ملخص
لا يمكن الجزم بصورة قاطعة ما إذا كان مقتدى الصدر سيعاود العمل السياسي أم لا، فمنذ انسحابه من العملية السياسية في 2022، لم يصدر أي تصريحات حول خططه المستقبلية، لكن ثمة سيناريوهات تلوح بالأفق تكشف عن رغبته في العودة، ومنها نشاطه الاجتماعي المكثف على الأرض.
تشهد الساحة السياسية في العراق حالة من الإرباك مع انسداد جديد يهدد مسار العملية السياسية، يرتكز هذا الانسداد على عدم تمكن الكتل السياسية من الوصول إلى تفاهمات وتوافقات تفضي إلى حسم ملف منصب رئيس مجلس النواب، الذي يعد من حصة المكون السني، بحسب المحاصصة السياسية والعرف السائد.
ولا يستند هذا العرف إلى الدستور العراقي، الذي لا يشير إلى تقاسم المناصب بحسب المذهب أو الدين، بل نشأ هذا التقسيم نتيجة الأعراف السائدة بين الكتل السياسية المتفقة على ذلك منذ أول تشكيل لحكومة ما بعد عام 2003.
ويشكل الانسداد الحالي تحدياً أمام العملية السياسية، ويعوق مسار إدارة الدولة، تاركاً حالة من الإحباط واليأس لدى العراقيين الناقمين على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وازدياد الفساد، وانتشار ظاهرة البطالة وسوء الخدمات، ويتوقع أن يستمر هذا الانسداد في الساحة ما لم تتوصل القوى السياسية الفعالة إلى حلول توافقية تفضي إلى حسم الملفات العالقة.
إعادة التوازن
في يونيو (حزيران) 2022، اتخذ الزعيم الشيعي البارز، مقتدى الصدر، قراراً بالانسحاب من البرلمان، وأدى هذا القرار إلى إعطاء القوى السياسية الفاعلة والموالية لإيران، المجال لتشكيل حكومة برئاسة محمد شياع السوداني في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ومع ذلك لم تنجح الكتل السياسية في حسم منصب رئاسة البرلمان.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أنهت المحكمة الاتحادية عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مما أضاف للعملية السياسية مزيداً من التعقيد لملء الفراغ، فيما أدى انسحاب الصدر إلى تفاقم الانسداد السياسي في العراق، إذ يمثل الصدر قوة سياسية شيعية رئيسة، وانسحابه أزال عنصراً مهماً من المعادلة السياسية.
تدور في الشارع العراقي نقاشات مكثفة حول إمكانية عودة مقتدى الصدر للمشهد السياسي بعد اعتزاله، وتأتي هذه التكهنات في ظل تصريحات حديثة عبر فيها عن تماسك قاعدته الشعبية، مما يشير إلى خطوات ممهدة لعودته، ويمكن القول إن عودة الصدر، إن حدثت، ستكون مشروطة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، فيما ترفض بعض القوى تلك الشروط، التي قد تؤدي إلى خلط الأوراق في الساحة السياسية وصعوبة ترتيبها مجدداً.
بالعودة لخطوات الصدر الماضية، نجد أنه دعا أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، معتبراً إياها حلقة زائدة في عمل مؤسسات الدولة، وحلقة لهدر المال والفساد والابتزاز، لذلك رفض الصدر مشاركته في الانتخابات بالمجالس، لكن عودته إلى زمام مشهد السياسة في المرحلة المقبلة، قد تتطلب منه العودة أيضاً إلى مجالس المحافظات، في حال عودته الفعلية، على رغم أن مشاركته في مجالس المحافظات باتت حديثاً متأخراً بعد أن شكلت المحافظات مجالسها في الأشهر الماضية.
رسائل ودلالات
في الأسابيع الماضية، عاد مقتدى الصدر إلى النشاط الاجتماعي من خلال فيديوهات تظهر تجوله في الشارع وبين الناس، وتبضعه للخضراوات وحملاته الإغاثية لسكان غزة، ويفسر مراقبون هذه التحركات بأنها رسائل ودلالات من الصدر لخصومه مفادها أنه لا يزال حاضراً في الساحة، في الوقت نفسه يمكن اعتبارها اختباراً للشارع وأنصاره لمعرفة مدى تمسكهم به بعد فترة طويلة من تركه العملية السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن استخلاص بعض الدلالات من تحركات الصدر الأخيرة على أنها رسائل من الأخير يريد منها الضغط على خصومه السياسيين من خلال إظهار قدرته على حشد التأييد الشعبي، وبناء قاعدة شعبية جديدة، من خلال التركيز على القضايا الاجتماعية والشعبية وحملات الإغاثة التي تبناها أخيراً، وقد تكون ظروف الأزمة السياسية الحالية حافزاً للصدر بالعودة القريبة، في وقت يظهر فيه أتباعه وقاعدته تماسكاً يطمئنه بإيجابية قرار عودته.
يقول المحلل السياسي رعد هاشم إن "عودة الصدر إلى المشهد السياسي ليست محتملة بل مؤكدة، لا سيما بعدما نشط أخيراً في الشارع، تبعها لقاء بعض قادة القوى السياسية والشخصيات البارزة للتيار الصدري من أجل الحديث في شأن عودته التي باتت متوقفة على كلمته، بعدما خلق قرار ابتعاده عن العمل السياسي جواً شائكاً بين الكتل السياسية".
وبحسب المحلل السياسي فإن مرحلة العودة الصدرية إلى المشاركة في صنع القرار السياسي من جديد ليست بالأمر السهل، لأنها مقرونه بالمخرج القانوني الذي يفضي إلى طريقة وشكل العودة، مشيراً إلى أنه قد يصدر تشريع أو قانون لعودة المستقلين من التيار الصدري، أو قد يذهب باتجاه الانتخابات المبكرة، وهو السيناريو الأقرب، لا سيما أن مقاعد المستقلين من الصدريين مشغولة بآخرين.
ويكمل هاشم حديثه "خيار الانتخابات المبكرة دائماً ما يكون في ظروف الطوارئ، وهذا ما لم يتحقق في الوقت الحالي، لكنه يبقى من بين المخارج المطروحة لعودة التيار الصدري، في الوقت ذاته، فكرة الانتخابات المبكرة مرفوضة من قبل بعض القوى الكبرى، ومنها قوى الإطار التنسيقي، على رغم أنها تأمل عودة التيار الصدري للساحة".
قاب قوسين أو أدنى
لعل زيارة الصدر الأخيرة إلى الحنانة للقاء المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، ألقت ببوادر تفاؤلية إلى جمهور التيار بعودة زعيمهم، المشهد ذاته يتكرر قبل أن يغادر الصدر العمل السياسي الذي سبقه لقاء السيستاني أيضاً.
ويتابع هاشم "الجميع يعلم أن الصدر غادر السياسة وفق شروط لم تتحقق له، ومنها محاربة الفساد وعزل الفاسدين من مناصبهم، وعلى ألا يشارك الفاسدون في الانتخابات والعملية السياسية، كما طالب بنزع السلاح من الفصائل، وجميع هذه الشروط لم تتحقق بعد، مما يضع تساؤلاً حول شروط عودته".
ونوه المحلل السياسي بأن عودة الصدر "قد تفضي إلى انقلاب سلمي من خلال فرض اشتراطاته، لذلك، جميع القوى السياسية متهيئة ومتهيبة لعودته".
ويكمل هاشم حديثه "من الواضح هناك رغبة على ما يبدو من جهات فاعلة في النجف وإيران، من عودة الصدر إلى الساحة لإعادة التوازن، بعدما شعروا في اهتزازات في جسد الحكومة والسلطة، أحدث صداها وأثرها في الأداء السياسي ككل وعلى جميع المكونات الشيعية والسنية والكردية والمكونات الأخرى".
ولفت المحلل السياسي إلى أن عودة الصدر ستكون مقرونة بضمان تنفيذ الجانب الأكبر من شروطه التي غادر من أجلها الساحة السياسية، وهو جدير بتحقيقها من خلال الضغط والتفاوض حول صورة المشهد السياسي بعد عودته، وكذلك العمل البرلماني وتقسيم المناصب، وجميع تلك المراحل ستكون على مراحل تباعاً.
ويبقى ما يدور في الساحة العراقية من حديث نشط حول احتمالية عودة الصدر، لم يعلن عنها الأخير بعد، فيما يترقب الجميع من أنصار الصدر وخصومه ما ستؤول إليه الأوضاع، والوقت فقط هو ما سيكشف عن ذلك.