Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب الخرطوم تجبر الأغنياء على حياة الريف

استقطبت الأقاليم مئات الأسر وأصحاب الأعمال التجارية الصغيرة الباحثين عن مشاريع عمل موقتة

أصبحت القرية هي الحصن الأول والملاذ الآمن للسودانيين (حسن حامد)

ملخص

أجبر الصراع المسلح مئات الأسر من الطبقات الغنية والفئات الأكثر رخاءً على مغادرة الخرطوم للعيش في ظل ظروف مختلفة بولايات سودانية ومناطق ريفية عدة

جرت العادة أن تشهد الأوساط الاجتماعية الفقيرة في السودان نزوحاً من الأرياف إلى الخرطوم للبحث عن حياة أفضل وآفاق أوسع للعمل، لكن اندلاع الحرب في العاصمة دفع الآلاف لهجرة عكسية إلى أقاليم البلاد المختلفة وأريافها هرباً من أوضاع أمنية معقدة في ظل دوي القذائف وطلقات الرصاص، إلى جانب الافتقار للخدمات الأساسية.

وأجبر الصراع المسلح مئات الأسر من الطبقات الغنية والفئات الأكثر رخاءً في المجتمع بخاصة الذين يقطنون الأحياء الراقية في الخرطوم على العيش في ظل ظروف مختلفة بولايات سودانية ومناطق ريفية عدة، على رغم اختلاف البيئة وتفاصيل الحياة اليومية، وتأقلم كثر من المتمدنين مع الواقع الجديد، فيما استعصت على آخرين عملية التكيف الاجتماعي.

تحول كبير

اختار آلاف السودانيين، خصوصاً المقتدرين اقتصادياً، وجهات نزوح جديدة في الجوار الأفريقي بحثاً عن ملاذات آمنة بينها مصر وأوغندا وكينيا وإثيوبيا، وفي المقابل فضل آخرون رحلة العودة للجذور في الأقاليم بدلاً من اللجوء إلى دول خارج البلاد.

وبات عديد المناطق الريفية الآمنة فضاء يستقطب مئات الأسر والمستثمرين من أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة الباحثين عن مشاريع عمل موقتة، فضلاً عن انصهار كثر من الآتين إلى الوجهات الجديدة مع السلوك الريفي والتعايش دون صعوبات بخاصة سكان أحياء راقية مثل المنشية والرياض والعمارات، وغيرها، في حين لم يتفاعل آخرون منهم مع نمط الحياة الجديد وتفاقمت معاناتهم، لكنهم باتوا مجبرين على البقاء وانتظار توقف الحرب من أجل العودة لمنازلهم في الخرطوم.

ارتباط وتكيف

المواطن طارق حسن طه تحدث لـ"اندبندنت عربية" قائلاً إن "الأيام الأولى للقتال أجبرته على النزوح إلى قريته في ولاية شمال كردفان غرب العاصمة، وأبناؤه يشعرون بدفء أكثر بعد أن تحرروا من قيود المدينة وإرهاقها على رغم أنهم كانوا يقطنون في ضاحية أركويت الراقية في الخرطوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه طه إلى أنه "بعد تفكير عميق قرر البقاء في الريف مع أسرته والاستقرار لحين انجلاء الأزمة وتوقف الصراع المسلح، علاوة على أهمية ارتباط أبنائه بالأقارب والمنطقة والتكيف مع حياة الأقاليم وتباين الظروف في البلاد".

وأوضح المواطن السوداني أن "القرية هي الحصن الأول والملاذ الآمن للفرد، بغض النظر عن محل إقامته ومكانته الاجتماعية".

صعوبة الاندماج

من جهتها، رأت ميادة عمر، وهي ربة منزل أن "إمكانية الاستغناء عن العيش في العاصمة الخرطوم غير ممكن، لاعتبارات عدة منها افتقار الولايات والمناطق الريفية للخدمات الأساس من صحة وتعليم وبرامج الترفيه". وأشارت إلى أن "أسرتها لم تستطع الاندماج مع مجتمع الأقاليم، وأحوالها المعيشية لم تكن جيدة هناك، علاوة على القيود وعدم وجود مدارس لتعليم الأطفال، من ثم تبقى الهجرة العكسية على الأرجح ظرفية أو موقتة، إذ سيظل الريف هو الطارد طالما ليست هناك مشاريع تنمية حقيقية، لذلك سيعود كثر من الناس إلى الخرطوم من جديد عقب توقف الحرب طلباً للعلاج والتعليم وفرص العمل". وتابعت "غالبية سكان الأحياء الراقية في العاصمة ليست لديهم خبرات في مجالات الزراعة أو الرعي، وكذلك المهن الهامشية، مما صعب من مهمة التكيف مع نمط الحياة الجديد".

خيار نموذجي

وصف الموظف بأحد البنوك في الخرطوم، ويدعي سامي الشيخ خيار النزوح إلى الولايات والأرياف بـ"النموذجي"، نظراً إلى التوفر كل سبل الراحة النفسية والحصول على دعم ومساندة كافية ممن حولهم في تلك المناطق". وأضاف أنه "عاش في حي المنشية الراقي بالعاصمة 15 عاماً، لكنه سئم ضجيج المدن وزحامها، بخاصة أنها لم تحقق له الاستقرار النفسي الذي وجده في قري ولاية نهر النيل شمال البلاد، وهذا الشعور بالانتماء دفعه إلى الاندماج في المجتمع وكون علاقات عميقة".

 

 

ويبرر الشيخ أفضلية العيش في الأقاليم والقرى لوجود بيئة صحية آمنة على صعيد الهواء النقي والأطعمة الطازجة وتعزيز العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن قلة كلفة المعيشة وانعدام كثر من المغريات، مما يتيح إمكانية توفر مدخرات مالية".

ميزات عدة

الباحثة الاجتماعية فدوى شعيب اعتبرت أن "العودة للريف والولايات السودانية حركة طبيعية وحتمية في زمن الحروب، لكنها بالنسبة إلى الأجيال الجديدة فهي مجرد تجربة حداثية أقرب إلى المغامرة، غير أن ما يرجح كفة على أخرى هو المقاربة التي يجريها بعضهم في ظل تفاوت الظروف المعيشية بين هذه المناطق وطبيعة الحياة في الخرطوم".

ورداً على سؤال عن الفوارق الطبقية وتأثير ذلك في الاندماج، قالت شعيب إن "عيش حياة بسيطة في القرى وضواحي المدن تجربة صعبة للغاية، لكنها في الوقت نفسه حلم هادئ لكثر من الطبقات الغنية التي سئمت نمط الحياة المتسارع والضوضاء، من ثم ترغب في الاستفادة من مزايا الريف، لا سيما الطبيعة الخلابة وسهولة الاندماج في المجتمع".

 

 

ونبهت الباحثة الاجتماعية إلى أن "مشكلات الصحة النفسية في الأقاليم والأرياف أقل بكثير مقارنة بالعاصمة الخرطوم، مما يخفف من معدلات الإصابة بالاكتئاب والقلق، بخاصة مع ظروف الحرب وتفاقم الأوضاع، علاوة على أن أرقام الجرائم منخفضة في القرى والولايات ويسهل رصد الأحداث والسلوكات الغريبة، وكذلك فإن الحركة المرورية غير المزدحمة تترك مجالاً أرحب للأطفال لممارسة اللعب دون خوف على سلامتهم وأمنهم".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات