Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الليرة السورية... تاريخ من الهزائم وأمل في الاستقرار

صدرت للمرة الأولى سنة 1919 وكانت متداولة في دمشق وبيروت

في 1924 تغيّر اسم "البنك السوري" إلى "بنك سوريا ولبنان الكبير"، وتغيّر اسم العملة إلى "الليرة السورية - اللبنانية" (رويترز)

ملخص

صدرت للمرة الأولى سنة 1919، وكانت متداولة في سوريا ولبنان، وبعد الاستقلال كان الدولار الأميركي يساوي 2.19 ليرة سورية، ثم شهدت استقراراً عند حدود 47 مقابل الدولار قبل ثورة مارس 2011، لكنها خلال السنوات الـ14 الماضية تدهورت حتى وصلت إلى 15 ألفاً أمام الدولار.

في عام 1919، بعد مضي عام واحد على خروج العثمانيين من دمشق صدرت للمرة الأولى في التاريخ عملة خاصة بسوريا حملت اسم "الليرة السورية"، أصدرها البنك السوري في دمشق، وكانت تساوي 20 فرنكاً فرنسياً، كما كانت تستخدم في سوريا ولبنان.

وفي عام 1924 تغير اسم "البنك السوري" إلى "بنك سوريا ولبنان الكبير"، وتغير اسم العملة إلى "الليرة السورية - اللبنانية" التي تستخدم في البلدين، واستمر ذلك حتى عام 1937، إذ فُصلت الليرة السورية عن اللبنانية، وبُدِئ بإصدار عملتين منفصلتين في كل من سوريا ولبنان، وكلتاهما قابلة للدفع في البلدين.

وفي عام 1947، وبعد استقلال سوريا عن فرنسا اعتمد الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية، وكان كل دولار واحد يساوي 2.19 ليرة، وفي عام 1950 صدر قانون النقد السوري، وعبر هذا القانون حصلت الحكومة السورية رسمياً على امتياز الإصدار، وتأسيس مؤسسة إصدار النقد السوري التي طبعت الليرة السورية باسمها مع التغطية بالذهب.

وفي عام 1956 حملت الليرة السورية عنوان "مصرف سوريا المركزي"، وحددت قوانين المصرف المركزي صور الإصدار النقدي والتغطية النقدية، ثم تعدل السعر الثابت للدولار الأميركي ليصبح 3.65، ومع السنوات اللاحقة بدأت العملة السورية تشهد انخفاضاً تدريجاً، في الجدول التالي، مقارنة بأسعار العملة السورية مقابل الدولار خلال السنوات الـ50 الماضية:

سعر الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي

خلال السنوات الـ50 الماضية، كانت الليرة السورية تشهد انخفاضاً محدوداً بين الحين والآخر، وبعد حرب العراق، ومن ثم اتهام النظام السوري باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 ارتفع سعر الدولار أمام الليرة السورية ليصل إلى 65 ليرة للدولار الواحد للمرة الأولى في تاريخها، لكن بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وتحسين علاقات سوريا مع جوارها تحسنت قيمة الليرة واستقرت عند 47 للدولار الواحد، قبل أن تأتي الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، وتقلب الموازين كلياً.

المحطة الأولى نحو الانهيار

وبسبب عدم اليقين، بدأت الليرة السورية تفقد قيمتها بعد 2011، وبنهاية العام نفسه وصل سعر الدولار الواحد إلى 63 ليرة، ومع دخول عام 2012 وازدياد العنف وفرض عقوبات على نظام الأسد تراجعت الليرة السورية ليصل سعر الدولار الأميركي إلى 70 ليرة.

في عام 2013 دخلت الحرب السورية في عامها الثالث، فاستمرت الليرة السورية بالانهيار لتصل قيمة الدولار الواحد إلى 170 ليرة، ومع دخول تنظيم "داعش" إلى الأراضي السورية وتوسعه فيها عام 2014 وصل سعر الدولار إلى 220 ليرة، وبحلول العام الذي تلاه، خسرت الليرة السورية نحو 100 في المئة من قيمتها خلال عام واحد، وبنهاية 2016 بلغ سعر الدولار 500 ليرة، ووصل إلى 1000 ليرة للدولار الواحد بحلول سنة 2019.

"قيصر" يدمر الليرة

في منتصف 2020 وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في نهاية فترة رئاسته الأولى قانون "قيصر لحماية المدنيين السوريين"، وهو القانون الذي فرض عقوبات جديدة وقاسية على النظام السوري، مما انعكس سلباً على الاقتصاد وسعر الليرة، ومع نهاية 2020 وصل سعر الدولار الأميركي إلى أكثر من 2800 ليرة للمرة الأولى في تاريخه.

لم تكن الأعوام اللاحقة أفضل حالاً، بل على العكس تماماً، استمرت الليرة السورية بالانهيار التدريجي المتسارع فبلغ سعر الدولار عام 2021 نحو 3500 ليرة، ووصل إلى 5000 ليرة عام 2022، لكن العام 2023، كان "كارثياً" بالنسبة إلى الليرة السورية، فبلغ سعر الدولار بنهاية 2023 أكثر من 13 ألف ليرة.

النصف الأولى من 2024 حافظت الليرة السورية على نوع من الاستقرار عند 14 ألف ليرة للدولار الواحد، لكن بعد الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) وانطلاق معركة "ردع العدوان" بدأت الليرة تتراجع بصورة متسارعة، فبلغ سعر صرف الدولار 27 ألف ليرة خلال أيام.

استقرار بعد سقوط النظام

في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، بعد يومين من سقوط النظام السوري شهدت الليرة تحسناً ملحوظاً في قيمتها، فبلغ سعر صرف الدولار نحو 11 ألف ليرة، وسط غموض في شأن المستقبل في ظل ظروف سياسية لم تستقر حتى اللحظة.

وزير الاقتصاد في الحكومة السورية الموقتة (التابعة للائتلاف السوري المعارض) عبدالحكيم المصري قال لـ"اندبندنت عربية"، "سوريا خرجت حديثاً من حرب، لكن هذه الحرب من صور مختلفة، إذ كانت هناك مناطق تحت سيطرة النظام، ومناطق تحت سيطرة المعارضة، ومناطق تحت سيطرة فصائل أخرى، وكان التعامل بالعملات يختلف من منطقة لأخرى (على سبيل المثال في دمشق يتعاملون بالليرة السورية، وفي إدلب بالليرة التركية)، وأيضاً خلال فترة الحرب التي دمرت الناتج المحلي للبلاد، وتكلفة إعادة الإعمار تتجاوز 400 مليار دولار، وجميع هذه العوامل بالطبع ستنعكس على سعر صرف الليرة ومستقبلها لعدم وجود ناتج محلي حقيقي، لذلك أعتقد أن سعر الصرف سيواجه مشكلات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ديون شائكة وتحديات كبرى

أضاف المصري، "هناك قضية الديون المترتبة على سوريا لبعض الدول، وعلى وجه الخصوص روسيا وإيران، هذا الموضوع شائك وليس واضحاً بعد بسبب وجود اتفاقات دولية بهذا الخصوص، ومن ناحية أخرى أيضاً قامت إسرائيل بتدمير القدرة العسكرية في سوريا بالكامل، وهذا أيضاً ينعكس على الاقتصاد". وأشار الوزير في الحكومة السورية الموقتة إلى أن "حكومة تصريف الأعمال اليوم تتجه لزيادة الرواتب للموظفين في القطاع العام، وهذه الزيادة مهمة، لكنها قد تضعف اقتصاد الدولة إلا إذا رفعت العقوبات الغربية التي فرضت على سوريا في ظل الرئيس المخلوع، وبصورة عامة أعتقد أن مستقبل الليرة سيتضح أكثر خلال الأشهر الثلاثة القادمة، إذ نتوقع مزيداً من الاستقرار، وقد تُكسب ثقة المستثمرين الذين قد يرغبون بالاستثمار في سوريا في حال وجدوا بيئة آمنة".

وفي ما يتعلق بقضية استبدال العملة السورية قال المصري، "هذه القضية تواجه تحديات عدة، أهمها الكلفة، وكل قطعة تطبع تكلف نحو 20 سنتاً، في المقابل قيمة الدولار الواحد تصل إلى نحو 15 ألف ليرة، يعني أن كلفة طباعة العملة قد تكون أغلى من قيمتها، في المقابل الخزانة فارغة لأن النظام السابق صرفها على آلة الحرب، لذلك أعتقد أن الموضوع يجب أن يكون بصورة تدريجي ومدروس بدقة". وختم المسؤول السوري حديثه بالقول إن "هناك كثيراً من التحديات التي تواجه اقتصاد سوريا الجديدة، أولها صعوبة عودة المستثمرين، ومنهم السوريون الذين فضلوا الاستثمار بالخارج بعد الحرب، إذ إن معظم المستثمرين لن يعودوا ما لم تُهيَّأ البنية التحتية للاستثمارات مثل الكهرباء والماء والطرق وغيرها، لكن على رغم كل هذا في حال وجدت جهود وطنية صادقة مع تعاون دولي لمساعدة سوريا، فإن هذا سيسهم في تحسين الوضع الاقتصادي، وهذا بالتأكيد يحتاج بعض الوقت".

إنعاش حقيقي

من جانبه رأى الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة القاضي أن "قيمة العملة هي من قيمة السلع والخدمات التي يقدمها النشاط الاقتصادي للدولة، وما لم يُنعش الاقتصاد بصورة حقيقية ووضع اليد على الثروات النفطية والغازية لا يمكن إنعاش الاقتصاد بصورة صحية، لكن في حال تم تشكيل حكومة تكنوقراط والبدء بمشاريع إنعاش حقيقي، وعقد مؤتمر لتنمية الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار، وتدوير عجلة الاقتصاد، في هذه الحالة سيتم تراجع الاعتماد على التوريد، مما يؤدي إلى مزيد من الاستقرار الاقتصادي وارتفاع قيمة الليرة السورية". وأضاف القاضي، "بالنسبة إلى استبدال العملة لا يمكن لمثل عملية كهذه أن تتم بيوم وليلة، لأن قيمة النقد المتداول بالعملة المحلية يصل إلى 500 تريليون ليرة سورية، وهذا رقم كبير جداً يحتاج أشهراً عدة لأجل الطباعة فحسب، وقد يكون هناك تغيير آخر ربما حذف صفر أو صفرين من العملة، على سبيل المثال كل 100 ليرة قديمة تعادل ليرة جديدة واحدة، هذا وارد، ومن الممكن حذف أصفار عدة، وعند الطباعة بالتأكيد سيُتعاقد مع جهات عالمية، بحيث يصعب تزويرها". وختم المتخصص الاقتصادي حديثه بالقول إن "تبديل العملة يأتي بقرار من المصرف المركزي ووزارة المالية، وعملية استبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة تحتاج إلى نحو ستة أشهر تشمل فترة الطباعة وسحب العملة القديمة وضخ العملة الجديدة".

مستقبل شديد الغموض

أما المتخصص في الشأن الاقتصادي فراس شعبو فقال إن "مستقبل الليرة السورية يعتمد على عوامل عدة، منها مدى قدرة الحكومة على بث الثقة في المؤسسات السورية، وإعادة الثقة للاقتصاد السوري إضافة للسياسات الاقتصادية التي ستتبعها الحكومة، أما العامل الثاني المهم جداً للاقتصاد، فهو الاستقرار السياسي، وهذا يشمل إزالة العقوبات الأميركية والأوروبية، وغيرها، هذا العامل أحد أهم أركان تحسن الليرة والاقتصاد السوري، على سبيل المثال، مجرد إزالة قانون قيصر فإن هذا سينعكس مباشرة بصورة إيجابية على الاقتصاد".

أضاف شعبو، "من العوامل الأخرى التي ستؤثر في الاقتصاد هي مدى قدرة الحكومة على تحسين الناتج المحلي وزيادة الصادرات وتقليل الواردات ودعم المشاريع التنموية، لكن إذا استمرت الأمور من دون سياسة واضحة فالتضخم الكبير سيكون سيد الموقف، إذ إن مستقبل الليرة غير مسقر وضبابي جداً في ظل الأوضاع الراهنة". وأشار المتخصص السوري إلى أن "استبدال العملة يعني تغيير شكل العملة، وليس تغيير قيمتها أو سعرها، وليس من المستبعد أن يتم حذف أصفار من الليرة، فربما تُحذف ثلاثة أصفار لتكون الألف ليرة حالياً تساوي ليرة واحدة من العملة الجديدة، وبعد طباعتها وبدء ضخها في الأسواق نحتاج إلى فترة تستغرق من ستة أشهر إلى عام حتى يمكن القول إنه استُبدلت العملة بصورة كاملة، وهنا أشير إلى أن الاستبدال إذا رافقته إصلاحات اقتصادية فإنه لن يؤثر سلباً في قيمتها". وأكد شعبو أن "هناك تحديات تواجه الاقتصاد السوري منها تهالك البنية التحتية السابقة والفساد الذي نهش الاقتصاد السوري ويهدد ما بقي منه، ثم فقدان رأس المال البشري المتمثل باليد العاملة والأكاديميين والمتخصصين، وأخيراً موضوع الثقة بالمؤسسات، لذلك فإن بناء اقتصاد قوي يحتاج إلى بنية سياسية قوية، وتخفيف أو وقف النزاعات وتنويع موارد الدخل، وهذا أمر ممكن لأن الموارد السورية متنوعة، والأهم من هذا كله ضرورة الدعم الدولي، وتشجيع العودة الطوعية للاجئين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير