ملخص
أرسى الإنجليز النظام البرلماني في شبه القارة الهندية التي تتبعها الهند وباكستان وبنغلاديش اليوم، فماذا نعرف عنه؟
يستعد ملايين الناخبين في باكستان للتصويت في الانتخابات النيابية الأسبوع المقبل بينما تعقد الانتخابات العامة في الجارة الهند في وقت لاحق من هذا العام. ويعود تاريخ الانتخابات في شبه القارة الهندية لعام 1920، عندما أتيحت الفرصة للملايين من سكانها لانتخاب ممثليهم للمرة الأولى في تاريخ المنطقة.
سابقاً، كان نظام الـ"بانشايت" (مجلس مكون من أعيان المنطقة) سائراً في معظم مناطق الهند، لكن على رغم كونه ممثلاً جزئياً للشعب فإنه لم يكن ديمقراطياً بالكامل لأنه لا يتبع قوانين محددة، ويسهل على أصحاب النفوذ من ملاك الأراضي أو الموظفين الحكومين ليّ ذراعه إذا أرادوا ذلك.
ونجد ذكر نظام الـ"بانشايت" هذا في التاريخ القديم والكتب المقدسة الأثرية للهند، إذ كانت هذه المجالس تحظى بأهمية بالغة حتى في عهد شاندار غيت موري (500 ق. م)، وعلى رغم عدم وجود نظام للتصويت فإن المجالس كانت تعمل بناءً على ثقة الناس بها.
قدوم الإنجليز
ظهرت بوادر الديمقراطية الحديثة في شبه القارة الهندية في القرن الـ19 الميلادي، عندما استولت بريطانيا العظمى على الحكم ووضعت بعض القوانين لإدارة البلاد وتسيير شؤون الدولة المترامية الأطراف. ونرى في هذا السياق تنفيذ قانون الحكومية الهندية 1858، ثم حدثت تعديلات في هذا القانون لينفذ قانون مجالس الهند (1861) الذي أعطى جميع السلطات إلى مجلس تابع للحاكم الإنجليزي الذي كان له الحق في اختيار أعضاء المجلس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع مرور الوقت بدأت السلطة المرتكزة في يد الحاكم الإنجليزي تنتقل تدريجاً إلى طبقة منتخبة من السكان المحليين أولاً ثم إلى بعض طبقات الشعب الهندي، حتى تم إعطاء حق التصويت لعموم الشعب وتغيير تشكيلة المجالس الحاكمة لترتفع نسبة الأعضاء المنتخبين عن الأعضاء المعينين من قبل الحاكم الإنجليزي.
وقامت حركة الوعي السياسي من قبل حزب "كانغرس" الذي شكل عام 1885، وحزب "الرابطة الإسلامية" الذي بدأ أعماله عام 1906، بدور كبير في إحداث تغييرات على الساحة السياسية، إذ كانت الأحزاب السياسية في حال تدافع دائم مع السلطة الإنجليزية لأخذ حقوقها وتقليص النفوذ الأجنبي.
وأثمرت هذه الجهود عن انتزاع حق التصويت عام 1909 عندما وافق البرلمان البريطاني على "إصلاحات مانتو مارلاي"، وتنص على إعطاء حق انتخاب الممثلين على مستوى الحكومة المحلية، لكن هذه الإصلاحات لا تخلو من بعض النواقص، إذ اقترح القانون تكوين مجلس تشريع يتكون من 68 عضواً يتم انتخاب 27 منهم فقط، ولا يحق الانتخاب للرجل العادي بل يتم اختيار الأعضاء الـ27 من قبل أعضاء اللجان البلدية والمجالس المحلية والجامعات وغرف التجارة وأصحاب الأعمال، إضافة إلى ملاك الأراضي والمزارعين الكبار.
يرى بعض المتخصصين أن هذا القانون سهل حكم التاج البريطاني بدلاً من إعطاء حق الانتخاب للشعب الهندي، كما أنه أرسى أسس الانقسام السياسي ذات الطابع الديني في الهند بتخصيص مقاعد للمسلمين في المجلس.
الحرب وقواعد اللعبة
وقع حزب "كانغرس" وحزب "الرابطة الإسلامية" عام 1916 على "معاهدة لكهنو" التي طالبت بريطانيا بإعطاء حكومة مستقلة للشعب الهندي لتظهر حزمة إصلاحات قانونية جديدة عام 1919، والتي وصفتها بريطانيا بأنها إيفاء لوعدها للشعب الهندي عقب الحرب العالمية الأولى.
ووفقاً للتعديلات الجديدة خصصت مقاعد محددة للمسلمين والسيخ، كما شكلت هيئة تشريعية تتكون من مجلس الدولة الأعلى الذي يبلغ عدد أعضائه 60 ينتخب 34 منهم، ومجلس نيابة يشتمل على 145 مقعداً، لـ105 منتخبين بينما يتم تعيين 40 مرشحاً من قبل الحاكم الإنجليزي، لترتفع نسبة المنتخبين على المعينين للمرة الأولى منذ إنشاء المجالس من قبل الإنجليز.
إضافة إلى ذلك، حددت مدة المجلس الأعلى بخمسة أعوام، بينما تكون مدة المجلس النيابي ثلاثة، ويحق للحاكم العام تمديد هذه المدة، كما شكّلت مجالس نيابية على المستوى الإقليمي، وقسمت فيها المقاعد بين غالبية انتخابية وأقلية معينة.
يذكر هنا أن الأنظمة الديمقراطية في باكستان والهند وبنغلاديش اليوم هي امتداد للهيكل التشريعي الذي وضعه الإنجليز أثناء احتلالهم لشبه القارة الهندية.
حق تصويت محدود
وفتحت التعديلات القانونية المجال لعقد أول انتخابات في تاريخ شبه القارة الهندية لتصبح سابقة تاريخية في المنطقة، ويختار الشعب الهندي ممثليه في المجالس التشريعية للمرة الأولى. وتظهر أرقام التعداد السكاني الذي أجري عام 1921 أن عدد سكان الهند كان يفوق 250 مليون نسمة، لكن عدد الناخبين المسجلين للمجلس الأعلى بلغ 17 ألف ناخب فقط، بينما وصل عدد الناخبين للمجلس النيابي إلى 1.1 مليون ناخب. وتظهر هذه الأعداد أن حق التصويت كان محدوداً في فئات معينة، كما أن حق الترشح أيضاً كان محدوداً لرجال الأعمال والنواب المحليين وبعض الفئات المحدودة الأخرى.
من جانب آخر، أعلن الزعيم الهندي الكبير كرم شاند غاندي مقاطعة الانتخابات لأنه كان يطالب بالاستقلال الكامل للهند، لكن الانتخابات أجريت على رغم مخالفته وإعلانه حركة عدم التعاون مع الإنجليز، ليظهر "الحزب الديمقراطي" كأكبر حزب في الهيئة التشريعية مع 48 عضواً منتخباً، بينما بلغ عدد الأعضاء المستقلين 47 عضواً. وعقدت الجلسة الأولى للهيئة التشريعية في التاسع من فبراير (شباط) عام 1921 التي حضرها نجل الملكة فيكتوريا دوق كينت. وأعطيت الهيئة التشريعية حق سن جميع القوانين باستثناء ما يتعلق بالحاكم الإنجليزي أو وزير الهند، إضافة إلى كون السياسة الخارجية وأمور الدفاع والمالية والدين خارج نطاق الهيئة التشريعية.
وشكلت الكابينة الوزارية المكونة من 25 وزيراً بينهم 21 بريطانياً على رغم كونهم الأقلية داخل المجلس، ليتبين أن بريطانيا حاولت خلق انطباع بأنها فوضت شؤون الهند لسكانها بينما كانت السلطات الحقيقية مرتكزة في يد الإنجليز، حتى إن الشعب الهندي لم يكن لديه حق التصويت بصورة كاملة. ولهذا السبب اتفق حزبا "كانغرس" و"الرابطة الإسلامية" على المطالبة بالحقوق السياسية، بما في ذلك حق الاقتراع لجميع فئات الشعب الهندي، إضافة إلى تخصيص مقاعد نيابية للأقليات الدينية.
أخيراً، يمكن القول إن انتخابات 1920 لم تكن مثالية، لكنها مهدت الطريق لمزيد من الحريات والحصول على استقلال كامل من الاحتلال البريطاني.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"