اتخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفاً سلبياً من خطة العمل المشتركة مع إيران، والحق أن هذا الموقف معلنٌ من قبل ترمب منذ كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية. موقف ترمب نابعٌ من كون الاتفاق لم يمنع أو يحجم تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة، بل إنها استمرت في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الذي صارت تنقله إلى بعض الجماعات التي لديها علاقة معها، كما تنبع تحفظات ترمب من قرب انتهاء موعد القيود على برنامج إيران النووي وفقاً للاتفاق، ومن ثم اعتبر أن تخفيف العقوبات لم يكن متناسباً مع القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني.
واتبعت الولايات المتحدة سياسة الضغط الأقصى لإجبار النظام الإيراني على الجلوس للمفاوضات بشروط جديدة، وفي المقابل منذ مايو (أيار) 2019، اتخذت إدارة ترمب خطوات إضافية ضد البرنامج النووي الإيراني، وبدأت إيران تتجاوز بعض الحدود المسموح بها لبرنامجها النووي، وهددت باتخاذ مزيد من الخطوات النووية في انتهاك لـJCPOA إذا لم يتم تلبية مطالبها بشأن الفوائد الاقتصادية للاتفاق، حيث تجاوزت إيران الحدود التي فرضها الاتفاق النووي على تخصيب اليورانيوم ومخزوناتها من اليورانيوم. وأعلنت طهران في مطلع الأسبوع أنها ستستخدم أجهزة الطرد المركزي المتقدمة المحظورة بموجب الاتفاقية. وكلها محاولات للضغط على الطرف الأوروبي لتخفيف العقوبات الأميركية.
وكان نتيجة لعدد من التصعيدات المتبادلة بين الطرفين في منطقة الخليج العربي، فإن وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي أشارا على ترمب بشن هجوم على إيران بعد إسقاط طائرة أميركية دون طيار، لكن ترمب تراجع لتجنّب عواقب المواجهة العسكرية، لكن استمر ترمب في اعتماد سياسة الضغط الاقتصادي الأقصى، لكن الطرف الأوروبي كان رهانه أنه إذا لم تهاجم الولايات المتحدة إيران، فإن البديل الوحيد هو التحدث إلى إيران.
لذا يبدو أن ترمب تجاوب مع المبادرة الفرنسية التي قام بها الرئيس ماكرون من أجل التفاوض مع إيران، وأظهر ترمب ميلاً إلى عقد لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، إذا تم الاتفاق على شروط تؤدي إلى اتفاق نووي جديد، وفي المقابل يشترط الإيرانيون رفع العقوبات الأميركية عنهم. فقد أكد وزير الخارجية الأميركي بومبيو أن الرئيس الأميركي قد يلتقي نظيره الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر. من هنا كان إعلان الرئيس الأميركي إقالته مستشار الأمن القومي المعروف بموقفه من إيران والمؤيد استخدام القوة والحرب في السياسة الأميركية، لكن لا يمكن القول إن قرار الإقالة جاء على خلفية الملف الإيراني فقط، حيث إن هناك العديد من الاختلافات في وجهات النظر بين الرئيس الأميركي ومستشاره للأمن القومي في مقاربتهما لحل ملفات السياسة الخارجية، مثل فنزويلا وروسيا وكوريا الشمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن الطرف الإيراني بدأ يتنفس الصعداء بعد إقالة جون بولتون، حيث حثّ الرئيس الإيراني الولايات المتحدة على تجنيب دعاة الحرب جانباً، وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية إن إقالة بولتون يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في اتخاذ موقف "أقل تحيزاً" تجاه طهران. واصفاً بولتون بأنه "رمز للسياسات الأميركية المتشددة والعداء تجاه إيران"، كما صرح رئيس مكتب الرئيس الإيراني محمود واعظي بأن طرد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون من البيت الأبيض "دليل على نهاية عهد التحريض على الحروب"، وأن الحكومة الأميركية بلغت نتيجة مفادها أن عهد التحريض على الحروب قد بلغ نهاية مطافه، ولو أرادت التعاطي مع العالم فإن السبيل الوحيد يتمثل بالعقلانية.
التصريحات الإيرانية توضح مدى ارتياح الجانب الإيراني لإقصاء جون بولتون من الإدارة الأميركية، واعتبارها مؤشراً على انفتاح ترمب والتمهيد للقاء روحاني على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهنا يثار التساؤل ما الأرضية المشتركة التي سينطلق منها الطرفان للحوار حال لقائهما؟
بداية، اعتبر ترمب أن هدفه هو منع إيران نووية، وأكد روحاني ذلك أن إيران لا تستهدف تطوير أسلحة نووية. والتخوف هنا أن يكون اللقاء والتفاهم الذي يبدو أن ترمب يسعى إلى تحقيقه قبل الانتخابات المقبلة يقتصر على فقط مد فترة انتهاء القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم عام 2025، وبالتالي يسوق ترمب الاتفاق الجديد، باعتباره نصراً لإدارته، وهنا سيتم التغاضي عن كثير من الملفات التي تسبب عدم استقرار بمنطقة الخليج والمرتبطة بسلوك إيران، هنا يجب على الطرف الخليجي عدم التوارى عن المشهد، وأن يكون حاضراً باعتبار أن أي ترتيبات تتعلق بإيران مع الولايات المتحدة تمتد آثارها الأمنية إليه، وهنا يجب أن يكون حاضراً بما يحقق مصالحه، وما يمثل تهديداً لاستقرار المنطقة.
في الشأن ذاته يجب استمرار الولايات المتحدة في اتباع أدوات أخرى حتى لو تم رفع العقوبات، ومنها استمرار الضغط على حلفاء إيران ومحاصرة نشاطاتهم الاقتصادية المعتمدة على شبكات التهريب، كما أنه يجب على إيران أن تدرك أن قبول الطرف الخليجي بإدماجها في أي ترتيبات بالمنطقة أمر حاسم، وأن إعادة بناء الثقة بينهما لن يكون هدفه استفادة إيران من التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، بل الأمر الحاسم في استمرار العلاقات هو استقرار وأمن المنطقة، والتخلي عن مزاعم الهيمنة.