طالب يمثلون نسبة 60 في المئة من إجمالي الطلاب المستوفين لشروط الاختبار.

حملت اللجنة السلطات الحكومية مسؤولية المضي قدماً في تنظيم الاختبارات قبل الإجابة عن سؤال إيقاف الحرب، وجلوس جميع الطلاب للاختبارات، معربة عن مخاوفها من أن يتحول التعليم إلى مدخل لتقسيم البلاد بين فئات لم تصل إلى التعليم وأخرى مستمرة في العملية التعليمية.

 

مع اقتراب موعد الاختبارات أصدرت اللجنة ما سمته "النداء الأخير" أكدت فيه وقوفها مع استمرار العملية التعليمية، لكن وفقاً لشروط ومطلوباًت من الواجب توفرها تفادياً لنتيجة كارثية، على رأسها وقف لإطلاق النار أثناء الاختبارات، وفتح المسارات الآمنة لوصول الطلاب والطالبات والمعلمين للمراكز المحددة، مع ضمان وصول أوراق الاختبارات من وإلى مراكز التصحيح والتجميع، مناشدة منظمات الأمم المتحدة المهتمة التواصل مع الأطراف للوفاء بتلك المطالب.

خارج المظلة

بحسب لجنة المعلمين فإن عدداً كبيراً من الولايات خارج المظلة ولن تشملها الاختبارات هي ولايات دارفور الخمس، وثلاث من ولايات كردفان وأجزاء من الخرطوم والجزيرة ونهر النيل وسنار النيل الأبيض والنيل الأزرق.

ضمن سلسلة التحذيرات والمخاوف حذر رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عبدالله حمدوك من تفاقم الانقسام العرقي والمجتمعي الحاد الذي تعيشه البلاد وتحوله إلى انقسامات إدارية وجغرافية، بخاصة مع بدء تنفيذ خطوات تغيير العملة وإجراء اختبارات الشهادة السودانية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

وجه حمدوك رسالة إلى كل من الفريق البرهان وحميدتي أن "لا تكونوا سبباً في انقسام البلاد من جديد، وأن توقفوا هذه الفتنة، أو تتحملوا الوزر التاريخي لهذه الكارثة".

على نحو متصل قالت هيئة محامي الطوارئ إن تنظيم الاختبارات في هذه الظروف سيترتب عليه حرمان الطلاب في مناطق واسعة متأثرة بالحرب إلى جانب الموجودين في مناطق النزاع ومعسكرات النزوح واللجوء من الجلوس للاختبارات وحقهم في التعليم.

طالب بيان للهيئة باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية حقوق الطلاب بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان واعتماد حلول تراعي الظروف التي تحول دون قدرة الطلاب على الوصول إلى مراكز الاختبارات، وتخلق واقعاً يعمق الفجوة في فرص التعليم ويكرس لانعدام العدالة.

تباعاً طالبت هيئة محامي دارفور "الدعم السريع" بالسماح للطلاب بالسفر إلى الأماكن المقررة للطلاب لأداء الاختبارات في مراكز الاختبارات خارج المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما طالبت الجيش بعدم استهداف الطلاب عند الخروج من مناطقهم والعودة إليها.

هواجس الأسر

في الأثناء يعيش أولياء أمور الطلاب بعديد من المدن والقرى التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع"، في خوف وقلق من أخطار إرسال أبنائهم عبر الأفواج المقترحة إلى المدن المحددة كمراكز للاختبارات، مع انتشار نقاط الارتكاز التي ينصبها كل طرف على مداخل تلك المناطق، بخاصة بعد الأنباء المتواترة عن حوادث اعتراض واعتقال تعرض لها بعض الطلاب أثناء انتقالهم في تلك النقاط.

من جانب آخر اعتبر مسؤول الإعلام بوزارة التربية والتعليم عبدالرحمن النجومي أن هناك حملة منظمة وممنهجة تستهدف قيام اختبارات الشهادة السودانية في موعدها المحدد، مبيناً أن انعقاد الاختبار شكل تحدياً كبيراً قبلته الدولة في ظل هذه الظروف بوصفه جزءاً لا يتجزأ من معركة الكرامة، لأن أي تأجيل أو عرقلة لها سيعني ضياع مستقبل الدفعات الحالية والتالية من الطلاب، فضلاً عن أن الاختبارات تمثل أحد ممسكات الوحدة الوطنية بالبلاد.

 

أوضح النجومي أن غالب طلاب ولايات دارفور نزحوا إلى مناطق آمنة وسجلوا للاختبار خلال فترة الأربعة أشهر الماضية، سواء في الولاية الشمالية وولاية النيل الأبيض وكل الولايات الآمنة التي تفرقوا بها، كما أن طلاب ولايات الجزيرة والخرطوم وسنار تم حصرهم في الولايات الآمنة، وسجل بعضهم بمراكز خارجية بدول الجوار بخاصة تشاد.

هاجم مسؤول الإعلام الإدارة المدنية التابعة لقوات "الدعم السريع" بولاية وسط دارفور لمنعها طلاب الولاية من السفر لإداء الاختبار بالولاية الشمالية، متسائلاً "إذ كان الحرص على الطلاب هو الدافع فلماذا تمنع سفر الطلاب ولا تسهل لهم الذهاب إلى مناطق الاختبار".

جزئية وباهظة

في السياق أوضح التربوي ووزير التعليم السابق الأمين عبدالقادر أن اختبارات الشهادة الثانوية (القومية) كانت في أوقات سابقة أحد ممسكات الوحدة الوطنية كونها تجمع بين كل أبناء البلاد في مرحلة عمرية معينة بالداخل والخارج. ويشير عبدالقادر إلى أنه على رغم أن الاختبارات قد باتت أمراً واقعاً لا مفر منه، فإن عديداً من الأخطار والمخاوف ما زالت تحيط بمصيرها كونها ستكون جزئية وباهظة الكلف بخاصة في جانب تأمين مطلوبات الطلاب والاختبارات نفسها.

يرى الوزير السابق إصرار وزارة التربية والتعليم على إقامة الاختبارات بإيعاز من القيادة العليا في مثل هذا الوضع الاستثنائي هدفه تفادي الحرج والمضاعفات السياسية والأكاديمية والاجتماعية المترتبة على عدم إجرائها، وظهور السلطات كعاجزة عن التحكم في مواصلة العملية التعليمية التي ستنتهي بالبلاد كدولة فاشلة، إلى جانب الآثار الاجتماعية المتمثلة في زيادة الفاقد التربوي وارتفاع مؤشرات التخلف. ويتابع، "الحرص الرسمي على عقد الاختبارات من دون الانتباه للتعقيدات الناجمة عن واقع الحرب، قد ينتهي بإكمالها ولو بصورة شكلية، إذ يبدو من الصعب في مثل هذه الظروف عقد اختبارات جادة، لأن المناطق الآمنة نفسها التي ستحتضن الاختبارات تضم نازحين ومشردين وينتفي فيها الأمن الغذائي والنفسي للطلاب، ومن غير المستبعد أن تكون الاختبارات مبسطة وسهلة أو قد يتم التدخل لتحسين النتائج تماشياً مع الوضع والظروف المحيطة بها، لكن ذلك قد يتسبب مستقبلاً في ظهور جيل غير ناضج من المتعلمين".

يلفت عبدالقادر إلى أن الظروف الراهنة تعيد إلى الأذهان مخاوف تكرار سوابق كشف الاختبارات أو حرقها بسبب تعقيدات التأمين، متوقعاً أن تكون هناك تضحية بنحو 50 في المئة من إجمالي العدد المفترض جلوسه للاختبارات.

وقبل أسابيع من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي تعطل العام الدراسي ولم يتمكن أكثر من 570 ألف طالب من الجلوس لاختبارات الشهادة الثانوية حتى الآن، وترادفت معها دفعة طلاب السنة التالية 2024 الذين تقرر أن يؤدوا بدورهم اختباراتهم في مارس العام المقبل إلى جانب المتخلفين عن أداء الاختبارات الحالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير