آخر رسالة وجهتها عاملة إغاثة عبر صحيفة "اندبندنت" قبل مقتلها 

تحدثت عاملة إغاثة قُتلت في غارة إسرائيلية شنت على غزة إلى صحيفة "اندبندنت" قبل مقتلها بقليل، كاشفةً عن عزمها اقتناص "كل فرصة متاحة" من أجل إيصال الطعام إلى السكان الجوعى.

قُتلت زومي فرانكوم عن عمر 43 سنة، أثناء عملها مع المنظمة الخيرية "المطبخ المركزي العالمي"، ووجودها على طريق ساحلي في دير البلح وسط قطاع غزة. 

كانت عاملة الإغاثة التي تحمل الجنسية الأسترالية واحدة من بين سبعة عاملين في المنظمة الخيرية، من ضمنهم ثلاثة مواطنين بريطانيين، قُتلوا بعد تنسيق عملية توصيل مئات الأطنان من المواد الغذائية عبر طريق بحري انطلاقاً من قبرص. وكشفت "بي بي سي" أنّ البريطانيين الثلاثة هم جون تشابمان وجيمس هندرسون وجيمس كيربي.  

وقد أقرّت إسرائيل بمسؤوليتها عن القصف الذي طاول موكب "المطبخ المركزي العالمي" بسياراته الثلاث.    

والتقت السيدة فرانكوم، التي وصفها أصدقاؤها بأنها "نجمة ساطعة" و"هبة للعالم"، بصحيفة "اندبندنت" منذ ثلاثة أسابيع أثناء عملها في عمليات إنزال المساعدات الإنسانية في الأردن. وكانت تلك المقابلة من بين آخر المقابلات التي أجرتها قبل مقتلها. 

كانت السيدة تساعد في تحميل ألواح مليئة بالطعام والوجبات على متن طائرة داخل قاعدة عسكرية أردنية خارج عمان، وتعمل بحماسة مُعدية. جُهزت مواد الإغاثة بغية إسقاطها فوق أشدّ المناطق المنكوبة في غزة، التي تكاد لا تصلها أي مساعدات.  

وقالت لصحيفة "اندبندنت"، "خلفنا طائرة (نقل عسكرية) من طراز "سي 130" محمّلة بـ16 لوحاً من الوجبات الجاهزة للأكل التي قدمها المطبخ المركزي العالمي، وسوف تُقلع بعد لحظات متّجهةً إلى شمال غزة"، فيما كانت الطائرة تستعد للإقلاع خلفها. وأضافت "هذا جزء من عمل المطبخ المركزي العالمي الأوسع في غزة حيث قدمنا أكثر من 30 مليون وجبة حتى الساعة". 

وقالت إن "اللجوء إلى الإنزالات الجوية هو إحدى الطرق القليلة المتاحة لإدخال المساعدات إلى شمال غزة".

ومنذ بداية عملية القصف العنيف التي شنتها على غزة، والحصار الخانق الذي ضربته على القطاع رداً على هجوم "حماس" في جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أغلقت إسرائيل كافة المعابر البرية إلى الشمال. وهناك، يُعتقد أن 300 ألف شخص يعانون من المجاعة أو من ظروف شبيهة بالمجاعة بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي حذّرت من أن الأطفال يموتون من الجوع والعطش. 

السيدة فرانكوم التي وصفها أصدقاؤها بـ "النجمة الساطعة" بسبب عملها في إطعام الناس (نايت موك)​​​​​​​

أثناء وجودها في الأردن الشهر الماضي، قالت السيدة فرانكوم إنها وفريقها عازمون على محاولة استغلال كافة الطرق لإيصال أكبر كمية ممكنة من الطعام إلى أشد المحتاجين إليها. 

وشددت السيدة التي كانت تعتمر قبعة عليها شعار "المطبخ المركزي العالمي" وترسم ابتسامة عريضة على وجهها "لأن الطرق قليلة، فلنستغلها كلها"، مضيفةً "فلنقتنص كل فرصة مُتاحة لكي نُدخل الوجبات إلى غزة. فلنستغل الطرق كلها". 

عملت منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، التي أسسها الشيف الشهير خوسيه أندريس، على إيصال المساعدات إلى غزة عبر القنوات البرية والجوية وفي الآونة الأخيرة، القنوات البحرية. وأنشأت المنظمة أخيراً رصيفاً بحرياً مؤقتاً في وسط قطاع غزة للمساعدة على استقبال مئات الأطنان من المساعدات المخصصة للشمال من السفن التي تصل عبر طريق بحري جديد نسّقته مع الإسرائيليين، ينطلق من قبرص.  

قُتلت السيدة فرانكوم في غارة إسرائيلية مساء الإثنين بعدما أفرغت مع فريقها آخر شحنة مساعدات وصلت في وقت سابق من تلك الليلة من لارنكا في قبرص.

وعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عملية القتل قائلاً إنها "غير متعمّدة".

تطوعت السيدة فرانكوم أول مرة مع "المطبخ المركزي العالمي" في عام 2018، إذ صادف انفجار "بركان فويغو" أثناء وجودها في غواتيمالا لقضاء إجازتها. وتطوعت في أحد المطابخ الطارئة التابعة للمنظمة التي عملت على إطعام السكان المنكوبين، ثم انتقلت لمساعدة الأشخاص الذين بالكاد نجوا من إعصار مايكل في فلوريدا في وقت لاحق من العام نفسه. 

انضمت إلى المنظمة كموظفة بدوام كامل في مطلع عام 2019، وترأست عدة عمليات تدخّل لـ"المطبخ المركزي العالمي"، منها إطعام الجوعى خلال أزمة فنزويلا في عام 2019 والمتضررين من حرائق الغابات في أستراليا في عام 2020، قبل أن تسافر إلى أريزونا للعمل مع "قبيلة نافاجو" التي فُجعت بمعدلات وفيات من بين الأعلى في العالم خلال جائحة "كوفيد-19".  

جابت السيدة فرانكوم العالم كي تُطعم أشد المتضررين (نايت موك)   ​​​​​​​

أدارت السيدة فرانكوم كذلك عمليات "المطبخ المركزي العالمي" استجابة للحرب على أوكرانيا في مناطق مثل رومانيا وسط أكبر أزمة لاجئين تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وعملت في إندونيسيا وجزر الباهاما خلال الكوارث والأزمات الطبيعية. 

بعد تنسيقها عمليات إنزال وجبات "المطبخ المركزي العالمي" جواً في الأردن، سافرت إلى القاهرة ثم دخلت غزة للمساعدة في إيصال المساعدات البحرية. 

وقال نايت موك، الذي شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي"، وهو من عيّن السيدة فرانكوم في المنظمة، إنه تحدث إليها منذ أسابيع قليلة وأخبرته عن إصرارها على إطعام الجائعين في غزة.  

وصرّح لصحيفة "اندبندنت"، "تمتّعت زومي بالقدرة على إلهام وتحفيز مئات المتطوعين من إيصال الوجبات إلى الخطوط الأمامية، إلى بناء العلاقات مع السكان المتضررين. كان من المذهل مشاهدة ما تفعله".

"أعتبر معرفتي بزومي هبةً، وستلازمني تلك الذكريات للأبد. كانت نجماً ساطعاً وقدّمت مساعدات كثيرة للناس في أحوج أوقاتهم إليها. هذه خسارة فادحة للعالم فعلاً".