ملخص
تأتي التبدلات الأخيرة في جسم الفصيل العسكري المعارض المدعوم من واشنطن مع التصعيد الإيراني والمناكفات مع القواعد الأميركية في البادية السورية
أحاطت تغييرات طرأت على قيادة "جيش سوريا الحرة"، أحد فصائل المعارضة السورية، كثير من التساؤلات حول ما إذا كانت القوات الأميركية تعمل على ترتيب البيت الداخلي لفصيل يتلقى دعمه من قبل التحالف الدولي منذ بدء محاربة تنظيم "داعش" وإلى اليوم، إذ يحارب ويتخذ من قاعدة "التنف" أو منطقة الـ"55" مقراً لعملياته، وهي منطقة "المثلث الحدودي" واقعة على الحدود المشتركة بين الأردن، والعراق، وسوريا.
المعلومات الأولية الواردة حول ما يحدث داخل الجسم العسكري لـ"جيش سوريا الحرة"، وما رافقه من تبديلات طارئة في قيادته، تندرج ضمن محاولة إنعاش ما كان يسمى "مغاوير الثورة" ويضم قرابة الـ500 مقاتل، عبر تعيين المقدم المنشق عن جيش النظام السوري، سالم تركي العنتري قائداً لـ"جيش سوريا الحرة"، بدلاً من محمد فريد القاسم في أواخر فبراير (شباط) الماضي.
ويأتي تعيين العنتري في ظرف استثنائي تعيشه المنطقة برمتها لا سيما الاشتباكات المتصاعدة بين قواعد الجيش الأميركي في شرق سوريا، والفصائل الموالية لإيران. من ثم ارتفعت وتيرة التدريبات لهذه القوات بغية وضع هذا الفصيل المعارض ضمن سياق الأحداث الدائرة، وكواجهة للعمليات في القريب العاجل.
وكان قد أعلن عن إعادة تشكيل "جيش سوريا الحرة" في عام 2015، تحت اسم "جيش سوريا الجديد" بدعم أميركي، ومهمته حفظ الأمن وحماية منطقة مخيم الركبان، وعمليات التنسيق الأمني مع المجتمع المحلي، حتى أعادت قاعدة التنف بإشراف أميركي تسمية الفصيل باسم "سوريا الحرة" في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فيما لم يصدر أي تصريح حول العوامل التي دفعت إلى إجراء هذه التغييرات التي جاءت عقب محاولة اغتيال القائد السابق محمد فريد القاسم.
وتسعى قاعدة التنف، إحدى أكبر القواعد الأميركية في المنطقة المعروفة باسم "55"، إلى منع وقوع اشتباكات بين القوات الأميركية والروسية وذلك شرقي محافظة حمص، وهي قاعدة تمركز لقوات التحالف وتضم أكبر عدد من الجنود الأميركيين، يناهز عددهم الـ200 مقاتل.
ونالت "التنف" نصيبها من الضربات الصاروخية وقصف الطائرات المسيرة من قبل مجهولين، في حين تتهم واشنطن الفصائل المدعومة من إيران بتصعيد الهجمات منذ إطلاق عملية "طوفان الأقصى"، لترد الولايات المتحدة بضربات جوية واسعة في سوريا والعراق تستهدف مقار عسكرية ولوجيستية لهذه الفصائل أسقطت ما يزيد على 30 مقاتلاً في صفوفها.
ويجزم مراقبون بتزايد الاهتمام حالياً بتدريب الفصائل الرديفة للقوات الأميركية التي تقدم دعمها العملياتي والاستخباراتي والتدريب لـ"جيش سوريا الحرة"، وكذلك لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) كشريكين في محاربة فلول دولة "داعش" (2014 - 2019) الساعين للعودة إلى الواجهة. إلا أنه يبدو أن قطع طريق طهران- دمشق- بيروت سيكون أبرز المهام المقبلة للفصيل المحارب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم من نفي القائد الجديد، العنتري أي تنسيق رسمي مشترك مع الأردن، فإن مصدراً ميدانياً أفاد بـ"تكثيف دوريات جيش سوريا الحرة على طول الحدود، وتوقيف شحنات مخدرات كانت بطريقها لعبور الحدود الأردنية خلال الفترة الماضية، مما يؤشر إلى وجود مواقع لإنتاج المواد المخدرة في البادية القريبة من منطقة الـ(55) ومن الوارد أن يسد الثغرات التي تمر من خلالها شبكات التهريب".
وثمة اهتمام متزايد من الجانب الأميركي ليس بوقف تهريب المواد المخدرة وحسب، بل وقطع شريان الإمداد الواصل بين سوريا وإيران مروراً بالعراق حتى الأردن، حيث تنشط عمليات تهريب السلاح والعتاد اللازم نحو الضفة الغربية. وزادت المساعي الأميركية مع احتدام معركة غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 وما تبعها من إمدادات لوجيستية لأفراد "حماس".
في المقابل، كشف جهاز "الشاباك" الإسرائيلي عن ضلوع طهران بتمرير أسلحة متطورة لفصائل ما يسمى "محور المقاومة"، تصل إلى الضفة الغربية. ولعل أجهزة أمنية سماها "الشاباك" بالاسم تلعب هذا الدور المحوري في تهريب السلاح، منها "الشعبة 4 آلاف"، وشعبة العمليات الخاصة بالاستخبارات التابع للحرس الثوري، ووحدة العمليات في فيلق القدس، الوحدة 804.
وتحدث الشاباك في بيان عن "ضبط كمية كبيرة من السلاح إيرانية الصنع منها عبوات ناسفة، وألغام مضادة للدروع وقذائف آر بي جي وغيرها".
في غضون ذلك تنظر موسكو بعين القلق حيال نشاط "جيش سوريا الحرة"، وفق معلومات استخباراتية كشفت عن نشاطات عسكرية للجيش الأميركي شرقي سوريا هدفه ضرب قوات النظام السوري وبث حالة من عدم الاستقرار الأمني في البلاد من خلال إنشاء تنظيمات ومجموعات إسلامية متطرفة.
واتهم مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة فاسيلي نبينيزيا واشنطن بالعمل على إنشاء ما يسمى "جيش سوريا الحرة" في الرقة وهي نسخة من التنظيم الإرهابي الذي شكلته الاستخبارات الأميركية في منطقة التنف على المثلث السوري- العراقي- الأردني. وسبق لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن حذر من إنشاء الفصيل في الرقة في مايو (أيار) من العام الماضي.
ويتشكل "جيش سوريا الحرة" من مجموعات تضم مقاتلين وضباطاً منشقين عن الجيش النظامي، وأعلن مسؤوليه في تصريحات صحافية حديثة الانفتاح على الحوار مع كل الأطراف، ومن المتوقع أن ينخرط بتدريبات مشتركة مع "قوات سوريا الديمقراطية".
ومع ذلك يبقى من المستبعد تعاونه مع "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية المسلحة المدعوم من تركيا، وكان يطلق عليه اسم "الجيش الحر"، لكن هذا الأمر قد يتبدل مع التقارب الأميركي- التركي، ومرتبط بطبيعة التبدلات والأجندات الخارجية السياسية والميدانية التي تتطور وتتأثر بالتطورات الإقليمية والدولية.