ملخص
يعزى حجم هذه الحركة الانتخابية الهائلة في الهند إلى عوامل عدة، بدءاً من أعداد الناخبين الضخمة، وانتهاءً بالتنوع الجغرافي الواسع للبلاد. فالاستعدادات تمتد من الشمال حتى الجنوب، من جبال الهيمالايا إلى السهول الشاسعة والمناطق الصحراوية والغابات المنتشرة على طول السواحل، ومن المدن إلى القرى
أكبر وأضخم عملية انتخابية ديمقراطية على وشك البدء في الهند، ولن يكون من الخطأ القول إن الانتخابات المقبلة، التي ستجرى خلال الشهرين المقبلين، هي الأكبر على هذا الكوكب. وبعد إعلان مفوضية الانتخابات في الهند الجدول الزمني للانتخابات العامة وبعض مجالس الولايات، السبت الماضي، بدأت البلاد الاستعدادات لهذا الحدث الانتخابي الضخم، ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات العامة في الهند، المعروفة باسم انتخابات "لوك سابها"، من الـ19 من أبريل (نيسان) المقبل، لانتخاب برلمان جديد.
وستجرى عملية التصويت في سبع مراحل على مدار ستة أسابيع حتى الأول من يونيو (حزيران)، وسيتم فرز الأصوات، في الرابع من يونيو، وعادة ما تتم معرفة النتائج الأولية في اليوم نفسه، وفقاً لما ذكرته مفوضية الانتخابات الهندية. وتصف اللجان الدولية التي ترصد الانتخابات عالمياً هذا الحدث بأنه احتفال بالديمقراطية، وتسلط الضوء عليه باعتباره "تمريناً هائلاً في الديمقراطية التي تمثل أكبر حركة انتخابية في العالم نظراً للإنسان والمادية"، وسيشارك 970 مليون هندي، مما يعني أكثر من 10 في المئة من سكان العالم في انتخاب 543 عضواً لمجلس النواب في البرلمان لفترة تستمر خمس سنوات.
حتى ركوب الخيل
ويعزى حجم هذه الحركة الانتخابية الهائلة في الهند إلى عوامل عدة، بدءاً من أعداد الناخبين الضخمة، وانتهاءً بالتنوع الجغرافي الواسع للبلاد. فالاستعدادات تمتد من الشمال حتى الجنوب، من جبال الهيمالايا إلى السهول الشاسعة والمناطق الصحراوية والغابات المنتشرة على طول السواحل، ومن المدن إلى القرى.
ووفقاً لبيانات مفوضية الانتخابات، يعد عدد الناخبين المسجلين في الهند واحداً من أعلى الأرقام في التاريخ، إذ يقترب من 968 مليون ناخب. وتشمل هذه الأعداد مجموعة متنوعة من الفئات، بما في ذلك الرجال والنساء والشباب والأشخاص المتحولون جنسياً.
ولتأمين هذه العملية الضخمة، تقوم اللجنة الانتخابية بنقل آلات التصويت الإلكترونية إلى مختلف الأماكن، بدءاً من الأماكن السهلة الوصول إليها إلى الأماكن الصعبة، مثل المناطق الجبلية، وتستخدم اللجنة وسائل النقل المتنوعة مثل الحافلات والقطارات والرحلات الجوية والدراجات والمروحيات، وحتى ركوب الخيل، لتأمين وصول آلات التصويت إلى كل جزء من البلاد، بغض النظر عن مدى صعوبة الوصول إليها. وفي بعض المناطق الباردة التي تقع على ارتفاعات أعلى، يتعذر الوصول إليها بسهولة، ولكي تصل سلطات المفوضية إليها، يحملون أسطوانات الأوكسجين وأكياس النوم والطعام والمشاعل وأجهزة التصويت على ظهورهم أو على الخيل للوصول إلى الناخبين. وكل هذه العوامل تجعل الانتخابات العامة في الهند واحدة من أكبر العمليات الانتخابية في العالم.
تكلفة الصراع الانتخابي
وأصبحت انتخابات "لوك سابها" في الهند مرادفة للإنفاق الضخم، إذ كسرت كل انتخابات متتالية الأرقام القياسية السابقة. والإنفاق المالي الذي تنطوي عليه هذه الممارسات الديمقراطية مذهل، ويعكس حجم وكثافة العملية الانتخابية في الهند. ففي عام 2014، بلغ إنفاق الحكومة المركزية على انتخابات "لوك سابها" في الولايات والأقاليم الاتحادية ذات الهيئات التشريعية نحو 534 مليون دولار. وغطت هذه الكلفة جوانب مختلفة مثل صيانة المكاتب، وإعداد وطباعة القوائم الانتخابية، ورسوم إدارة الانتخابات، وإصدار بطاقات الهوية المصورة، بما في ذلك السفر والإقامة أثناء التجول في الهند والإعلانات. ومع ذلك، فإن الإنفاق الحكومي مجرد جانب واحد من الإنفاق الانتخابي الإجمالي. وتضخ الأحزاب السياسية أموالاً كبيرة في حملاتها، إذ ينفق المرشحون والأحزاب والمانحون الأثرياء والأطراف الداعمة الداخلية والخارجية المليارات.
ووفقاً لتقرير صادر عن مركز الدراسات الإعلامية الهندية، تم إنفاق ما يقارب ثمانية مليارات دولار خلال الانتخابات العامة في عام 2019، ويمثل حزب "بهاراتيا جاناتا" بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ما يقارب نصف هذا الإنفاق. ولذا، وضعت فورة الإنفاق هذه معايير جديدة، متجاوزة حتى الموازنة الضخمة للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتي بلغت نحو 6.5 مليار دولار وفقاً لمركز السياسة المستجيبة. وتتميز العملية الانتخابية في الهند بتجمعات جماهيرية باهظة، وإعلانات مكثفة، وحملات قوية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكل هذا يتكبد كلفة باهظة.
معركة شرسة بين التحالفين
ومن المتوقع أن يتنافس آلاف من المرشحين خلال الانتخابات المقبلة، إذ تستعد مئات الأحزاب مع الهتافات المؤثرة، ولكن يترقب الجميع معركة شرسة بين التحالفين الرئيسين: "التحالف الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، و"التحالف الوطني الشامل للتنمية الوطنية"، بقيادة حزب "المؤتمر الوطني الهندي".
وقال المتخصص السياسي البروفيسور أبروا نند "يواصل مودي حملاته الانتخابية النشطة في مختلف أنحاء البلاد، حيث افتتح مشاريع جديدة، وألقى خطباً وتفاعل مع الناخبين، وتلقت شعبيته دفعة بعد افتتاحه معبداً هندوسياً في مدينة أيودهيا الشمالية في يناير (كانون الثاني) 2024، مما اعتبر بداية غير رسمية لحملته الانتخابية، نظراً إلى تحقيقه وعد حزبه بالقومية الهندوسية. وعلى رغم استطلاعات الرأي التي تتوقع فوز حزب (بهاراتيا جاناتا)، يواجه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يسعى إلى فترة ثالثة على التوالي، تحدياً ضئيلاً من تحالف المعارضة الرئيس، الذي يضم أكثر من 20 حزباً إقليمياً، ومع ذلك، فإن كتلة المعارضة تعاني اضطرابات داخلية، تتمثل في المنافسات والانشقاقات والصراعات الأيديولوجية".
أضاف المتخصص السياسي أن الفكرة السائدة تتحدث عن فوز مودي في استطلاعات الرأي على نطاق واسع، لكن المعارضين السياسيين غير راضين عن ذلك، وأعربت سوبريا شيندي المتحدثة باسم حزب "المؤتمر" عن اعتراضها على صدقية الاستطلاعات، واتهمت مودي باستغلال السلطات المستقلة لصالحه وصالح حزبه خلال فترتي ولايته، وتحدثت شيندي عن المخاوف المتعلقة بارتفاع معدلات البطالة والديون، وانتشار الطائفية والكراهية، ومختلف القضايا الاجتماعية، واستفسرت كيف يمكن للمرء أن يدعي فوز مودي في الانتخابات في ظل تجاهل هذه التحديات؟ وأكدت شيندي استمرار المعارضة في مواجهة هذه القضايا.
ولاية جامو وكشمير
وفي ظل الإبلاغ المستمر حول الانتخابات الهندية، جذبت ولاية جامو وكشمير الانتباه بعد رفض المفوضية الهندية إجراء انتخابات الولاية في المنطقة بسبب الأسباب الأمنية، ويعد هذا التراجع حدثاً محرجاً وغير عادي، بخاصة في ظل الوضع السياسي المتوتر في المنطقة بعد إلغاء الحكم شبه الذاتي لإقليم جامو وكشمير عام 2019.
وعزا رئيس مفوضية الانتخابات راجيف كومار أسباب القرار الذي أصدرته اللجنة، بعد ست سنوات، لعدم وجود حكومة محلية منتخبة في الولاية، وأكد أن هناك مخاوف أمنية مشروعة تتعلق بالحاجة إلى ضمان الأمن وترسيم الحدود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته عبر رئيس الوزراء السابق عمر عبدالله عن خيبة أمله إزاء هذا القرار، مؤكداً ضرورة أداء لجنة الانتخابات دورها في تعزيز الديمقراطية، وأشار عبدالله إلى أهمية إجراء انتخابات لتحقيق التمثيل السياسي الشامل لسكان الولاية.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قد نجحت في إقناع العالم بأن الأمور تسير بسلام في كشمير، وهو ما صدم السكان المحليين الذين يشعرون بخيبة الأمل من عدم إمكانية الإعلان عن الانتخابات في المنطقة.
تكهنات ومخاوف
ومع إعلان تواريخ التصويت دخلت "مدونة قواعد السلوك النموذجية" حيز التنفيذ، ويتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة في إدارة العملية الانتخابية. وتمنح هذه المدونة اللجنة الانتخابية سلطة أكبر للإشراف على السير الجيد للانتخابات وضمان نزاهتها، وقد طلبت اللجنة الانتخابية من جميع الأحزاب السياسية وقادتها الالتزام الصارم بقواعد السلوك الجديدة، التي تحدد قواعد ومنع السلوكات غير المقبولة قبل وخلال فترة الانتخابات حتى إعلان النتائج. وتشمل هذه القواعد الخطاب السياسي، وإجراءات الاقتراع، واستخدام الأماكن المقدسة، ومحتوى البرامج الانتخابية، والتظاهرات السياسية، والسلوك العام.
وفي هذا السياق، فإن المدونة تسمح بانتقاد ومراجعة الأحزاب السياسية والمرشحين استناداً إلى سجلهم وأدائهم من دون التسامح مع النداءات الطائفية، كما تحظر استخدام أماكن العبادة لأغراض الحملات الانتخابية، وتحث اللجنة الحكومة الهندية وإداراتها على اتخاذ إجراءات لضمان عدم استخدام الامتيازات الرسمية لأغراض الحملات الانتخابية والسياسية، وعدم الإعلان عن مشاريع أو سياسات جديدة قد تؤثر في سلوك الناخبين.
وعلى رغم تطبيق مدونة قواعد السلوك في الهند، فإن هناك تكهنات ومخاوف من أن الحزب الحاكم قد يؤثر في السلطات، ويزعم المنتقدون أن حزب "بهاراتيا جاناتا" شارك في ممارسات مماثلة خلال الانتخابات السابقة، إذ واجه رئيس الوزراء مودي عديداً من الادعاءات الخطرة بانتهاك مدونة قواعد السلوك النموذجية من دون مواجهة أي تداعيات من لجنة الانتخابات.
في الأثناء، قال أبروا نند "نحن جميعاً نتفهم هذا، وقد رأيناه في الماضي، إن السعي إلى الحصول على الأصوات باسم الدين يعد انتهاكاً واضحاً لقواعد السلوك، وليس لدى حزب (بهاراتيا جاناتا) أي شيء سوى الدين ليتلاعب بعقول الناخبين". ومع ذلك، يأمل الخبراء في أن تظهر لجنة الانتخابات الحياد وتنعقد الانتخابات بنجاح من دون تحيز أو خوف.