ملخص
اختفى في الأيام التي تسبق رمضان بولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان معظم الاستعدادات والطقوس الخاصة بشهر الصيام.
درج السودانيون الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بمجموعة من الطقوس والتجهيزات عبر الإعداد المبكر لمشروب "الحلو مر" أو ما يطلق عليه "الآبري الأحمر"، فضلاً عن إعادة ترتيب المنازل وشراء أوان جديدة ومستلزمات الشهر الكريم المرتبطة به السكر والذرة والقمح والدخن، وكذلك التمور والبصل، لكن كل ذلك تغير.
لكن الحرب التي اندلعت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 رسمت واقعاً جعل من الصعب استجابة معظم فئات الشعب السوداني لمتطلبات رمضان في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الضرورية، علاوة على عدم استقرار غالبية السكان الذين تقطعت بهم السبل بين نازحين ولاجئين داخل البلاد وخارجها.
الحلو مر
على غير العادة اختفى في الأيام التي تسبق رمضان، بولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، معظم الاستعدادات والطقوس الخاصة بهذا الشهر خصوصاً تجهيز "الحلو مر"، وهو مشروب رئيس على مائدة إفطار رمضان في السودان، إذ تحرص النسوة على صنعه بصورة جماعية منذ وقت مبكر وتفوح رائحته في الأحياء كافة وتبشر باقتراب شهر رمضان ولياليه ذات الطابع الخاص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يطلق على هذا المشروب "الحلو مر" لطعمه المميز الذي يجمع بين الحلاوة والمرارة ويوازن بينهما، لكن ظروف النزوح والمعيشة في ظل استمرار الحرب أدت إلى إحجام أسر عدة عن تجهيزه.
أوضاع صعبة
يأتي شهر رمضان الذي تتضاعف فيه موازنة الأسر، في ظل أوضاع معيشية في غاية السوء والتردي لمعظم السودانيين في داخل البلاد وخارجها.
تقول منال خضر، وهي ربة منزل بمنطقة الثورات في أم درمان، إن "أسراً عدة كانت تستقبل الشهر الكريم بكل جديد في مظهر البيت ومحتوياته، فضلاً عن إعداد مشروب (الحلو مر)، لكن للأسف الظروف الاقتصادية حرمت كثيراً من الناس التجهيزات المتعارف عليها، فضلاً عن عدم شراء الحاجات الأساسية من سكر وذرة وقمح وتمور وغيرها".
وأضافت خضر أن "غلاء الأسعار دفع كثراً إلى خيارات شراء مستلزمات محدودة للغاية بسبب نفاد المدخرات المالية وتوقف الأعمال اليومية وعدم صرف الرواتب لأكثر من 10 أشهر".
وتابعت المتحدثة "استمرار الحرب لفترة طويلة استنزف كل الموارد على قلتها، ومن ثم لا يملك المواطنون أموالاً إضافية لتحضير قوائم شهر رمضان الذي يشهد استهلاكاً متزايداً للسلع الغذائية".
طقوس مفقودة
لأول مرة يفتقد السودانيون النازحون داخل البلاد وخارجها موروثاتهم في رمضان، خصوصاً الخروج والإفطار في مجموعات بشوارع الأحياء، وكذلك الميادين والساحات تعزيزاً لروح وقيم التراحم والتكافل الاجتماعي، فضلاً عن صلاة التراويح ودروس القرآن الكريم في المساجد، إلى جانب الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية في أمسيات شارع النيل بالعاصمة الخرطوم.
مرتضى طه، الذي استقر مع أسرته في أوغندا قال إنه "لم يتوقع أن يأتي يوم ويقضي شهر رمضان خارج السودان وبعيداً من منزله في مدينة بحري، نظراً إلى التقاليد والطقوس المميزة مقارنة بالمجتمعات في دول الجوار".
وأضاف طه "سنفتقد الجيران والأقارب والضيوف العابرين الذين اعتدنا أن نكون معهم في الشهر الكريم، فضلاً عن المائدة الرمضانية السودانية والإفطار الجماعي في الشوارع".
وواصل بالقول "الحرب أجبرت آلاف المواطنين على النزوح وحرمتهم من قضاء شهر رمضان في بلادهم ووسط الأهل والأصدقاء، وهو أمر مؤسف ومحبط".
مبادرات طوعية
يحل شهر رمضان وانسياب المساعدات الإنسانية أصابه التعطيل، وإزاء هذا الوضع شرع عدد من المتطوعين بالسودان في توزيع "كرتونة رمضان" التي تحوي دقيقاً وسكراً وزيوتاً وتموراً وغيرها من المستلزمات.
المتطوع نادر الحسين قال إن "المبادرات تستهدف سكان ولاية الخرطوم والجزيرة والمواطنين الموجودين في مراكز إيواء النازحين بعدد من ولايات البلاد، بهدف تقديم العون بخاصة في ظل الظروف المعيشية والإنسانية الصعبة".
وأوضح الحسين أن "المتطوعين تلقوا دعماً مالياً كبيراً عقب الإعلان عن المبادرات في وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل المغتربين ونجوم الفن وكرة القدم بصورة كبيرة على رغم تفاقم الأوضاع".
من جانبه أشار المواطن صالح خليل إلى أن "أكثر ما يقلقهم الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونفاد المدخرات المالية، مما يزيد من معاناتهم وصعوبة توفر مستلزمات رمضان".
ولفت إلى أن "الدولة ركزت جهودها على الحرب ورفعت يدها عن كل شيء وتركت المواطنين يواجهون مصيرهم لوحدهم".
وأوضح خليل "عادة نتسوق قبل شهر رمضان بأسبوعين، لكنني عاجز في الوقت الحالي عن شراء كثير مما تحتاج إليه أسرتي، وسنكتفي بالحد الأدنى من المستلزمات".
أزمات اقتصادية
وفي هذا الصدد يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي يعقوب الفاضل إن "الحرب وما سببته من أزمات وأوضاع إنسانية معقدة وارتفاع لأسعار السلع الاستهلاكية، عوامل تجعل رمضان هذا العام أكثر تعاسة بالنسبة إلى السودانيين داخل وخارج البلاد".
ونوه بأن "توقف الأعمال اليومية وعدم صرف الرواتب أسهما في تدني مستوى المعيشة، فضلاً عن إفراز مشكلات اقتصادية واجتماعية".
ولفت المتخصص في الشأن الاقتصادي إلى أن "كثيراً من الأسر غير قادرة على تلبية حاجات شهر رمضان بفعل التداعيات السلبية للصراع المسلح وتزايد معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي".