Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

اليونيسكو تحتفي باليوم العالمي للسعادة... ولكن ماذا عن مآسي البشر؟

الزمن السعيد بين الممكن والمستحيل في عصر الرأسمالية اللانسانية والحروب والذكاء الاصطناعي

السعادة في العصر الحديث (متحف كابيتاليسم الإفتراضي)

ملخص

تحتفل منظمة اليونسكو في العشرين من مارس (آذار) كل سنة ب "اليوم العالمي للسعادة". ولعل السؤال المطروح بإلحاح في هذا اليوم هو: كيف نفهم السعادة في عصر الرأسمالية اللاإنسانية والحروب والمجازر والذكاء الاصطناعي؟

عندما سئل إيلون ماسك عن السعادة، وكان أغنى رجل في العالم بثروة خرافية تقدر بـ300 مليار دولار وعمره لا يتجاوز الـ50 سنة، تردد في الجواب ثم أجاب بصيغة الماضي، كنت سعيداً. هذا يعني أن غناه الفاحش لم يحقق له السعادة التي يحلم بها كل إنسان. ومع ذلك، يبقى الإنسان يبحث عن السعادة التي يراها ضروريً في حياته. وهو لا يكل ولا يمل من البحث عنها حتى لو فشل في الحصول عليها. تعبر السعادة عن حال من الشعور الداخلي بالرضا على مستوى الروح وعلى مستوى الجسد. وهذه الحال واحدة من أعظم الأشياء في حياة الإنسان، لأن الرضا هو الحل الأمثل لحاجات الإنسان المختلفة والمتنوعة التي لا تنتهي في ظل الرأسمالية الطاغية على الكوكب، وهو الذي يطبع حياة الإنسان بنوع من الإيجابية تعزز الحياة وتنزع عنها الكآبة والتعاسة.

كيف نشأ يوم السعادة العالمي؟

يحتفل العالم في الـ20 من مارس (آذار) من كل عام بيوم السعادة العالمي، إذ تحتفل به 193 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل زيادة الوعي بتأثير السعادة الإيجابي في حياة البشر، وبدأ العالم الاحتفال للمرة الأولى بهذا اليوم عام 2011، وتعود فكرة اليوم هذا لجايمي إيليان، وكان مستشاراً خاصاً في الأمم المتحدة الذي طرح فكرة إنشاء يوم جديد للاحتفال بالسعادة للمرة الأولى أمام كبار مسؤولي الأمم المتحدة، فنالت دعماً من جانب الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً عالمياً للسعادة في دورتها الـ66 عام 2012. واحتفل بصورة منتظمة بهذا اليوم منذ 2013. ويرجع اختيار إيليان الـ20 من مارس موعداً للاحتفال بيوم السعادة العالمي، إلى أنه يتزامن مع ما يعرف بـ"الاعتدال الشمسي"، وهو وقت مرور الشمس بخط الاستواء، علماً أن هذه الظاهرة تتكرر مرتين كل عام، في الـ20 من مارس وفي الـ23 من سبتمبر (أيلول).

ولا بد من الإشارة إلى أن الأمم المتحدة ترفع كل عام شعارات لنشر السعادة والرفاهية بين الناس في جميع أنحاء العالم، ومنها القضاء على الفقر والحد من عدم المساواة وحماية كوكب الأرض. والهدف من هذه الشعارات المساعدة في تأمين رفاهية المواطنين وسعادتهم في جميع أنحاء العالم. ويحتفل الناس في يوم السعادة العالمي بالطريقة التي تناسبهم ويفعلون كل ما يجعلهم سعداء ولو كان مجرد ابتسامة بسيطة يبتسمها الشخص في وجه كل إنسان يلتقيه.

في هذا السياق نتساءل هل من الضروري أن يبحث الإنسان عن السعادة؟ ولِم نخصص يوماً عالمياً للسعادة؟ هل السعادة في الحكمة؟ في الفضيلة؟ في الخير الأسمى؟ في الاعتدال؟ في الابتعاد من الملذات الحسية؟ في المال؟ في الجاه؟ في النفوذ؟ في الصحة؟ في السلطة؟ في الإقبال المفرط على الملذات الحسية؟ في البحث عن الله؟ ألا يمكن أن تكون السعادة في غياب البحث عنها؟ ألا يمكن أن تزداد سعادتنا عندما لا ننهم بالبحث عنها؟

كيف تقف منغصات الحياة دون سعادة الإنسان؟

حياة الإنسان مليئة بكثير من الأوهام وقليل من الحقائق، المال والسلطة والجنس والأولاد وغيرها، فحياته إذاً مجموعة لا تحصى من الأوهام التي عليه أن يحسن التعامل معها حتى لا تكون سبباً لتعاسته. ولا مانع لدى الإنسان من أن يقاتل من أجل وهم مع أنه يعرف أنه سيموت كأي حيوان ويدفن في التراب. وعليه، فإن حياة الإنسان ليست دفئاً وسلاماً ورفاهية وهناء على الدوام. فهناك منغصات كثيرة تنغص حياة الإنسان وتحول بينه والسعادة التي يسعى إليها ويطمح إليها مثل الأمراض والأوبئة والعيوب والإعاقة الجسدية والفقر وشح الطبيعة والحروب والكوارث والاستبداد والظلم… من منا مبرأ من العيوب؟ من منا لا يعاني منغصات العيش والحياة الهانئة الوديعة؟ إضافة إلى ذلك، هناك المنغص الأكبر، ألا وهو الموت. فالموت هو الأمر الأكيد في حياة الإنسان وتكون حياتنا مجرد رحلة عابرة قصيرة. هكذا يشعر الإنسان وكأنه مشلوح في الكون المترامي هذا يواجه كوارث الطبيعة والمرض والفقر والموت منفرداً. في ظل هذا الوضع غير المحبب إلى قلب الإنسان، كيف يمكنه أن يحقق سعادة يرجوها؟ كيف له أصلاً أن يأمل في السعادة؟

لماذا نشعر دائماً بحنين إلى الماضي؟

ومع ذلك، نبقى نلهث كما لهث غيرنا وراء سعادة ندرك يقيناً أننا لن نحصل عليها سوى للحظات معدودات ما تلبث أن تنتهي وتزول. لو كان يمكن القبض عليها لكان غيرنا قبض عليها. ملايين من البشر سلكوا الطريق ذاته ولم يحصلوا على السعادة سوى لبرهة قصيرة جداً، ومع ذلك يبقى الأمل أكبر دافع لمواصلة البحث. واليوم، يزداد الأمر تعقيداً وصعوبة مع توحش الرأسمالية وطغيان الذكاء الاصطناعي. في الماضي، كانت الحياة بسيطة جداً وكانت السعادة في متناول الجميع إلى حد ما ولا تتطلب كثيراً. أما اليوم، فازداد وعي الإنسان وازدادت كآبته، لذلك نشهد نسبة عالية من اللامبالاة بالحياة، بل حتى من الانتحار وكثرت الأمراض النفسية وتكاثرت الأمراض الجسدية وتنوعت. وإضافة إلى ما سبق، فإن حياة الإنسان تمضي بسرعة إلى درجة نكاد لا نشعر بمرور الزمن. يمر العقد الثاني والثالث والرابع… فجأة نجد أنفسنا في العقد السادس والسابع والثامن مع كل متاعب الشيخوخة وأمراضها. ونلاحظ أنه كلما مرت سنة نستعيد ذكريات الأيام الماضية. وما ننفك نتحدث عن الزمن الجميل الذي مضى! دائماً نردد، رزق الله على أيام زمان! وكأن السعادة في ما مضى، إذ نشعر دائماً بحنين وشوق إلى ما مضى! عندما كنا صغاراً نلعب في الأزقة مثلاً، وعندما كنا نعيش مع أهلنا وعندما كانت حياتنا بسيطة وعندما كنا في المدرسة...، مع أننا وقتذاك لم نكن نشعر بتلك السعادة التي نتكلم عنها اليوم. لماذا؟ لماذا هذا الحنين إلى ما مضى؟ بل لماذا نتحدث عن الماضي ببهجة وحبور؟ ما سر ذلك؟

ربما لأن الإنسان لا يموت دفعة واحدة، بل يموت بالقطعة، فالإنسان مجموعة ميتات. يموت جزء مني عندما أفقد أمي مثلًا، وعندما أفقد زوجتي، وعندما تمضي سنوات من عمري، وعندما أحال على التقاعد…، أما الموت النهائي، فتتويج لميتات كثيرة سبقته، لذلك نحاول الحفاظ والتمسك بشيء يفلت ويهرب منا باستمرار. ما السعادة إذاً؟ ولماذا علي أن أبحث عنها؟ أليس من الحكمة ومن السعادة أيضاً أن لا ننهم بالبحث عن السعادة؟

هل تتحقق السعادة من دون حكمة؟

وعليه، لا سعادة من دون حكمة لأن حياة الإنسان مليئة بما ينغص معيشته، فهناك دائماً ما يطرد السعادة. لذلك لن نشعر بالسعادة إذا لم نستطِع أن نتوصل إلى حكمة من نوع ما في الأقل لنرضى بما نحن عليه. إذاً، إن ما يحقق السعادة أو طرفاً منها من ملذات حسية، أو من ملذات راقية نبيلة، أو من نجاحات في الحياة، أو من تعاظم لإرادة الاقتدار، أو من جسم مفعم بالحيوية والنشاط…، لا يبقى كذلك إن لم يتوصل الإنسان إلى نوع من الحكمة حتى لا ينقلب كل ذلك إلى نقمة وإلى نوع من العذاب الذي يجلب من المتاعب والتعاسة والكآبة أكثر بكثير مما يجلب من السعادة والرفاهية. لنأخذ مثلاً المال. لا شك في أن وجود المال عامل رئيس في تحقيق السعادة، فبه يستطيع الإنسان أن ينجز كثيراً مما يتمناه، ومع ذلك قد يتحول المال إلى أكبر نقمة في حياة صاحبه. أكبر مثال على ذلك أننا لا نجد الأغنياء سعداء. بل أكثر من ذلك، غالباً ما ينقلب المال إلى سبب تعاستهم لأنه لم يتصاحب مع حكمة تدفع الإنسان إلى ألا يكون عبداً للمال، إذ ما نفع المال إذا صار الإنسان عبداً له؟.

هكذا لا يعود المال مجرد وسيلة لتحقيق رغبات الإنسان، بل يتحول إلى صنم يعبد. المال ومزيد من المال! هذا ما يحقق السعادة في نظر الرأسمالية المتوحشة. لكن ماذا لو كان لدينا المال الوفير وفقدنا الصحة مثلاً؟ ماذا لو كان لدينا المال الوفير وفقدنا أعز أحبابنا وأصدقائنا؟ ماذا لو كان لدينا المال الوفير ولم نستطِع أن نضفي معنى على حياتنا؟.

لا سعادة من دون حكمة إذاً، لكن لا حكمة من دون إضفاء معنى على السعي البشري وعلى الحياة البشرية. فحياة بلا معنى لا تعاش بسعادة، بل لا تعاش أصلاً. إذاً، ما ينقص البشرية هو خلق المعنى. وإذا كان للفلسفة من دور فهو المساعدة في خلق معنى لحياة الإنسان حتى لا يتمنى الفناء، بل حتى لا يسعى إليه. وسنبقى ننادي بنوع من العقلانية حتى تستقيم حياة الإنسان مهما تمت مهاجمة أسس العقلانية. والعقل البشري لن يمل ولن يكل من البناء ومن إعادة البناء ومن محاولة البناء دائماً. بناءً عليه لا مناص من الفلسفة، لا مناص من الحكمة لتحقيق السعادة لأن معطوبية الإنسان لا يمكن القفز فوقها وتجاهلها، كما أنه لا يمكن تجاهل البعد الميتافيزيقي للإنسان.

الإنسان كائن ميتافيزيائي

تبقى الميتافيزياء بعداً أنطولوجياً رئيساً في حياة الإنسان، وإن لم يستطِع العقل البشري حتى اليوم أن يجيب بما يرضيه عن أسئلة هذه الميتافيزياء التي تبقى غذاء لا غنى عنه للعقل الذي ما ينفك يطرح أسئلة ويصوغ مسائل تتجاوز قدراته وإمكاناته، ومع ذلك يبقى يلِح في الإجابة عنها، فيبني دائماً نوعاً من الميتافيزياء الدافئة ليشعر بالدفء والأمان وليرتاح ولو موقتاً من قلق الأسئلة الأصيلة المزعجة والمقلقة التي لا تتوقف. ففي هذا الكون الشاسع الذي حدوده المرئية تساوي ما يقطعه الضوء في 200 مليار سنة بحسب ما يرشح عن علم الفلك، يسير المعنى إلى جانب اللامعنى.

الإنسان المشلوح في الكون الشاسع هذا، المقذوف في هذا العالم، كيف له أن يحقق السعادة أو أن يطمع في الحصول عليها؟ هل تكون السعادة مجرد سراب نلهث وراءه؟ لذلك تبنى فلاسفة كثر من أمثال شوبنهاور وإميل سيوران فلسفة تشاؤمية. فتعاسة الإنسان تبدأ منذ ولادته والأفضل له ألا يولد. كما الأولى ألا ينجب مزيداً من الأطفال حتى لا يدفعهم إلى أحضان اليأس والشقاء. وعليه، تنهم الفلسفة بأسئلة العقل الميتافيزيائية التي يطرحها بطبيعته ويحاول الإجابة عنها بما يرضيه طلباً لراحته! لكن هل تحققت راحة العقل البشري ومعها سعادة الإنسان؟.

الرأسمالية المتوحشة

لعل الرأسمالية فهمت طبيعة الإنسان أكثر مما فهمتها بقية المذاهب الفلسفية. في الأصل كانت الزراعة وكان التبادل وكانت المقايضة...، في الأصل كان الاقتصاد! فالإنسان كائن اقتصادي قبل أن يكون، بحسب شوبنهاور، كائناً ميتافيزيائياً. وقال ماركس عن الرأسمالية إنها تحمل بذور فنائها، لكنها في الواقع تحمل بذور تجددها وتحوز آليات هذا التجدد على رغم الأزمات الدورية الكبرى التي تمر بها. لكن نجاح الرأسمالية وتجددها الدائم لا يعنيان أن الإنسان ارتقى وصار سعيداً، بل انحرف وزادت تعاسته. وهذا ما نلاحظه بوضوح في عالم اليوم على رغم ما حققه كثيرون من ثروات طائلة لا تحصى. والسؤال الذي علينا طرحه اليوم لماذا تنجح الرأسمالية في حين يفشل غيرها؟ ما الذي يعطي معنى لحياة البشر؟ "نقد العقل المحض" لكانط؟ أم "المباحث المنطقية" لهوسرل؟ أم "الكينونة والزمان" لهايدغر؟ أم حتى "الرأسمال" لماركس؟.

من الواضح أن الرأسمالية نجحت في إعطاء معنى لحياة الإنسان أكثر من الدين وأكثر من العلم وحتى أكثر من الفن والفلسفة، في الأقل بالنسبة إلى الجمهور العريض الذي يعرِض عن التفكير الفلسفي العميق، لذلك على فلاسفة المستقبل أن يبنوا فلسفاتهم على تأمل في الاقتصاد السياسي، لا على تأمل في نسيان الكينونة، وعلى تأمل في حياة الإنسان الاقتصادية، لا على تأمل في ما هو خالد وأزلي. إذاً، المطلوب ميتافيزياء اقتصادية، فالأنطولوجيا اقتصادية في أساسها.

وعليه، فإن قوة الرأسمالية في مفترضاتها الضمنية، في ما تضمره لا في ما تعلنه، بدلاً من أن تبحث عن الله مع احتمال ألا تجد ما تبحث عنه، ها هوذا الله بين يديك، أي المال ومزيد منه، فهو الذي يعطي معنى لحياتك ويجعلك سعيداً ويبعد منك الكآبة والتعاسة. المال قادر على تحقيق المعجزات ويمكنك من الحصول على كل ما تتمناه وترغب فيه. وعليه، استطاعت الرأسمالية أن تحِل المال، الإله محل الإله، الخالق. هي التي أماتت الله فعلاً في المجتمعات الرأسمالية، وليس نيتشه الذي انحصر دوره في الإعلان عن موت الله فقط!

لا عبث ولا عدمية في الرأسمالية، لا شوبنهاور ولا سيوران. فالرأسمالي يبقى مفعماً بالأمل حتى لو كانت حياته على حساب جيوب الآخرين، بل حتى لو كانت على حساب دمائهم. ومع ذلك، يكتشف الإنسان سريعاً أن المال لا يحقق ولن يحقق السعادة، فتبدأ رحلة الكآبة من جديد. ما يخيف وما يقلق في الرأسمالية نجاحها دائماً وليس فشلها أو حِدة أزماتها أحياناً مع أنه لا غنى عنها. تفشل الدول عندما تعجز عن بناء اقتصاد قوي حتى لو كانت مدججة بترسانة هائلة من السلاح (الاتحاد السوفياتي نموذجاً)! ولا رفاهية ولا رضا من دون بحبوحة اقتصادية، في الأقل ضمن مجتمعاتنا المعاصرة التي تطمح إلى أن تعيش رغد العيش. كما لا سعادة من دون رفاهية ورضا.

اقرأ المزيد

لقد استثمرت الرأسمالية جيداً في النبتات الفاسدة الثلاث، الخوف والجشع والرجاء، فسيطرت على أسواق المال وكانت ولادة أزمات كبرى. هكذا تتوالى الأزمات وتتجدد في المجتمعات الرأسمالية. من أزمة إلى أزمة أشد. والمطلوب ضبط الرأسمالية وجعلها أوفر عدالة وإنسانية قبل أن تتوحش أكثر فأكثر، أي قبل أن تتحول إلى مجرد وحش وغول يبتلع كل شيء في طريقه. بل أكثر من ذلك، إن الرأسمالية المتوحشة تقضي على ما تبقى من مكتسبات الحداثة بفعل سيطرة القوى الاقتصادية على مقدرات الكوكب.

هكذا تخلق الرأسمالية الراهنة تفاوتاً هائلاً بين البشر، أفراد يمتلكون تريليونات الدولارات ومليارات البشر جوعى لا يكادون يملكون شيئاً. هل يعقل أن تزيد ثروة فرد في غضون ساعتين 20 مليار دولار، أي ما تنتجه أمة بكاملها في عام كامل؟، ولعلنا نسمع قريباً جداً بالتريليونير الأول.

 على الشعوب إذاً أن تتنبه لما يحدث في الاقتصاد والسياسة وأن تبتكر طرقاً أخرى للنضال واستعادة حقوقها، فإذا لم تنضبط الرأسمالية وإذا لم تتعقلن، فإنها تحول دون نشر السعادة في المجتمع وتعيدنا إلى نوع من العبودية المقنعة، إذ تخلق تفاوتاً هائلاً في المجتمع. هكذا تفسِد الرأسمالية بتوحشها كل ما هو حسن وجميل في حياة الإنسان. فمن أين تأتي الرفاهية والرأسمالي المتوحش يطمع حتى في لقمة الفقير المعدم؟ ومن أين يأتي الرضا والرأسمالية تقوم على خلق رغبات لا تنتهي عند الإنسان؟، فيبقى الإنسان يلهث من أجل تحقيق رغباته من دون فائدة، فيتحول إلى مجرد آلة مستهلِكة وشارية حتى من دون هدف. عندئذ، تنعدم السعادة التي من شروطها الرفاهية والرضا والهدوء النفسي والجسدي. لذلك قلنا إن لم تصاحب الحياة حكمة من نوع ما، فلن تكون هناك سعادة.

 عصر الذكاء الاصطناعي

لم يعد بالإمكان معالجة السعادة كما كنا نعالجها من قبل، فالبشرية تشهد تطورات وتحولات مذهلة على جميع الصعد. يرجع بعضهم إلى حكماء الإغريق وفلاسفتهم، والبعض الآخر إلى فلاسفة القرون الوسيطة، وآخرون إلى فلاسفة العصور الحديثة ليستلهموا منهم ما يساعد على تحقيق السعادة. لكن البشرية، خلال الأعوام الأخيرة، قفزت قفزات عملاقة في مجالي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما وضع البشر على أعتاب تحولات كبرى في أنماط معيشتهم وطرق تفكيرهم بحيث نجد أنفسنا إزاء طفرة أنطولوجية تتمثل في ولادة الإنسال (الإنسان+ الآلة)، أي في ولادة الإنسان الجديد أو بالأحرى في ولادة من هو فوق الإنسان عندما تزرع في جسد الإنسان الحالي شرائح ذكية تزيد من قدراته بصورة هائلة وتغير في طبيعته. وعليه، ليس الإنسال مجرد إنسان- آلة، بل هو مزيج من مكونات الذكاء الاصطناعي والمكونات البيولوجية. إنه مزيج من مكونات ذكية بقدرات خارقة ومكونات بيولوجية تبقى أساسية للحياة. لذلك علينا أن نأخذ ما يحدث في ميدان الذكاء الاصطناعي في الاعتبار لأنه سيغير حياتنا رأساً على عقب، وبالتأكيد سيتغير معنى السعادة.

وهذه التطورات الكبرى ما زالت في بداياتها، لذلك لا يمكننا التنبؤ بما ستكون عليه حياة الإنسان في المستقبل القريب، لكن مهما حدث سنبقى نسعى وراء السعادة. لكن من الحكمة أن نكتفي برجاء السعادة، لا أن نطمع في الحصول عليها.

المزيد من ثقافة