ملخص
الهرب إلى تكبير العدو ليس ضماناً للنجاح، ولا بالطبع للقضاء على الإرهاب. فلا غزو أميركا لأفغانستان والعراق قاد إلى ما هو أقل من دفع أثمان باهظة بالمال والدم، مقدرة بنحو ثمانية تريليونات دولار، ثم التسليم بعودة "طالبان" إلى حكم أفغانستان بعد 18 سنة من إسقاط النظام، وتسليم العراق إلى الفوضى والهيمنة الإيرانية
أخطر القرارات هي التي يتخذها القادة في غضب، لا على طريقة جون أوسبورن في مسرحية "أنظر إلى الوراء في غضب"، بل على طريقة الرئيس فلاديمير بوتين وقبله الرئيس جورج بوش الابن في النظر إلى أمام في غضب. وروسيا المصدومة بعد مذبحة "كروكوس سيتي" في موسكو على يد "داعش - خراسان" هي في موقع أميركا المصدومة بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن يوم 11-9-2001 على يد "القاعدة". بوش الابن لم يقبل أن تكون "القاعدة" هي وحدها من وجه ضربة شديدة لقوة عظمى، فاختار أن يكون العدو إلى جانب أسامة بن لادن هو نظام "طالبان" في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، وغزا البلدين. وديك تشيني نائب الرئيس الذي أراد التخلص من صدام سريعاً هو نفسه وزير الدفاع مع الرئيس جورج بوش الأب الذي دافع عام 1994عن القرار بعدم إسقاط صدام بعد إخراج قواته من الكويت في "عاصفة الصحراء" بالقول: عندما تذهب إلى العراق وتسقط نظام صدام، فماذا تضع في مكانه؟ إنه "مستنقع"، كما روى ستيف كول في كتاب "فخ أخيل". وبوتين لم يقبل أن يكون العدو لقوة ذات طموح إمبراطوري هو فقط "داعش - خراسان"، فاختار العدو الذي صنعه من قبل: أوكرانيا وأميركا وكل الغرب. وما فعله فوراً في غضب هو تدمير المحطات والمراكز الحرارية في أوكرانيا لحرمان الملايين من الكهرباء والماء وسواهما.
لكن ضربة "داعش" لم يكن من المفترض أن تكون خارج التوقعات بالنسبة لأجهزة الأمن الروسية القوية، بصرف النظر عن قول واشنطن إنها قدمت إلى موسكو معلومات مفصلة وتحذيراً من عمل تخطط له "داعش - خراسان" رآها بوتين مؤامرة سياسة وحرباً نفسية على روسيا. فالتنظيم الإرهابي بدأ توجهاً جديداً نحو عمليات في أوروبا التي دفعتها مذبحة "كروكوس سيتي" إلى أكبر استنفار أمني في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسواها. الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الوسطى الأميركية أبلغ الكونغرس بأن "داعش - خراسان" يملك الإرادة والقدرة على مهاجمة المصالح الغربية بما فيها الأميركية خلال أقل من ستة أشهر، لا بل إن "داعش - خراسان" له ثأر على روسيا بسبب حرب الشيشان واحتلال أفغانستان وحرب سوريا. ويقول كولين كلارك من مجموعة "صوفان للبحوث" التي أسسها علي صوفان "إن داعش - خراسان بدأ منذ عامين تركيز اهتمامه على روسيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والهرب إلى تكبير العدو ليس ضماناً للنجاح، ولا بالطبع للقضاء على الإرهاب. فلا غزو أميركا لأفغانستان والعراق قاد إلى ما هو أقل من دفع أثمان باهظة بالمال والدم، مقدرة بنحو ثمانية تريليونات دولار، ثم التسليم بعودة "طالبان" إلى حكم أفغانستان بعد 18 سنة من إسقاط النظام، وتسليم العراق إلى الفوضى والهيمنة الإيرانية. ولا تدمير أوكرانيا، ولو بدا سهلاً على بوتين وترسانته الحربية، يحل مشكلة روسيا مع الإرهاب، أو يقدم لها الموقع الذي تطمح إليه، وهو دور قوة عظمى تشارك في نظام متعدد الأقطاب على قدم المساواة، فضلاً عن أن خسائر روسيا كبيرة في أوكرانيا، وعزلتها السياسية والاقتصادية في أوروبا بالغة الكلفة، ثم إن غزو أوكرانيا أيقظ أوروبا من النوم خارج التاريخ تحت المظلة النووية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وبدأت إعادة التسلح لمواجهة "خطر روسيا".
وفي الخطاب، فإن موسكو تلوح بحرب عالمية ثالثة وتقول إنها تخوض مثل تلك الحرب حالياً، وعواصم أوروبا تحذر من حرب عالمية ثالثة. وفي الواقع، كما يرى العالم السياسي الفرنسي برتران بادي أن "حرب أوكرانيا لم تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، لكنها صارت معولمة". وحاول أن تفك "الكود".