ملخص
تشمل العقارات المصادرة، بحسب ما جاء في الجريدة الرسمية المغربية [العدد 5811 في الـ13 من مارس (آذار) 2024]، ثلاثة ممتلكات تابعة للجمهورية الجزائرية، الأول بمساحة 916 متراً مربعاً، والثاني 630 متراً مربعاً، أما العقار الثالث، فمساحته 491 متراً مربعاً.
يلوح في الأفق تصعيد جديد بين الجزائر والمغرب من المحتمل أن يزيد الوضع المتوتر بين البلدين اشتعالاً بعد إقدام الرباط على قرار مصادرة عقارات تابعة للسفارة الجزائرية، أعقبه بيان تنديد صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية اعتبر الخطوة "استفزازاً غير مقبول" وتوعد بالرد بكل الوسائل المناسبة، مما أعاد إحياء التصريحات والتصريحات المضادة بين البلدين وتبادل الاتهامات التي هدأت بعض الشيء خلال الأشهر الماضية.
دخلت العلاقات المقطوعة بين الجزائر والرباط مرحلة جديدة من السجال بعدما قرر المغرب نزع أملاك السفارة الجزائرية في العاصمة الرباط (تعود ملكيتها للدولة الجزائرية) من أجل المنفعة العامة، إذ "تقرر توسيع مبانٍ إدارية لفائدة وزارة الشؤون الخارجية المغربية" وفق ما جاء في توضيحات السلطات الرسمية.
وتشمل العقارات المصادرة، بحسب ما جاء في الجريدة الرسمية المغربية [العدد 5811 في الـ13 من مارس (آذار) 2024]، ثلاثة ممتلكات تابعة للجمهورية الجزائرية، الأول بمساحة 916 متراً مربعاً، والثاني 630 متراً مربعاً ويضم داراً للسكن من طابقين ومكاتب في الطابق الأرضي ومرافق، أما العقار الثالث، فمساحته 491 متراً مربعاً وبه فيلا من طابق ومرافق.
بيان وصمت
وفي حين اعتبرت الرباط أن القرار يندرج في سياق المنفعة العامة، أصدرت الجزائر بياناً عبر وزارة خارجيتها يدين الخطوة وقالت "لقد دخلت المملكة المغربية مرحلة تصعيد جديدة في تصرفاتها الاستفزازية تجاه الجزائر، وتجلت هذه الاستفزازات الجديدة من خلال مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب".
وأضافت أن "الجزائر تعتبر أن ذلك يشكل انتهاكاً جسيماً لاحترام واجب حماية الممثليات الدبلوماسية لدول ذات سيادة، الأمر الذي تكرسه القوانين والأعراف الدولية"، مشيرة إلى أن "المشروع المغربي الذي يتنافى مع الممارسات الدولية المتحضرة ينحرف بصورة خطرة عن التزامات اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية التي تفرض عليها احترام وحماية السفارات الموجودة على ترابها مهما كانت الظروف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح البيان أن "الجزائر تدين بأشد العبارات عملية السلب الموصوفة هذه، كما أنها تندد بقوة باللاشرعية وعدم التطابق مع الواجبات التي تتحملها كل دولة عضو في المجتمع الدولي بكل صرامة ومسؤولية"، وختم أن "الحكومة الجزائرية سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة، كما سيتم اللجوء إلى جميع السبل والوسائل القانونية المتاحة، لا سيما في إطار الأمم المتحدة من أجل ضمان احترام مصالحها".
ولم ترد السلطات المغربية على بيان الخارجية الجزائرية، لكن مصدراً مغربياً رفض الكشف عن هويته قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن وزارة الخارجية المغربية تقدمت لدى السلطات الجزائرية في 2022 بطلب لشراء مبنى تابع لها مجاور لمقر الوزارة، على أساس أنه بقي شاغراً منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط ضمن مشروع لتوسعة مكاتب الوزارة، موضحاً أن المغرب تعاطى مع مشروع نزع الملكية بكل شفافية وعبر تواصل دائم مع السلطات الجزائرية.
معركة في الأفق
تعليقاً على خطوة المغرب ورد الجزائر، يقول الدبلوماسي الجزائري المقيم في جنيف محمد خدير إن القرار المغربي كان منتظراً بعد إقدام الجزائر على فتح تمثيلية جمهورية الريف الانفصالية، وبذلك تأتي الخطوة المغربية رداً على تصرف الجزائر، وهو تصعيد لا جدوى منه.
ورداً على سؤال حول قانونية القرار، أكد أن هناك قوانين داخلية، أي تخص الداخل المغربي، وأخرى دولية تتمثل في "اتفاقية فيينا"، وعليه من المنتظر اندلاع معركة قانونية في هذا الإطار. فالجزائر سترد بالوسائل القانونية لا محالة، وفق ما جاء في بيان وزارة الخارجية، متوقعاً أن تتم المعاملة بالمثل ومصادرة أملاك مغربية في الجزائر.
وأشار إلى وجود أكثر من 350 ألف مغربي على الأراضي الجزائرية، وإلى إمكان استخدامهم كورقة ضغط ضد الرباط، محذراً من هذا التصعيد الذي "نأمل في ألا يصل إلى ما لا تحمد عقباه وأن تستتب الأمور في أقرب وقت"، وختم بأن "الوضع بدأ يتعدى الخطوط الحمراء، لذا نتمنى السلامة قبل فوات الأوان".
من جانبه، يرى أستاذ القانون الدولي آدم مقراني أن قرار المغرب بنزع ملكية العقارات الجزائرية يُعدّ خطوة مثيرة للجدل وتحمل في طياتها كثيراً من الدلالات السياسية والدبلوماسية، ومن الواضح أن هذا الإجراء يأتي في سياق توتر متصاعد بين البلدين يضاف إلى سلسلة الإجراءات التي شهدتها العلاقات الجزائرية - المغربية خلال الأعوام الأخيرة.
وقال إن الخطوة تظهر كيف يمكن للقضايا العقارية أن تتحول إلى أدوات للضغط السياسي، مما يعقد من مسار الحوار والتفاهم بين الجانبين، مضيفاً أنه "من المهم النظر إلى هذه الخطوة ليس فقط كإجراء إداري أو قانوني، بل كإشارة إلى حاجة البلدين لإعادة تقييم وتحسين آليات التواصل والتعاون الثنائي".
ولفت مقراني إلى أن من الضروري أن تكون الدبلوماسية والحوار السبيل لحل الخلافات وليس التصعيد الذي قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والعزلة، وختم بأن الحكمة والتعقل ضروريان في التعامل مع مثل هذه القضايا، ويجب أن تعطى الأولوية للمصالح المشتركة والسلام الإقليمي وأن تحترم الاتفاقات الدولية والأعراف الدبلوماسية التي تعد أساس العلاقات بين الدول.
خطوة قانونية
لكن الطرف المغربي كان له رأي آخر، إذ شدد أستاذ القانون الدولي ورئيس مركز "رؤى الشرق" المغربي خالد شيات على أن هناك حالاً من الترقب والاستعداء المسبق وحتى التربص من طرف الحكومة الجزائرية في كل الممارسات التي يقوم بها المغرب من أجل إيجاد ثغرات لإحداث جدل أو صراع أو شيء من هذا القبيل، إذ تعتبر الجزائر كل قرار مغربي محاولة لاستهدافها وإيذائها، وهي الحال مع قرار نزع أملاك السفارة الجزائرية في الرباط من أجل المنفعة العامة، مبرزاً أن الخطوة دستورية وقانونية ومشيراً إلى أن العملية متبادلة بين البلدين، إذ سبق أن طلبت الجزائر من المغرب الأمر نفسه والمتمثل في ممتلكات مغربية بالجزائر العاصمة.
ويضيف شيات أن بيان وزارة الخارجية الجزائرية تضمن كل أشكال التهديد والوعيد، وفي جوانبه إشارات إلى إجراءات تعتزم القيام بها ضد المغرب، متابعاً أنه "حتى إذا ارتكب المغرب خطأ فليس من اللباقة اللجوء إلى ما جاء في البيان، فالقرار المغربي أحدث زخماً، وكان بالإمكان أن يوضع على المستوى القضائي بدلاً من انتقاله إلى خلاف ديبلوماسي.
السفير المغربي السابق لدى الجزائر حسن عبدالخالق اعتبر أن "المقار التي كانت تؤوي السفارة الجزائرية وملحقاتها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية وإنزال العلم الجزائري من فوقها وعودة العاملين فيها لبلدهم وإغلاقها، أصبحت مقار عادية من حق المغرب أن ينزع ملكيتها للمنفعة العامة"، مضيفاً أنه منذ قطع العلاقات الدبلوماسية في الـ24 من أغسطس (آب) 2021، لم تعُد للجزائر سفارة في الرباط، كما لم تعُد للمغرب سفارة في الجزائر العاصمة، والمادة 45 من اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961 لا تنطبق على مقار أصبحت عادية بعدما تم إخلاؤها من موظفيها ومحفوظاتها وموجوداتها.
وأشار إلى أن "المعروف أن قطع العلاقات الدبلوماسية يرتب آثاراً قانونية على أوضاع الدبلوماسيين ومقار البعثة الدبلوماسية لدولة ما في دولة الاعتماد، من بينها عدم إضفاء الصفة الدبلوماسية على تلك المقار إلى الأبد بسبب انعدام العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين".
وتابع عبدالخالق أن المغرب التزم ممارسة حقه السيادي بالقانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال الموقت لعام 1983، والذي لا يمنع نزع ملكية عقارات بحوزة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين مغاربة أو أجانب من أجل المنفعة العامة"، مردفاً أن حكومة بلاده ملزمة تعويض أصحاب العقارات الخاضعة لنزع الملكية، ومن حق الجزائر أن تلجأ، بواسطة ممثلها القانوني، إلى القضاء الإداري في الرباط لمنازعة الحكومة في قيمة التعويض.