ملخص
إن "المرضى العالقين بالعاصمة الخرطوم الذين لا يستطيعون النزوح من مكان لآخر بسبب الحرب واتساع رقعتها يعيشون واقعاً مؤلماً لجهة مواجهتهم الموت نتيجة تدهور الوضع الصحي ونفاد الأدوية"
لا تزال معاناة المواطنين السودانيين تتفاقم وتأخذ أبعاداً مروعة في شتى مناحي حياتهم منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بالعاصمة الخرطوم في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، وتمددها في جبهات ولائية كانت تعد ملاذاً آمناً للفارين من جحيم الاشتباكات المسلحة.
الأمراض المزمنة
وبات أصحاب الأمراض المزمنة العالقون في مناطق القتال مهددين بالموت بسبب انهيار المنظومة الصحية وخروج نحو 70 في المئة من المستشفيات عن الخدمة، إضافة إلى فقدان الأدوية المنقذة للحياة، نتيجة توقف 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية عن الإنتاج، فضلاً عن إيقاف وزارة الصحة بولاية الخرطوم صيدليات الدواء المجاني للذين ينضوون تحت مظلة التأمين الصحي، مما جعل المرضى يعانون الحصول على الدواء، فمن لم يمت بالطلقات الطائشة أو القذائف العشوائية، أصبح عرضة للموت بسبب انعدام الدواء.
المعاناة الإنسانية
هذه المعاناة الإنسانية شكلت عبئاً ثقيلاً على المرضى، بخاصة العاملين بالدولة، إلى جانب المعاشيين، بعد توقف استحقاقاتهم الشهرية ونفاد مدخراتهم المالية وصعوبة إجراء تحويلاتهم البنكية نتيجة ضعف شبكة الاتصالات والإنترنت بعد تعطلها من قبل طرفي الصراع.
قرار عشوائي
المواطن طارق الذاكي الذي يتلقى العلاج في أحد مستشفيات مدينة أم درمان قال إن "المرضى العالقين بالعاصمة الخرطوم، الذين لا يستطيعون النزوح من مكان لآخر بسبب الحرب واتساع رقعتها، يعيشون واقعاً مؤلماً لجهة مواجهتهم الموت نتيجة تدهور الوضع الصحي ونفاد الأدوية، وحتى القليل منها المتوفر في صيدليات الدواء التي توزع مجاناً تم إيقافها بقرار عشوائي وغير مدروس لتستبدل بصيدليات تقدم الدواء وفق فاتورة علاجية باهظة الثمن، فضلاً عن أن المواطن، في هذا الوقت الحرج الذي تشهده البلاد، لا يستطيع تحمل هذه النفقات في ظل عدم توفر السيولة".
أضاف الذاكي "بصفتي مريضاً أعاني مرضاً عضالاً، ومن واقع معاناتي اليومية في البحث عن الدواء، أرى أن من واجب الدولة ممثلة في وزارة الصحة توفير الرعاية الصحية المتكاملة ولا سيما الدواء باعتباره حقاً إنسانياً لا يجوز التقصير فيه، وخصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة، إذ إن فقدها سيؤدي إلى الموت لا محال".
وأشار إلى أن "العاملين في القطاعين العام والخاص فقدوا وظائفهم مع استمرار الحرب ولم تصرف رواتبهم الشهرية، إضافة إلى المعاشيين الذين توقفت مخصصاتهم، فمن أين يأتون بقيمة الدواء؟ ونظراً إلى هذه الظروف المعقدة يجب أن تتراجع الوزارة عن قرارها في ما يخص مجانية العلاج"، لافتاً إلى أن الخدمات الصحية أصبحت عبارة عن سوق سوداء.
أمراض نفسية
في السياق، قال الناشط في حقوق الإنسان إبراهيم عبدالقادر إن "إغلاق صيدليات توزيع الدواء المجاني في أحد مستشفيات مدينة أم درمان والتعويض عنها بصيدليات أخرى لبيع الأدوية، أمر غير مسؤول لأنه يؤدي إلى تفاقم معاناة المرضى، وتعريضهم لأمراض نفسية أخرى قد تصل بهم حد الاكتئاب في ظل توقف مظاهر الحياة الطبيعية منذ اندلاع الحرب"، وتابع عبدالقادر "من خلال متابعتي بعض الحالات في المناطق التي تحتدم فيها الاشتباكات، فإنهم يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الدواء المجاني، ويصطفون أمام الصيدليات من دون فائدة، فمعظمهم يقاوم المرض في صمت وصبر، حتى تدهورت حالاتهم الصحية، ومن ثم تأتي وزارة الصحة لتعلن عن إيقاف هذه الصيدليات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدواء، وعدم إمكان الحصول عليه جراء خفض دخل الأسر بنحو 60 في المئة، وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 70 في المئة"، وشدد على ضرورة استرجاع الدواء المجاني وعدم ممارسة ضغوط إضافية على المرضى.
حلول
من جانبه، أوضح الصيدلاني أبو عبيدة مجذوب أن "عشرات المواطنين الذين ما زالوا داخل العاصمة، بخاصة المرضى، يموتون بسبب افتقادهم الأدوية المنقذة للحياة". أضاف "منذ بدء النزاع توقفت تماماً 41 من شركات الدواء، وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية، وخروج ما بين 70 و80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة واستهدافها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ما كان له الأثر الكبير في تدهور الخدمات الصحية إلى جانب عدم توفر الأدوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع مجذوب "الأمر زاد سوءاً بعد توقف صيدليات الدواء المجاني، مما أدى إلى غلاء الأدوية التي كانت توفرها الإمدادات الطبية، بخاصة الذين يعانون أمراض السرطان والفشل الكلوي والقلب والسكري والضغط، إضافة إلى المحاليل الوريدية والمضادات الحيوية، فمعظم هذه الأدوية يواجه شحاً وارتفاعاً في الأسعار، بخاصة بعد تفشى الوبائيات الناتجة من تحلل الجثث الملقاة على الطرقات"، وأشار إلى أن "الصيدليات بالعاصمة في مدنها الثلاث خرجت عن الخدمة بنحو 95 في المئة منذ الأيام الأولى للحرب بسبب تعرضها للسرقة، وباتت تباع على أرصفة الأسواق، مما جعلها عرضة لأشعة الشمس والتلوث، هذه الأمور فاقمت من معاناة المرضى، إلى جانب عدم وجود الممرات الآمنة أثناء البحث عن الدواء في صيدليات الإمدادات الطبية".
وزاد الصيدلاني "في تقديري، إذا لم تجد وزارة الصحة حلولاً بديلة وعاجلة ستتفاقم الأزمة لتصل ولايات البلاد المختلفة حيث لجأ المرضى بحثاً عن الخدمات العلاجية"، منوهاً بضرورة تدخل المجلس القومي للأدوية والسموم والصندوق القومي للإمدادات الطبية لإنهاء الأزمة.
موت بطيء
في الأثناء، أوضح مصدر مسؤول بوزارة الصحة، فضل عدم كشف هويته، عن أن "توقف خدمة الدواء المجاني، تحديداً بمستشفى النو بأم درمان، بقرار صادم من الوزارة، يرجع إلى المطامع في الحصول على أموال بسبب ما تعانيه الدولة من شح في الموارد، فضلاً عن أن هذا القرار سيعجل بكارثة إنسانية للمرضى الذين ما زالوا موجودين بمناطق الصراع في ظل الإغلاق الكامل للصيدليات".