ملخص
في مركز للتسوق بالعاصمة الليبية طرابلس، يكتفي بعض الزبائن بالنظر إلى أصناف اللحوم من دون شرائها بسبب ثمنها الباهظ... "الوضع مزري" وفق ما يقول المحلل الاقتصادي أبو بكر الطور
في مركز للتسوق وسط العاصمة الليبية طرابلس، يقارن بعض الزبائن أسعار الزيت النباتي والمعجنات، بينما يكتفي آخرون بالنظر إلى أصناف اللحوم من دون شرائها، بسبب ثمنها الباهظ في بلد انهارت فيه القدرة الشرائية للمواطنين إثر انخفاض قيمة العملة وتأخر الرواتب على رغم عائدات ثروته النفطية.
وقال المحلل الاقتصادي أبو بكر الطور، "تمر على ليبيا أيام وفترة زمنية حرجة من خلال ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الصرف، مما أثر كثيراً في مدخرات المواطن الذي لا يستطيع أحياناً شراء حاجاته الأساس، خصوصاً أننا على أبواب شهر رمضان".
وأضاف، "في الحقيقة يعتبر الوضع مزرياً بالنسبة إلى إمكانات المواطن من جميع الطبقات".
ولم تعد السلال ممتلئة كما كانت عليه قبل بضعة أشهر بعد أن بدأت العائلات تحد من إنفاقها على رغم اقتراب شهر رمضان الذي يبدأ مطلع الأسبوع المقبل، ويشهد عادة ارتفاعاً في الاستهلاك والحركة التجارية.
فوضى وحكومتان
ويعود السبب الرئيس لانخفاض القدرة الشرائية إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة بكثافة إلى ليبيا بسبب انخفاض قيمة الدينار الليبي من خمسة دنانير لكل دولار في السوق الموازية إلى 7.5 دينار للدولار الواحد (رسمياً 4.8 دينار).
وتكافح ليبيا للتعافي من الفوضى التي سببها سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 في أعقاب ثورة شعبية مدعومة من حلف شمال الأطلسي، فيما البلاد منقسمة بين معسكرين متنافسين يتمركزان غرباً في طرابلس وشرقاً في بنغازي، مع حكومتين متوازيتين.
وأكد رئيس الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة عبدالحميد الدبيبة خلال اجتماع وزاري، "نحن نتشارك مع الليبيين قلقهم، وهذا القلق الذي نعيشه معهم ونسعى جاهدين إلى إزالة آثاره يتمثل في ارتفاع سعر الصرف والدولار في السوق الموازية وغلاء المعيشة وزيادة الأسعار التي تسببت فيها المضاربة في السوق، واستغلال حاجات الناس مع قرب حلول الشهر الكريم".
قرارات "المركزي"
وفي الواقع يعود انخفاض قيمة الدينار في السوق الموازية ونقص السيولة في البنوك إلى حد كبير لقرارات مصرف ليبيا المركزي، بحسب خبراء، إذ يفرض قيوداً على فتح الاعتمادات لغرض الاستيراد (الوسيلة القانونية الوحيدة للمستورد الراغب في شراء و تحويل العملة الصعبة خارج البلاد)، وهذا يقتصر على استيراد الأدوية والمواد الغذائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدفع هذا الوضع مستوردي المنتجات الأخرى مثل السيارات والمعدات والملابس مثلاً إلى التوجه إلى السوق الموازية للحصول على العملة الأجنبية.
وخفض البنك المركزي أيضاً بشكل حاد سقف شراء العملات الأجنبية بالسعر الرسمي من 10 آلاف دولار إلى 4 آلاف دولار للشخص الواحد سنوياً.
كما تراجعت القدرة الشرائية للعائلات أيضاً بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية الأساس مثل المعكرونة والرز والسكر والدقيق التي كانت مدعومة إلى حد كبير في السابق، وأصبحت اليوم رهينة لمستوى الدولار في السوق الموازية.
إيرادات ونفقات الدولة
وتمتلك ليبيا أكبر احتياط نفطي على مستوى القارة، وتبلغ عائداتها الصافية حوالى 20 مليار دولار سنوياً من صادرات النفط والغاز، تمثل حوالى 95 في المئة من إيرادات الدولة.
ويخصص أكثر من نصف هذه الأموال لتمويل رواتب 2.3 مليون موظف في القطاع الحكومي في بلد يقطنه 7 ملايين نسمة بحسب البيانات الرسمية، ويجب أن تغطي بقية عائدات النفط أيضاً حاجات السلطتين التنفيذيتين المتوازيتين، بما في ذلك منطقة الشرق الخاضعة لسيطرة المشير خليفة حفتر.
وتأخر صرف رواتب ومعاشات المتقاعدين خلال الآونة الأخيرة لأشهر عدة، ويقول أحمد الورفلي (65 سنة)، إن "المتقاعدين بعامة يعانون، إذ انخفضت قيمة رواتبهم مقارنة بالفترة الماضية".
ويضيف بينما ينتظر زوجته التي تقوم بشراء بعض المستلزمات في مركز تجاري بالعاصمة طرابلس، "الموظف المتقاعد يعاني انتظار صرف راتبه التقاعدي وإمكان سحبه من المصرف، وهذا مصدر تعب وخصوصاً في الفترة الراهنة التي اشتد فيها الحال".
ويرى محمد الوحيشي (29 سنة) الذي يعمل لحسابه الخاص، "يقولون إن أسعار اللحوم والدواجن في متناول الجميع وهذا غير صحيح"، مضيفاً أن "المواطن الكادح ممن لديه دخل في حدود 700 دينار لا يستطيع أن يشتري إلا ما يكفي قوت يومه، وقريباً سنضطر إلى الاستغناء عن جميع أنواع اللحوم".