Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إحدى أكبر بحيرات العالم إلى الزوال وخلفها غبار سام

"الملح الكبرى" في النصف الغربي للكرة الأرضية تواجه خطر الاضمحلال في غضون 5 أعوام فقط. حوار مع عالمة تبذل قصارى جهدها لإنقاذ هذا المورد الطبيعي

ممر للسكك الحديد يقسم "بحيرة سولت ليك الكبرى". مع استمرار الجفاف الشديد في غرب الولايات المتحدة، انخفضت مستويات المياه في البحيرة لتصل إلى أدنى مستوياتها المسجلة على الإطلاق (صور غيتي)

ملخص

سباق مع الزمن: بحيرة سولت ليك إلى زوال والجهود حثيثة لإنقاذها.

بعض الكنوز الطبيعية لا تُقدّر بثمن، خصوصاً لكونها ضرورية للمصلحة العامة، لذا لا يمكن معاملتها مثل مورد قابل للبيع والشراء. فهذه الموارد ترتبط بما يعرف بـ"الوقف العام"  Public Trust وهو مبدأ متجذر في القانون العام ويعود تاريخه للإمبراطورية الرومانية (يشير إلى التزام الدول العمل على حماية الممتلكات العامة والموارد الطبيعية المشتركة).

تجسد "بحيرة سولت ليك الكبرى" Great Salt Lake عملياً هذه الفكرة. وباعتبارها ثامن أكبر بحيرة مالحة في العالم، فهي تشكل حجر الزاوية لأسلوب الحياة في الهواء الطلق في ولاية يوتا الأميركية، بحيث توفر 7700 فرصة عمل، وتسهم بنحو مليار دولار سنوياً في الناتج الاقتصادي، وتجتذب شواطئها ملايين الطيور المهاجرة، مما أكسبها لقب "سيرينغيتي الأميركية"  America’s Serengeti ("سيرينعيتي" هو نظام بيئي ذات تنوع بيولوجي في شرق أفريقيا يمتد على مساحات طبيعية خلابة من شمال تنزانيا إلى جنوب غربي كينيا، ويمثل موطناً لمجموعة واسعة من الأنواع الحيوانية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هذه البحيرة تواجه الآن مصيراً قاتماً ربما يفضي بها إلى الزوال. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2022، انخفض منسوب مياهها إلى مستوى تاريخي. وحتى مع تساقط الثلوج بصورة قياسية في ذلك الشتاء، فإن مساحتها ما زالت تمثل ثلث ما كانت عليه قبل بضعة عقود فقط من الزمن، مما يعدّ تراجعاً بنحو 11 قدماً عما كانت عليه عندما تم قياسها للمرة الأولى في منتصف القرن الـ19.

ووفقاً لبحث أجرته "جامعة بريغام يونغ"  Brigham Young University عام 2023، من المتوقع إذا لم يكُن هناك تدخل كبير  أن تختفي هذه البحيرة خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتعكس الأزمة التي تتكشف تفاصيلها في "بحيرة سولت ليك الكبرى"، الصراع المستمر الذي تخوضه ولاية يوتا بين العقلية المتجذرة بعمق في الغرب الأميركي والمتمثلة في تعزيز النمو الاقتصادي من جهة، والنهج الحريص على حماية الموارد الطبيعية الحيوية من جهة أخرى.

أما التهديدات والضغوط التي تواجهها "بحيرة سولت ليك الكبرى"، فمصدرها اتجاهان رئيسان. أولاً، زيادة تحويل المياه عن مجراها الطبيعي إلى أعلى النهر لمواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية بسبب التطور السريع والنمو السكاني في ولاية يوتا التي باتت تُعتبر الأسرع نمواً في الولايات المتحدة، لا سيما في محيط مدينة سولت ليك سيتي. وثانياً بدء التأثيرات المتوقعة منذ فترة طويلة لأزمة المناخ في الظهور الآن، مما أدى إلى تفاقم جفاف الأنهر والجداول وتعاظم الجفاف الكبير الذي استمر لعقدين من الزمن في الجنوب الغربي.

وتابعت البروفيسورة في علم الأحياء الدكتورة بوني باكستر عن كثب تداعيات أزمة "بحيرة سولت ليك الكبرى". وكانت انتقلت غرباً إلى ولاية يوتا من موطنها الأصلي ولاية نورث كارولاينا، في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وقد جذبها إليها شغفها بالتخييم والمشي لمسافات طويلة، إضافة إلى فرصة عمل في كلية خاصة صغيرة للفنون الحرة في "جامعة ويستمنستر" Westminster University.

وتقول البروفيسورة باكستر لصحيفة "اندبندنت": "بحثتُ عن مكان أستطيع من خلاله تقديم تعليم رفيع المستوى لطلاب جامعيين، بدلاً من مجرد إلقاء محاضرات على مجموعات كبيرة من الطلاب. كان هدفي هو إشراك الطلاب في البحث، وتدريس العلوم من خلال الدخول بنشاط في البحث العلمي".

كانت تنوي في البداية البقاء لمدة خمسة أعوام، على افتراض أن ذلك سيوفر لها الوقت الكافي لاستكشاف الساحل الغربي. وتقر ساخرة فيما تدحرج عينيها: "لا بد من أن لدي بعضاً من سذاجة الساحل الشرقي".

وعلى رغم أنها ليست عالمة مناخ، إلا أن خبرتها تكمن في درس "الكائنات الحية الصغيرة والمجتمعات الميكروبية التي تشكل أساس النظام البيئي للبحيرة بأكمله. وتوضح: "أنا مفتونة في الواقع بالكائنات الحية التي تزدهر في البيئات القاسية، والطرق التي تعتمدها للنجاة من الأضرار البيئية".

على رغم الخصائص الفريدة التي تمتاز بها "بحيرة سولت ليك" باعتبارها أكبر البحيرات المالحة في النصف الغربي للكرة الأرضية، إلا أنها لم تحظَ بكثير من الاهتمام من حيث البحث من جانب المجتمع العلمي. وهذا الأمر وفر فرصاً كثيرة لطلاب الدكتورة باكستر الجامعيين لإجراء أبحاث رائدة في مجالات لم يتم استكشافها عادة من قبل طلاب الدراسات العليا والدكتوراه. وتقول في هذا الإطار: "إن طلابي لديهم الفرصة لأن يقدموا دراساتهم في الاجتماعات الدولية والإسهام في المعرفة العلمية بطريقة هادفة لأن النظام البيئي الذي يعملون عليه لم يتم استكشافه بما يكفي، إلى درجة أن كل ما نقوم به يُعدّ رائداً وجديداً في هذا المجال".

البحث دفع أيضاً البروفيسورة باكستر إلى أن تصبح الخبيرة الأولى في موضوع "بحيرة سولت ليك الكبرى". وتقول: "وجدتُ نفسي فجأة مضطرة إلى أن أصبح خبيرة في نظام البحيرات، على رغم أن هذا لم يكُن مجال خبرتي الأساسي. لقد ربطتني علاقة عميقة بالبحيرة، وإن كان ذلك بصورة عرضية إلى حد ما".

وتضيف: "عندما كنتُ أناقش مسألة البحيرة مع الناس، كنت أسمع في كثير من الأحيان أنها مكان نتن تفوح منه رائحة كريهة، أو يخبرونني قصصاً سلبية عنها. ومع ذلك، خضتُ تجارب علمية وشخصية مذهلة، مما دفعني إلى الاعتقاد بأن ما تحتاج إليه هذه البحيرة ببساطة هو الاهتمام".

في 2008، أنشأت الدكتورة باكستر "معهد غريت سولت ليك"  Great Salt Lake Institute بهدف تطوير البحث العلمي وزيادة الوعي بالنظام البيئي للبحيرة الذي هو على وشك الانهيار. وتضمنت جهودها لرفع مستوى الوعي، أساليب غير تقليدية بالنسبة إلى عالمة، كما حدث عام 2019 عندما تعاونت مع زميلها جايمي بتلر على كتابة وثيقة نعي للبحيرة تنبه فيها إلى خطر زوالها.

وتتابع: "كنا نهدف إلى تخيل ما ستكون عليه الحال لو لم تعُد البحيرة موجودة. تعاملنا مع الأمر من وجهة نظر شخص يكتب نعياً لامرأة في المستقبل، ويتحدث عن إسهاماتها في المجتمع، وما سنفتقده فيها".

وتظهر باكستر في مقطع فيديو وهي تقف على قاع البحيرة المقفر مرتدية ملابس سوداء، وهي تقول: "اليوم، شهدت ’بحيرة سولت ليك الكبرى‘ غروبها الأخير، بعدما استسلمت لمعركة طويلة ضد عمليات تحويل المياه التي لم تتوقف والتي تفاقمت بسبب آثار تغير المناخ"، واصفة البحيرة بأنها "لم تكُن تقليدية" (بسبب مياهها المالحة المختلفة عن نظم المياه العذبة) و"رائدة أعمال" (نظراً إلى تكيفها على رغم تحويل مياهها وتأثيرات تغير المناخ).

ولفتت إلى أن البحيرة "أسهمت في اقتصاد ولاية يوتا لأعوام عدة، ومع ذلك فشلنا في تقديم الدعم الكافي لرعايتها في الوقت المناسب. ولو قمنا بذلك، لربما لم نكُن نحزن على خسارتها اليوم".

ويعترف النعي أيضاً بجهود الأفراد "الذين قدموا مناشدات بوجوب التحرك لإنقاذ البحيرة"، وبالتحديات التي يفرضها "الجفاف الكبير في الجنوب الغربي والقضية الأوسع نطاقاً المتمثلة في تغير المناخ، مما يشير إلى أنه لا يمكن التغلب على هذه العقبات بسهولة".

ويخلص النعي إلى التعليمات الآتية: "بدلاً من إرسال الزهور، حافظوا على المياه وحضوا المشرعين على دعم تشريعات ذكية للمياه. وفي إشارة إلى طبيعة البحيرة المفعمة بالحيوية، طلبت من معجبيها أن يقوموا في حفل تأبينها بتشغيل أغنية ’شخص آخر يعض الغبار‘  Another One Bites The Dust (أغنية ’روك‘ لفرقة ’كوين‘ البريطانية تصف كلماتها شخصاً واثقاً من نفسه وغير خائف، يحذر الآخرين من أنهم هم الذين سيسقطون بعد ذلك)".

وتقر باكستر بأن أداء تلك الأغنية أثر فيها بعمق.

وقالت: "عندها بدأتُ أدرك أن ’بحيرة سولت ليك الكبرى‘، إلى جانب سائر البحيرات المالحة الأخرى حول العالم، هي بمثابة إشارة تحذير، وأشبه بـ ’طيور الكناري في مناجم الفحم‘ (في إشارة إلى خطر الاختناق من التلوث). إن هذه البحيرات حساسة للغاية، ووجودها يعتمد بصورة كبيرة على تدفق المياه إليها، وأي تغييرات بسبب التحويلات أو تغير المناخ، ستؤدي إلى تدهور حالها وانحسارها، قبل التأثير في النظم البيئية الأخرى".

وأضافت: "عند تلك النقطة، بدأتُ أجد نفسي أقوم بدراسة تغير المناخ، على رغم أن ذلك لم يكُن ما أردتُ القيام به أساساً. لكن عندما يخضع نظام تعرفه وتعتز به لمثل هذه التغييرات الجذرية، فإنك تشعر بأنك مضطر إلى التحرك، ورفع مستوى الوعي بالموضوع".

"قنبلة نووية بيئية"

كانت "بحيرة سولت ليك الكبرى" التي يعود تاريخها لنحو 11 ألف عام، بمثابة مورد حيوي للشعوب الأصلية التي استخرجت الملح من شواطئها لأجيال، قبل وصول المستوطنين البيض في 1847. وبما أن ملوحة مياهها هي أعلى بخمس مرات من ملوحة مياه المحيط، فقد قام المستوطنون بتحويل المياه إليها من ثلاثة أنهار لتغذيتها. واليوم يخصص نحو 70 في المئة من هذه التحويلات لأغراض زراعية، فيما البقية يتم توزيعها ما بين الصناعة والسكن.

ويشكل الانكماش المستمر للبحيرة تهديدات كبيرة تتجاوز التأثيرات المباشرة في مجموعات الحياة البرية والاقتصاد. ووفقاً لأحد المشرعين في حزب "الجمهوريين" الذين أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقابلة معهم، فإنه أشبه بـ "قنبلة نووية بيئية وشيكة".

وتُعتبر "بحيرة سولت ليك الكبرى" بمثابة "محطة نهائية" بسبب تراكم المنتجات الثانوية الصناعية والزراعية فيها، إضافة إلى العناصر الطبيعية من الجبال المحيطة التي تتدفق إلى حوضها، لكن لا يتم التخلص منها.

ونتيجة لذلك، أصبح قاع البحيرة مستودعاً للمواد الكيماوية السامة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق. ومع تراجع مستويات المياه، تصبح هذه الملوثات مكشوفة، وتلتقط الرياح الجزيئات من المسطحات المقفرة. ومن الممكن أن يسفر ذلك عن تشكل عواصف ترابية سامة، مما يؤدي إلى أخطار شديدة على الجهاز التنفسي، وربما إلى زيادة معدلات وفيات الرضع وحالات السرطان.

هذه التهديدات ليست نظرية أو افتراضية، إذ سبق أن تجلت في محنة نظيراتها من البحيرات المالحة في العالم. على سبيل المثال في إيران، حيث تبخرت "بحيرة أورميا" Lake Urmia بالكامل تقريباً، بعدما كانت سادس أكبر بحيرة مالحة في العالم. وكشفت دراسة حديثة عن أن الجفاف الذي طال أمده في أورميا اضطلع بدورٍ مهم في تصاعد حالات ارتفاع ضغط الدم في المقاطعة المجاورة للبحيرة. وارتفع من اثنين في المئة عام 2012 إلى نسبة بلغت 19.5 في المئة بعد سبع سنوات فقط.

"لدينا جميعاً رئتان، أليس كذلك؟"

مع اشتداد الأزمة في "بحيرة سولت ليك الكبرى"، نشطت الدكتورة باكستر بصورة متزايدة في عقد لقاءات عامة. وقالت: "أعتقد اعتقاداً راسخا بأن العلماء يجب أن يتفاعلوا مع الجمهور، وألا يقتصر عملهم على المختبرات فقط، وعليهم أن ينقلوا ملاحظاتهم إلى الناس".

وتؤكد الأسباب المتعددة التي تدعو إلى القلق في شأن زوال "بحيرة سولت ليك الكبرى" وتقول: "هناك دوافع لا حصر لها لوجوب إعطاء الأولوية لحماية هذه البحيرة، أحدها هو صحة أنظمتنا التنفسية. فبعد كل شيء، نحن جميعاً نعتمد ’على رئتينا، أليس كذلك؟‘ إنها مسألة يجب أن تهمنا جميعاً".

وخاطبت باكستر مجموعات متنوعة من الجمهور، بدءاً من النوادي الريفية ومنظمات الـ"روتاري" وصولاً إلى دور الرعاية والمعارض الفنية وحدائق المدينة. وخلال جلسة في "غرفة التجارة"، اطلعت على مخاوف تتعلق بالتأثير المحتمل لأعمدة الغبار السام في قيمة العقارات، وقدرة ولاية يوتا على جذب الشركات إليها.

في الوقت نفسه، في "سنوبيرد" وهو أحد منتجعات التزلج الرئيسة في الولايات المتحدة، كان الناس يشعرون بالفضول إزاء العواقب المترتبة على خسارة "بحيرة سولت ليك الكبرى" على أنماط الطقس التي تسهم في تساقط الثلوج الناعمة والشهيرة في المنطقة، إضافة إلى تأثيرات سقوط الغبار المتراكم في الثلوج. يذكر أن قطاع التزلج في المنطقة يدعم نحو 20 ألف وظيفة، ويسهم بنحو مليار و200 مليون دولار في الاقتصاد.

وتلفت باكستر إلى أن الكبار في السن في دور رعاية المسنين كانوا أكثر الذين أبدوا حماسة لما كانت تقوله.

وتوضح: "كانت لكل فرد في تلك الغرفة علاقة شخصية بـ’بحيرة سولت ليك الكبرى‘. فاستعادوا ذكريات عن المنتجعات التي كانت تصطف على جانبي البحيرة في مطلع القرن الـ20، وتبادلوا لحظات جميلة أخرى عندما كانوا يطفون فوق مياهها ويراقبون الطيور على شواطئها. وكانت لديهم معرفة كبيرة بتاريخ البحيرة وبيئتها، فيما أبدوا اهتماماً حقيقياً بالمحافظة على هذا النظام البيئي لأنهم يهتمون بمستقبل أحفادهم".

وعلى رغم السمعة المحافظة التي تتمتع بها ولاية يوتا، يشارك المشرعون والسكان العاديون بنشاط في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمعالجة القضايا المتعلقة بحماية البيئة، لا سيما تلك الخاصة بالبحيرة.

وقالت إن "ما لا يمكن إنكاره هو الارتباط القوي الموجود بين الناس والوجهات الطبيعية الخارجية في الغرب الأميركي. وهذه الرسائل تلقى صدى عميقاً لدى السكان المحليين". وفي إشارة إلى الخطط المقترحة لحماية البحيرة، أضافت: "أشك في رؤية هذا المستوى من المشاركة في ولاية تكساس".

وكان المجلس التشريعي في ولاية يوتا أصدر 64 مشروع قانون للمياه منذ عام 2018، حصل بعضها على دعم بالإجماع من الحزبين. وفي العام الماضي، عين المشرعون مفوضاً لـ"بحيرة سولت ليك الكبرى" في الهيئة الوزارية للحاكم، وهو دور يهدف صراحة إلى بذل الجهود اللازمة التي تصب في مصلحة البحيرة. وفي يناير (كانون الثاني) تم نشر أول خطة استراتيجية على الإطلاق لإعادة البحيرة إلى مستوياتها الصحية.

لكن الخطة تؤكد أنه لا يوجد حل واحد لإنقاذ البحيرة، إذ يتطلب تحقيق النجاح نهجاً متعدد الأوجه بما في ذلك جهود الحفاظ على المياه والمفاوضات في شأن حقوق المياه والمراقبة اليقظة لمستوياتها.

ومن دون إشراك المزارعين، فإن إحراز تقدم في هذا المجال أمر غير مرجح، نظراً إلى فهمهم العميق للأخطار المرتبطة بإهمال إشارات الطبيعة في هذه التضاريس الزراعية الهائلة. ووفقاً للبروفيسورة باكستر، فإن "المزارعين يعملون في الأساس كعلماء أحياء لأنهم يفهمون تعقيدات السلاسل الغذائية والأنظمة البيئية، ولديهم خبرة في مراقبة التغيرات في المناخ والاستجابة لها".

"بحيرة سولت ليك الكبرى" والبحيرات المالحة المماثلة حول العالم، تشبه "طيور الكناري في مناجم الفحم"

الدكتورة بوني باكستر

ولمواجهة هذه التحديات، تخصص استثمارات كبيرة في "برنامج تحسين استخدام المياه في الزراعة" Agricultural Water Optimization Programme الذي يهدف إلى تعزيز الكفاءة وتوجيه موارد المياه المحفوظة إلى البحيرة.

وقالت باكستر إنها تأمل في أن يكون هناك مزيد من التعاون مع الدول المجاورة، وحضت على تمثيل السكان الأصليين في كل لجنة، للاعتماد على معرفتهم المكتسبة من أسلافهم بنظم المياه في الغرب التي تعتبر أنها "تساعد على تعلم كيفية تقدير قيمة المياه بطريقة مختلفة". لكنها شددت على الحاجة إلى حلول سريعة، متخوفة من الوقت الضيق، وقالت: "إنني أعلم أنه ليس لدينا كثير من الوقت".

وتحض مجموعات الحفاظ على البيئة ولاية يوتا على اتخاذ إجراءات أكثر حسماً، إذ وصف ستو غيليسبي كبير المحامين في منظمة "عدالة الأرض"  Earthjustice، استراتيجية الحفاظ على بحيرة يوتا بأنها مجرد "خطة لتنفيذ خطة".

وكانت منظمة "عدالة الأرض" رفعت دعوى قضائية ضد ولاية يوتا في سبتمبر (أيلول) نيابة عن تحالف من مجموعات الحفاظ على البيئة، تطالب فيها الولاية الوفاء بالتزامها حماية البحيرة من خلال معالجة قضية حقوق المياه، وتقول إن عدم القيام بذلك يُعدّ انتهاكاً لـ"الثقة العامة".

في الوقت الراهن، لا تسمح قوانين ولاية يوتا المتعلقة بحماية "بحيرة سولت ليك الكبرى" بـ"تجاوز حقوق المياه أو استبدالها أو تعديلها".

ومع ذلك، استخدمت ولاية يوتا في الماضي "مبدأ الثقة العامة" لمصلحتها، بحسب ما أفاد به غيليسبي "اندبندنت". وأشار إلى دعوى قضائية عام 1990، عندما اعتمدت الولاية على هذا المبدأ كأساس لتبرير اختراق ممر لـ"بحيرة سولت ليك الكبرى" من أجل إطلاق مياه الفيضانات، بعد اعتراض شركات استخراج المعادن.

وأضاف أن "في الإحاطة التي تقدمت بها إلى ’المحكمة العليا‘ في يوتا، تبنت الولاية ’مبدأ الثقة العامة‘ بالكامل، وزعمت أنه لا توجد قيود يمكن أن تحد من هذا المبدأ".

وفي رد عبر البريد الإلكتروني لصحيفة "اندبندنت"، رفض حاكم ولاية يوتا سبنسر كوكس التطرق إلى التفاصيل المحددة للقضية الأخيرة المرفوعة. لكنه وجه دعوة إلى التعاون قائلاً: "نحن ندعو الجميع إلى العمل معنا لإيجاد طرق مفيدة للبحيرة ونظامها البيئي والمجتمعات المحيطة بها".

وسلط المحافظ كوكس الضوء على "الاهتمام والاستثمار والجهود التي بذلها مختلف أصحاب المصلحة على امتداد الأعوام الأخيرة بصورة غير مسبوقة، بمَن فيهم حكومة الولاية والسلطات المحلية والمقيمون والمزارعون وغيرهم، سعياً إلى الحفاظ على ’بحيرة سولت ليك الكبرى‘ وحمايتها". وأكد أن "الولاية تعاونت على نحو وثيق مع عدد من الأطراف المعنية لاتخاذ إجراءات ملموسة تهدف إلى ضمان سلامة البحيرة".

وما بدا كأنه إجماع غير قابل للتفاوض بين معظم المشرعين في ولاية يوتا، هو التزام خطط طموحة للنمو الاقتصادي والتنمية. وتقول الدكتورة باكستر: "بصراحة، كان النهج السائد في هذه المنطقة هو دعم النمو منذ أربعينيات القرن الـ19". لكنها تشير إلى أن هذه القضايا كانت هي الوحيدة التي يمكن للدولة التأثير فيها "ضمن الإطار الزمني المناسب". وعندما سُئلت عن تفاؤلها بمستقبل "بحيرة سولت ليك الكبرى"، ترددت في الإجابة.

وعلى النقيض من المواقف التي يشعر فيها العلماء بالإحباط، وكأنهم "يضربون رؤوسهم بالحائط" على حد قول باكستر، إلا أنها تقول إن "هذه ليست هي الحال في ولاية يوتا".

وتؤكد أن "الرسالة يتردد صداها، وتُتخذ الإجراءات اللازمة. ومع ذلك، يمكن أن تكون العمليات الحكومية بطيئة، وهناك أولويات متضاربة".

وتخلص إلى القول إن "التشاؤم الذي يساورني ينبع من عدم وجود تحسن في الوضع المناخي. أنا لست مقتنعة كعالمة، بأننا نستطيع معالجة هذه المشكلة بالوتيرة اللازمة لحلها. ومع ذلك، يحدوني بعض الأمل لأن كثيراً من الأفراد مقتنعون بأن هذه معركة جديرة بالاهتمام، وتستحق أن تخاض".

فرضت أزمة المناخ واقعاً جديداً اتسم بتأثيراته المباشرة في الناس - في أعقاب الفوضى الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة والكوارث - إضافة إلى تداعيات يصعب توقعها على المدى الطويل. في سلسلة جديدة بعنوان "تحذير عالمي" Global Warning، تجري صحيفة "اندبندنت" مقابلات مع أشخاص يناضلون على الخطوط الأمامية لمواجهة تغير المناخ في جميع أنحاء البلاد

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة