1-
تقدّم النائب البرلماني السكندري (عادل عيد)، في مارس (آذار) من عام 1978، باستجواب في مجلس الشعب عن الفساد المستشري في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، متهماً الشيخ (متولي الشعراوي) وزير الأوقاف بالتهاون في مواجهة هذا الفساد.
وقف الشيخ (الشعراوي)، ليرد على اتهامات العضو البرلماني، نافياً وجود هذا الفساد في وزارته، بل ونافياً وجود أي فساد في أي وزارة بالحكومة، ومتحدياً إياه أن يأتي بأي دليل يؤكد صحة كلامه، ومُحذراً في الوقت نفسه من إلقاء التهم جزافاً، خصوصاً فيما يتعلق بشأن وزارته التي تُعد النموذج الأكثر شرفاً.
ودون مبررات منطقية، راح يدافع عن أداء الحكومة وعن الدولة وعن رئيس الدولة، كما راح يكيل المديح إلى الرئيس المؤمن (محمد أنور السادات)، واشتط في امتداحه لـ(السادات) شططاً بالغاً، حينما قال: "والذي نفسي بيده، لو كان لي من الأمر شيء، لحكمت لهذا الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسأل عما يفعل". هذا مما جاء في مقالة للكاتب السماح عبد الله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا التأليه للرئيس المؤمن (السادات)، واكب موجة الشيخ النجم (الشعراوي) في عصر دولة العلم والإيمان، واقتصاد الانفتاح، وشركات خدمات الأموال الإسلامية، حيث تبوأ الشيخ الإمام صفة نجم النجوم، لأنه حامل لكتاب الله ومفسره وشارحه، فالشيخ (متولي الشعراوي) بات في مقدمة نجوم التلفزيون الفاتك الناطق، منذ عام 1977، خصوصاً مع زيارة الرئيس المؤمن إسرائيل، بعد انتصاره في أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
نجومية الشيخ أطاحت نجوم الفن والرياضة، واحتلت الشاشة الفضية، واتخذت من "الكاسيت" وسيلة للانتشار، مع كتيبات جيب مضمونها تفاسير مبتسرة، وكتيبات أصغر، محمّلة بالأدعية، وسبل اتقاء الشيطان والنار، وغير ذلكم من ثقافية دينية، تعتمد فقه التهويل، والتبسيط الساذج.
الشيخ النجم سَلَعَ الدين، وجعل منه ما يشبه السندوتشات، والأدوية الروحية التي من الضروري تعاطيها نهار مساء، هذا الشيخ النجم كان ضلع المثلث، ما ضلعه الأول الرئيس المؤمن، والثاني شركات خدمات الأموال الإسلامية. وكان على هذا الشيخ كي يروّج لمثلثه أن يكون النجم، من يخوض المعارك في مطارح النجوم، من هنا خرجت الفتاوى البدعة، ومن تحجيب الفنانات، حتى فتاوى التكفير للتفكير، فالعنف، ثم الإرهاب، لقد وَلدَتْ هذه المرحلة المسخ: القاعدة/ داعش، أي أن الشيخ النجم المسلع للدين تحول إلى النجم/ الإرهابي.
2-
مسرحية من مسرحيات الستينيات، لم أعد أذكر مؤلفها، يخرج الغول من الفترينات في محلات السوق الاستهلاكية، في هاتيك المرحلة ثمة نجم شيخ كما مقرئ ومرتل للقرآن، لكن النبوءة تسوغ أن الغول يخرج من بطن الشاشة الفضية، فمن الشيخ النجم يكون الإرهابي النجم، حتى امتزج في فترة الشيخ القرضاوي بالشيخ بن لادن. أمَّا المال الأسود فقد تقلد العمامة والجبة، في البهاما، البنوك الإسلامية المنتشرة في الجزر البعيدة، وبدأ ذاك بالنجم، شركات الريان لتوظيف الأموال الإسلامية، قرين الذبح الحلال، ما اقترن بالأصولية والصحوة الإسلامية.
لقد سُكبت أنهار من الحبر في الغرب من جماعة فوبيا الإسلام، ودماء المسلمين من أجل الذود عن هذا الإسلام/ الصحوة المستهدف. وفي كل هذا كان وما زال الكاسب الأول والأخير، الشيخ النجم، من يروّج له في صحف إبراهيم وموسى وما شابه، ومن بدوره منذ زمن (الرئيس المؤمن)، "من يجب ألا يُسأل عما يَفعل"، يقوم بالمهمة على أكسب وجه، ويُبدل لذلك جبته، فيخرج من جلباب أبيه هذا، ليلبس جلباب زوج أمه ذاك.
الشيخ النجم ظاهرة استهلاكية، ما باتت من لزوم ما يلزم، لتروي عطش الناس، للسكينة، للأمن، ما صار اللا أمن الطريقة لاستحقاقهما. وبفضل هذا الشيخ النجم، عمّ الفساد والإرهاب، كسلعتين رائجتين في كل مكان وكل وقت، وبذا لا بد من ذا الشيخ النجم لمحاربتهما في الوقت نفسه، حتى حق فيه، ما نسب لـ(أبي نواس): "وداويني بالتي هي الداء".
3-
كان العقيد معمر القذافي، إمام المثابة الثورية الإسلامية العالمية، عام 1977، على عداء مع الرئيس المؤمن (محمد أنور السادات)، لكن التلفزيون الليبي يذيع حلقات دينية يقدمها (الشيخ متولي الشعراوي)، وتقوم الصحف الحكومية الوحيدة في البلاد، في حرب وطيس، لمناقشة ما جاء به يسعى هذا الشيخ النجم. حتى إن جمهور دولة القذافي الثورية يتابع حلقات (متولي)، كما مسلسل تلفزيوني لا نظير له، ثم يتابع الصحف، خصوصاً (الفجر الجديد)، ليقرأ التعليقات التي تتناول حلقات هذا المسلسل. فيما تجار أشرطة الكاسيت، ثم فيما بعد الفيديو، كانوا على نار في انتظار الحلقة الجديدة من ذلكم المسلسل، لتسجيلها ثم طبعها، فعرضها على عجل، للزبائن المتشوقين، لحفظ ما جاء به نجمهم المفضل.
وما زال ذاك الشيخ بطل الفيلم الطويل، الأوحد.