ملخص
أفاد عسكريون بأن الجيش الإسرائيلي يواجه اليوم أصعب فترات وجوده في القطاع منذ بداية حرب غزة حيث تنتشر قواته في مختلف أنحائه، بانتظار أوامر المؤسسة السياسية
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس الجمعة، لم يتوصل الكابينت الحربي الإسرائيلي وقادة الأجهزة الأمنية إلى تفاهمات حول سبل التعامل مع تقدم خطة القتال في غزة في حال لم يتم التوصل لأي اختراق لتفاهمات تسهم في استمرار مفاوضات صفقة أسرى حتى الإثنين، في وقت حذرت المؤسسة العسكرية من وضع القوات الإسرائيلية داخل أرض غزة من دون تلقيها قرارات واضحة لسير عملياتها والحظر الأميركي على أي عملية لمهاجمة رفح.
الشرخ الداخلي
الشرخ الداخلي في إسرائيل يتعمق وكلما تعرقلت مفاوضات صفقة الأسرى تزداد الخلافات الإسرائيلية، فالمعادلة التي تواصل عائلات الأسرى احتجاجاتها مفادها أن "كل تأخير لتنفيذ الصفقة يشكل خطراً أكبر على حياة الأسرى في غزة".
والمشاهد التي سيطرت على الشارع الإسرائيلي حيث عائلات الأسرى تضع نفسها داخل أقفاص من الحديد وسط شوارع مركزية في إسرائيل تضامناً مع احتجاز ذويهم واحتجاجاً على عدم التوصل إلى اتفاق تتيح الإفراج عن الأسرى قبل شهر رمضان، خشية أن تتحقق التهديدات والتقديرات باحتمال إشعال لهيب التصعيد الأمني خلال هذا الشهر انطلاقاً من مسجد الأقصى ليمتد إلى مختلف الساحات، بالتالي لا أفق لاحتمال استئناف مفاوضات الصفقة.
وأجرى الكابينت الحربي وبمشاركة رؤساء الأجهزة الأمنية جلسة تقييم، ليل الجمعة امتدت حتى ساعة متأخرة، رفضوا خلالها مطلب جهات أمنية مطلعة على سير المفاوضات تقديم تنازلات وإظهار ليونة في بعض الشروط الإسرائيلية في مقدمها السماح للسكان الغزيين بالعودة إلى شمال القطاع وزيادة المساعدات الإنسانية، كما شمل الطلب توسيع الوفد المفاوض إلى القاهرة.
وناقش الحضور لساعات تقارير أمنية وأخرى استخباراتية ومجمل جلسات المفاوضات في القاهرة، ورفضوا المطالب وقرروا الاجتماع، الأحد أو الإثنين، بانتظار تلقي اتصال من الوسطاء والاطلاع على إذا ما حدث أي تغيير على موقف "حماس" ووافقت على تنازلات.
وأكد المجتمعون أن إسرائيل لن تعارض مشاركة الوفد في أي جلسة مفاوضات تعقد خلال شهر رمضان، لكنهم لم يفصحوا عن خطواتهم في حال حسم الأمر بفشل المفاوضات، جراء عدم تقديم أي تنازلات من طرفي الصراع، "حماس" وإسرائيل.
رسالة السنوار
وبحسب تقرير إسرائيلي لتقييم الوضع، فإن متخذي القرار على قناعة بأنه في المرحلة الحالية، "حماس" غير معنية بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، وفي مقدمهم يحيى السنوار بعد أن تشددت الحركة في شروطها بالانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، إضافة إلى إطلاق سراح عدد أكبر من السجناء الأمنيين كجزء من الصفقة. وبحسب ما وصل للإسرائيليين من سير المفاوضات في القاهرة، فإن رسالة السنوار الأخيرة الموجهة إلى القيادة القطرية أنه ما من سبب للتسرع في إبرام صفقة المختطفين، وأنه يأمل في أن تؤدي العملية البرية الإسرائيلية في رفح خلال شهر رمضان إلى انتفاضة فلسطينية في إسرائيل والضفة الغربية. في أعقاب هذه الرسائل، تخشى إسرائيل أن يفضل السنوار التصعيد في شهر رمضان. واعتبر الإسرائيليون هذا الموقف هو الهدف الأسمى الثاني للسنوار بعد نجاح هجوم السابع من أكتوبر، وهو إيجاد تواصل بين جميع الساحات من الأقصى في القدس وحتى الضفة والجبهة الشمالية تجاه لبنان والجولان تجاه سوريا والحدود الشرقية تجاه الأردن إلى جانب فلسطينيي 48 بالتالي إشعال لهيب التصعيد الذي سينعكس على المنطقة برمتها، بحسب الإسرائيليين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجيش عالق من دون قرار
وإذا كان هذا الخلاف والصراع الداخلي بين متخذي القرار من سياسيين وأمنيين والجمهور الإسرائيلي فإن الصراع الأخطر يكمن بين الجيش والمؤسسة السياسية، فقد أوضح عسكريون أن الجيش الإسرائيلي يواجه اليوم أصعب فترات وجوده في القطاع منذ بداية حرب غزة حيث تنتشر القوات العسكرية في مختلف أنحاء القطاع، بانتظار أوامر من المؤسسة السياسية لتنفيذ ما عرضت عليه من خطط للقتال في غزة، وتحديداً حول رفح.
وأجمع أكثر من خبير عسكري ومسؤول أمني أن استمرار الوضع الحالي من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على وضعية الجيش الحالية ومن ثم سير القتال. وكتبت صحيفة "هآرتس"، "جنود إسرائيليون يقتلون ويصابون بتقطير يومي، وهذا يذكر كبار السن بيننا بالثمانينيات والتسعينيات في لبنان". وأضافت "يبدو الجيش كمن يبحث عن عمل موقت، بانتظار أوامر جديدة".
وتابعت الصحيفة أن "هناك من دعا أصحاب القرار إلى اتخاذ قرار حاسم وفوري. وصلنا إلى لحظة يتعين فيها الحسم، هل نترك حالياً المطاردة وراء صورة النصر وننهي بسرعة السيطرة على معسكرات الوسط ورفح قبل أن ينفد الصبر الأميركي؟ وفي هذه الأثناء، الصورة السائدة في العالم هي صورة جوع يستشري في القطاع أمام جمود إسرائيلي، سواء في المستوى العسكري أم السياسي، من دون سعي إلى تصميم مستقبل القطاع".
مقامرة تعيد إسرائيل إلى الوراء
تحذيرات عدة أيضاً من داخل الجيش الإسرائيلي وضباطه الذين يرون أن وضع الجيش الحالي في غزة يعكس ضعفاً غير مسبوق يجعل حركة "حماس" متعنتة في رأيها، في وقت يتزايد الخطر اليومي على الأسرى ويتعمق الشرخ الداخلي، مما ينعكس على سير المعارك وتقدمها.
وذهب الخبير العسكري الون بن ديفيد إلى أبعد من ذلك وحذر من السياسة الحالية لمتخذي القرار وانعكاس ذلك بشكل سلبي على مجمل وضع إسرائيل في هذه الحرب، وبرأيه فإن الزمن يلعب ضد إسرائيل، مضيفاً أن "القوات في الميدان تتآكل والمطاردة العقيمة حتى الآن لقيادتنا الأمنية وراء رأس السنوار تخرب على تحقيق الهدف الأعلى للحرب: تدمير القوة العسكرية والسلطوية لحماس".
وتأتي التحذيرات الإسرائيلية مع بداية الشهر السادس للحرب والوضع على حاله في الجنوب تجاه غزة، والشمال تجاه لبنان. ووصف بن ديفيد هذا الوضع بالـ"مقامر الذي يصر على وضع كل حجارته على رقم واحد في الدولاب فقط، غير أن كومة حجارة اللعب آخذة في التناقص – سواء بالذخيرة، أم بتآكل القوات وأساساً بالشرعية الدولية".
وحذر أكثر من مراقب إسرائيلي من أن التجربة تقول إنه مكان كل قيادي تغتاله إسرائيل يأتي بديلاً لا يقل قوة وتأثيراً مثله. ويقول بن ديفيد "إذا ما صفي السنوار، سيقوم له بديل، لكن إذا أنهينا الحرب بينما يكون لا يزال لواء كامل لحماس في رفح وكتيبتان في وسط القطاع، نكون قد خسرنا المعركة. يمكن أن نفهم حماسة القيادة الأمنية للوصول إلى قيادة حماس. للمسؤولين الكبار الذين وصموا بفشل 7 أكتوبر يمكن لهذا أن يكون صورة نهائية تتيح لهم الاعتزال بشرف، لكن هذه المطاردة بدأت تمس بالقدرة على تحقيق الهدف الأعلى للحرب: إبادة القوة العسكرية والسلطوية لحماس".
وتابع بن ديفيد محذراً "يمكن أن نفهم رغبة كبار رجالات الجيش والشاباك في جلب صورة نصر في شكل رأس السنوار، صورة تغطي بعضاً من إحساس الفشل الذريع من المذبحة وتتيح لهم الاعتزال مع إحساس بالإنجاز".