Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتهاكات الجزيرة تحاصر "الدعم السريع" وتوالي الإدانات يربك المواقف

قرى تنتحب في صمت... نهب واغتصاب وسط عتمة الاتصالات

اجتاحت قوات الدعم السريع أكثر من 112 قرية من قرى الجزيرة حتى الآن (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

هل فاقم اجتياح قرى الجزيرة السودانية خسائر قوات "الدعم السريع" السياسية؟

ما زالت قرى ولاية الجزيرة السودانية تعيش وضعاً مأسوياً من عنف ورعب ونهب وتشريد لم تختبره منذ نشأتها قبل 100 عام، قرى صغيرة تتوزع وسط مشروع الجزيرة الزراعي بسكانها من المزارعين، ما زالت تنتحب في صمت وتعيش أسوأ كوابيسها وسط عتمة انقطاع الاتصالات.

ووصل عدد القرى المقتحمة حتى الآن بحسب رصد منظمة "أطباء حول العالم" للوضع الإنساني بولاية الجزيرة، نحو 112 قرية، فقد سكانها أموالهم ومخزوناتهم من المحاصيل والمواد الاستهلاكية ونهبت جميع السيارات فيها، وتجاوز عدد الوفيات 167 شخصاً بينهم 6 أطفال، إلى جانب نحو 1800 إصابة متفاوتة و53 مفقوداً، وسبعة حالات اغتصاب وفق المنظمة.

وأثارت فداحة الانتهاكات والجرائم المفزعة في الجزيرة غضب وإدانات من جانب عديد من القوى السياسية على رأسها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وعدد من الأحزاب المنضوية تحت مظلتها، ضمنها قيادات بارزة كانت متهمة في ما سبق بمولاتها لقوات "الدعم السريع"، وتوالت بيانات الإدانة كذلك من كيانات مهنية ومجتمعية عدة وسط تساؤلات عن جدوى إعلان أديس أبابا الموقع بين تنسيقية "تقدم" وقائد "الدعم السريع" وما تضمنه في شأن حماية المدنيين.


حرب رسائل

وأشعلت الأوضاع المرعبة بقرى الجزيرة "حرب رسائل" بين القيادي بتنسيقية "تقدم"، رئيس "حركة تحرير السودان- التيار الثوري"، ياسر عرمان، ومستشار قائد "الدعم السريع"، يوسف عزت، بعدما وجه الأول رسالة إلى الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) عبر حسابه بمنصة "إكس" قال فيها، "الآن تقوم قوات الدعم السريع بقتل مواطني الجزيرة الأبرياء ونهب القرى والمدن، تلك القرى التي لا يمتلك معظم أهلها مسدساً"، طالباً منه "إدانة ووقف ما يجري في الجزيرة من جرائم"، وتوجيه رسالة لقواته بذلك وتطمين أهل الجزيرة، و"إنهاء هذا الوضع المأسوي في كل أنحاء السودان، وتطوير وسائل حماية داخلية وإخراج المسلحين من القرى وأحياء المدن قبل شهر رمضان".

لكن يوسف عزت، مستشار قائد "الدعم السريع"، رد على عرمان مستنكراً بث رسالته على الملأ وعنونتها بـ"أوقفوا القتل"، معتبراً أنها "تنطوي على تحامل واضح على قوات الدعم السريع"، مضيفاً، "إذا رجع عرمان اليوم فكل قوة حماية المدنيين تحت إمرته، كونه يعرف الجزيرة ودروبها".

ولمح مستشار حميدتي إلى "معلومات في شأن عبور مجموعات من اللصوص من مناطق سيطرة الفلول (الجيش) من ولايات أخرى، بعد احتواء الانفلات الذي حدث في الولاية، لكن الفلول قطعوا شبكة الاتصالات، فظهرت جرائم وصلت حد القتل في بعض القرى".

"تقدم" تدين

وفي أول موقف علني رسمي لتنسيقية "تقدم"، اعتبر القيادي بالتنسيقية محمد عربي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "ما حدث بولاية الجزيرة يشكل انتهاكاً صارخاً واعتداء على حق المدنيين في الحماية يستحق الشجب والإدانة والاستنكار، غير أنه من السابق لأوانه اعتبار هذا الأمر خرقاً لإعلان أديس أبابا، لأن ذلك يتطلب إجراءات لم تتوفر حتى الآن". وأضاف القيادي، "مهما يكن من أمر نعتقد أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن حماية المدنيين في مناطق سيطرتها وعليها بذل مزيد من الجهد من أجل الوفاء بهذا الالتزام".

ولفت عربي إلى أنه "ومن منطلق أولوية المسائل الإنسانية وحماية المدنيين لدى التنسيقية في إطار جهودها لوقف الحرب، فإنها تصدرت إعلان أديس أبابا الموقع بينها والدعم السريع. وتدرك التنسيقية قيمة الالتزام من جانب أحد الأطراف بحماية المدنيين، وندرك أيضاً طبيعة البيئة العدائية التي يتحرك فيها هذا المفهوم".

عقاب جماعي

على نحو متصل اتهم "تحالف أبناء الجزيرة والمناقل"، قوات "الدعم السريع" بارتكاب "جرائم اغتصاب وجرائم ضد الإنسانية بالجزيرة". ووصف "مرصد الجزيرة الحقوقي"، ما تقوم به "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة بأنه "كارثة حقيقية وعقاب جماعي، وعنف غريب، بقتل الأبرياء وتشريدهم".

وأصدر المرصد، تقريراً مفصلاً مفتوحاً للتحديث اليومي عن الانتهاكات يتضمن أسماء القرى وعدد القتلى والجرحى في كل منها، مع ترجيح تهجير ونزوح أعداد كبيرة جداً في ظل شح المعلومات وانقطاع الاتصالات والإنترنت وصعوبة الحصر الدقيق. وتتميز ولاية الجزيرة بموقع استراتيجي يربط الخرطوم التي تبعد عنها 186 كيلومتراً ببقية ولايات البلاد، وبثقل سكاني واقتصادي يجعلها الثانية بعد الخرطوم، كما تضم أكبر مشروع زراعي مروي في أفريقيا يناهز عمره 98 عاماً وأكبر منتج لمحصول القطن، وكانت ملاذاً يستضيف أكثر من نصف مليون نازح من العاصمة.


توالي الإدانات

بدوره دان "حزب الأمة القومي"، استمرار قوات "الدعم السريع" في "اقتحام قرى الجزيرة وترويع سكانها وتشريدهم من دون أي مبرر"، محملاً تلك القوات "كامل المسؤولية عن الانتهاكات في حق المواطنين العزل"، محذراً من أن يقود "استمرار الانتهاكات إلى ازدياد حدة الصراع والانزلاق نحو حرب أهلية".

كما أعرب المكتب القيادي للتجمع الاتحادي الديمقراطي، عن بالغ قلقه حيال "رد الفعل الضعيف للقوى المدنية تجاه الانتهاكات الجسيمة لقوات الدعم السريع، لا سيما ما جرى في ولاية الجزيرة".

وصف بيان للتجمع، "استمرار الميليشيات في ترويع وقتل المواطنين العزل في قرى الجزيرة ومقتل العشرات وجرح الآلاف وتشريدهم من قراهم، بأنه جريمة متكاملة الأركان وعمل ممنهج لإفراغ الجزيرة من سكانها، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي".

من جانبها قالت "هيئة شؤون الأنصار"، الجناح الديني لحزب الأمة القومي، إن "العودة الجزئية لشبكة الاتصالات في بعض المناطق كشفت عن استباحة كاملة لقرى ولاية الجزيرة بواسطة ميليشيات الدعم السريع، تمارس فيها عدواناً بشعاً على الرجال والنساء والأطفال والممتلكات، لم تسلم منه حتى تجمعات العزاء".

وحملت الهيئة، قوات "الدعم السريع" المسؤولية كاملة عما يحدث من "فظائع في قرى الجزيرة بوصفها المسيطرة وعليها تقع مسؤولية حماية المواطنين، ولا جدوى من التحجج بمتفلتين أو مندسين"، مطالبة "قيادة الدعم السريع بإخراج قواتها من الولاية وإعادة المنهوبات لأهلها ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم البشعة".

استفهامات باقية

على الصعيد ذاته أوضح الباحث السياسي، ضرار فتحي، أنه "بات واضحاً أن قوات الدعم السريع المسيطرة على ولاية الجزيرة تعمل لمصالحها الشخصية في نهب الثروات وإشباع الشهوات بعيداً مما تقوله أو تأمر به قيادتها، كأنها قوات خارجة عن السيطرة، لا تكترث لنداءات وتوجيهات قيادتها العليا، ولا مجال أمام الوقائع الحية والشهود للادعاء بأن ما يحدث هو مجرد تفلتات أو من فعل طرف ثالث".

وأشار فتحي إلى أن "خسائر الدعم السريع الأخلاقية والسياسية تضاعفت بتعميق الكراهية الشعبية العارمة له وفقدانه لأدنى تعاطف حتى ممن كانوا يتهمون بالتحالف معه، كون تلك الانتهاكات شملت قرى ليس فيها جيش ولا حتى أقسام للشرطة، وتشريد المزارعين تزامناً مع موسم الحصاد، في ظل وضع الغذائي متدهور ومهدد بالمجاعة ليس للجزيرة فحسب بل لكل البلاد".

ولفت المتحدث ذاته إلى أن "ثمة استفهامات لا تزال عالقة بكيفية سقوط مدينة ود مدني عاصمة الولاية، في ظل عدم إعلان نتائج التحقيق الذي فتحه الجيش في ملابسات انسحاب الفرقة الأولى مشاة من المدينة، مما يعزز الاعتقاد السائد لدى كثيرين من أهالي الولاية بأنهم كانوا كبش فداء لتحرير الخرطوم باستدراج قوات الدعم السريع خارجها بحسابات ثبت خطأها وخطلها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مجرمون من الفلول

في المقابل طرحت قوات "الدعم السريع" رواية أخرى حول الانتهاكات، تشير فيها إلى دخول مجرمين إلى المنطقة وممارسة عمليات نهب وترويع للسكان. وأكدت أنه يجري التحري لمعرفة هويات ودوافع المجرمين من وراء تلك العمليات الممنهجة ضد المدنيين.

وكشفت قوات "الدعم السريع" في بيان، على موقعها بمنصة "إكس"، عن تلقيها بلاغاً بدخول مجموعات إجرامية إلى منطقة "كترة" الواقعة جنوب أبو قوته بولاية الجزيرة، دخلت معها في مواجهات مسلحة أسفرت عن مقتل 20 من المجرمين وضابط وفردين من قواتها.

وأكد الناطق الرسمي باسم "الدعم السريع"، وجود "مشاهد موثقة وأدلة دامغة على تورط قوات تابعة للفلول النظام المباد ترتدي زي الدعم السريع ظهرت في ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف، ضالعة في ارتكاب معظم الجرائم الخطرة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة وفق مخطط وأجندة معلومة".

معارك مستمرة

في الأثناء تستمر المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بولاية الجزيرة ويحتدم الصراع حول مدينة ود مدني، فبينما قالت قوات "الدعم" إنها بسطت كامل سيطرتها على بلدة (المدينة عرب) وتستعد لتحرير مدينة المناقل من قبضة الفلول، يقول الجيش إنه بدأ بشكل فعلي عملياته العسكرية لتحرير مدن وقرى ولاية الجزيرة من أيدي الميليشيات عبر عدة محاور ميدانية.

وأوضحت مصادر عسكرية أن الجيش تمكن من تحرير مصنع سكر سنار، الواقع على بعد 30 كيلومتراً شمال غربي مدينة سنار، بينما تدور مواجهات واشتباكات في محيط قرى المناقل غرب الولاية وسط تحشيد من قبل قوات "الدعم السريع" بهدف وقف تقدم الجيش نحو مدينة ود مدني.


شاهد عيان

في هذا الوقت يتواصل على الأرض مسلسل النهب والانتهاكات على قرى وبلدات الجزيرة وسط حالة من الفزع والنزوح من عمليات القتل والسلب والنهب والاغتصاب. وجاء في بيان صادر عن مواطني قرية ود الجمل غرب مدينة الحصاحيصا، أحدث القرى التي جرت مداهمتها، أن الميليشيات هاجمت القرية وقتلت أربعة شبان وتسببت بجرح 11 آخرين خلال تصدى السكان العزل لها بهتافات الرفض.
ووصف شاهد وصل حديثاً مدينة كسلا (شرق السودان) فاراً من منطقة أبوعشر بشمال الجزيرة، الأوضاع في ولاية الجزيرة بأنها تمثل "نكبة كبيرة واستباحة كاملة بشكل يفوق التصور، وأن معظم المدن والبلدات والقرى وعلى رأسها مدينة الحصاحيصا أصبحت خاوية على عروشها بلا حياة ولا يوجد فيها سوى قوات الدعم السريع وبعض قطاع الطرق"، مضيفاً، "لقد تعرض معظم الرجال في تلك المناطق لحملات تأديبية بالضرب بالسياط والعصي. لم يعتقوا صغيراً أو كبيراً أو امرأة، وأفقروا الجميع بنهب كل الممتلكات والعربات بقوة السلاح".

رحلة مرعبة

ووصل الشاهد بعد رحلة مثيرة مشوبة بالقلق والخوف في حافلة مستأجرة ضمت ست أسر (39 شخصاً)، تعرضت للتوقيف والتفتيش في 21 نقطة ارتكاز من قوات "الدعم السريع"، في كل واحدة منها يدفع السائق "إتاوة" عن أفرادها نظير العبور. ويتعرض الركاب للاستجواب والاستفزاز، كان آخرها في منطقة الخياري، لتبدأ بعدها نقاط سيطرة الجيش حتى منطقة الفاو.

وروى المتحدث ذاته تجربته الشخصية قبل مغادرته لبلدته أبوعشر، فقال إن "الخنادق والمتاريس التي نصبت حول البلدة، لم تمنع أفراد قوات الدعم السريع بعرباتهم المدججة بالمدافع، من اقتحام البلدة ونهب 43 من عربات المواطنين، تحت تهديد السلاح، ثم دخلوا بيتي ونهبوه وحطموا كل شيء، وقتلوا 3 من الشباب على المتاريس وما زالت المنطقة محاصرة تماماً".

وبعد ثمانية أشهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بولاية الخرطوم منتصف أبريل (نيسان) الماضي، سيطرت الأخيرة على مدينة ود مدني عاصمة الولاية في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وتوغلت بعدها بشكل مخيف داخل قرى الولاية.

المزيد من متابعات