ملخص
لم يُطرح العرض الفرنسي الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت حتى الساعة على لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في البرلمان اللبناني، على رغم طلب النواب الأعضاء في تلك اللجنة الحصول على نسخة منه، إلا أنها لم توزع بعد.
مع اقتراب الذكرى الرابعة لتفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، تعود قضية إعادة إعماره لواجهة الاهتمامات السياسية والاقتصادية في لبنان مجدداً من خلال مشروع هندسي أعدته شركتا الهندسة الفرنسيتان "أرتيليا" و"إيغيس" بهدف إعادة بناء وتطوير بنيته التحتية والأرصفة والأحواض وتجهيزه بالأنظمة والتقنيات الأمنية والخدماتية.
وعلى رغم وجود اعتراضات إدارية وسياسية على المشروع الفرنسي وشكوك حول وجود دفتر شروط مفصل على قياس الشركات المتفق معها مسبقاً، أطلقت وزارة الأشغال العامة والنقل اللبنانية العرض معلنة أن المشروع سيأخذ طريقه إلى التنفيذ عبر مساهمات خارجية أو من إيرادات المرفأ.
إلا أن مصادر برلمانية أكدت أن عدداً من النواب في لجان الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه طلبوا نسخة من الخطة لتقييم المشروع إلا أنهم لم يحصلوا عليها بعد، معتبرين أن مشروعاً استراتيجياً كهذا يتعلق بمستقبل لبنان وإيراداته الرئيسة يجب أن يُناقَش على مستوى وطني وألا يصار إلى تهريبه عبر "صفقات مشبوهة" تتم تغطيتها بواجهة قانونية، في ظل الوضعية القانونية الغامضة للمناقصات في المرفأ.
ومنذ عام 2021 قُدمت مشاريع عدة وخطط لإعادة إعمار مرفأ بيروت من قبل شركات عالمية، روسية وصينية وتركية وفرنسية وألمانية، إلا أن الحكومة تنفي هذا الأمر وتقول إنه لا يتخطى مجرد إعلان نوايا من هذه الدول، في حين يعتبر سياسيون أنه منذ وطئت قدما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أرض لبنان عقب الانفجار في 2020 بات المرفأ محط الأنظار الفرنسية المركزة.
التمويل المشروط
ووفق المعلومات فإن باريس قررت تمويل المشروع في حال سلك الأطر الإدارية الروتينية وفازت شركات فرنسية بالمناقصات، إذ تقدّر قيمة مشروع استكمال إعادة إعمار المرفأ بنحو 80 مليون دولار، إلا أن الحكومة الفرنسية تشترط الاتفاق المسبق مع صندوق النقد الدولي قبل الشروع في التمويل.
وفي هذا السياق، يؤكد المدير العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني أن "إدارة المرفأ ما زالت في مرحلة الإعداد التوجيهي للمخطط بالتعاون مع البنك الدولي وبصدد تحضير دفاتر الشروط تقنياً وإدارياً، بناءً على قانون الشراء العام"، كاشفاً عن أن "الدفاتر تتوزع بين صيانة الأرصفة وتعميق الأحواض وتنظيم المساحات للطاقة الشمسية وإعادة تنظيم خطة السير داخل المرفأ وعلى مداخله ومحطة الركاب وتنظيف الحوض الرابع".
وعن عدم الأخذ بمشاريع تقدمت بها شركات عالمية غير فرنسية، قال عيتاني إنه "تم طرح مشاريع لإعادة إعمار المرفأ بكلفة وصلت إلى 5 مليارات دولار، ومشاريع أخرى قدّرت الكلفة بـ 800 مليون دولار، في حين أن التقديرات الأولية لا تتجاوز الـ 100 مليون دولار"، كاشفاً عن أن "التمويل سيكون إما مباشرة من الحكومة الفرنسية وإما عبر برمجة إعمار ذاتي للمرفأ من خلال تقاسم عائداته وأرباحه مناصفة بين المرفأ والدولة".
الإهراءات خارج الخطة
واللافت أن المخطط الفرنسي لم يأتِ على ذكر صوامع القمح، وهي الشاهد الوحيد على أحد أعنف التفجيرات غير النووية التي حصلت في التاريخ، فيؤكد عيتاني أن "الإهراءات المدمرة لن يتم المسّ بها ولن يكون هناك دفتر شروط خاص بها، إذ تنتظر المنطقة التي تشمل الإهراءات ومحيطها قراراً من مجلس الوزراء لما لها من خصوصية معنوية، لا سيما لدى ذوي الضحايا الذين سقطوا حينها ولأن التحقيقات لم تصل إلى نتيجة بعد".
وكانت الحكومة أقرّت في جلسة الـ15 من أبريل (نيسان) 2022 هدم إهراءات القمح في مرفأ بيروت وكلّف حينها مجلس الإنماء والإعمار الإشراف على عملية الهدم، وكلفت الحكومة كذلك وزارتي الثقافة والداخلية إقامة نصب تذكاري تخليداً لذكرى الضحايا، في محاولة لامتصاص غضب عائلات ضحايا انفجار المرفأ، علماً أن لجنة أهالي الضحايا اعتبرت في بيان أن "الإهراءات شاهد على مجزرتكم، ولن تُهدم مهما جربتم من أساليب".
وأثناء إطلاق الخطة الفرنسية تنبه السفير الفرنسي لدى بيروت هرفيه ماغرو لحساسية إعادة إطلاق ورشة المرفأ في ظل فشل القضاء بتحقيقات المرفأ وتأثير ذلك في شريحة واسعة من الرأي العام اللبناني، وقال "نحن ندرك رمزية الإهراءات لذا لم تشملها الدراسات، إذ لا يعود للخبراء الفرنسيين اتخاذ القرار في شأنها".
وأبدت دولة الكويت استعدادها لإعادة بناء الإهراءات بعدما موّلت إنشاءها عام 1969 بموجب قرض من الصندوق الكويتي للتنمية. ومن أجل ذلك، طلبت الكويت استعمال أموال الصندوق المحجوزة في المصارف اللبنانية، مما يعني استحالة تحرير المبلغ اللازم، إذ من المفترض أن تكون الكلفة في حدود 30 مليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يخضع للتفتيش
ومثل كل مشروع في لبنان يسيطر التشكيك حول وجود "صفقات" محتملة، لا سيما في ظل ترهل الهيئات الرقابية والقضائية وتفشي الفساد في مختلف الإدارات الرسمية، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ورشة إعادة إعمار مرفأ بيروت ستشكل فرصة جديدة للطبقة السياسية لتقاسم أرباحها على حساب مصلحة اللبنانيين على غرار التلزيمات السابقة.
وفي هذا السياق، كشف رئيس هيئة الشراء العام في المرفأ جان العليّة عن أن "مرفأ بيروت لا يخضع للتفتيش المركزي مباشرة، إذ له قانون إداري خاص وهيئة داخلية تنظم شؤونه بصورة منفصلة عن بقية الإدارات العامة"، ولفت إلى أن "الشركة الفرنسية حازت عقد إعادة تشغيل مرفأ الحاويات فقط، وبذلك لا علاقة لها بأي قسم آخر من مرفأ بيروت".
وأشار العلية إلى أن "القانون لا يُلزم وزير الأشغال أخذ رأي هيئة المناقصات (المادة 113)، ووفقاً للنظام المالي العام لمرفأ بيروت، يحق لوزارة الأشغال عدم أخذ رأي هيئة الشراء العام بسبب وجود نظام داخلي للمرفأ يحدّ من ملاحقة هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة" (اعتماد الرقابة المسبقة فقط)، مما يطرح شكوكاً حول طريقة العمل والتوجهات التي تقررها لجنة إدارة وتشغيل مرفأ بيروت تحت إشراف وزارة الأشغال العامة والنقل، على رغم أن الوضع القانوني لهذه اللجنة غير واضح تماماً، إذ أنشئت عام 1990 لفترة موقتة، وعندما انتهى امتياز مرفأ بيروت، لم يُنظم عملها".
تفاصيل الخطة
وتتضمن الخطة إعادة بناء وإعادة تأهيل الموانئ رقم 9 و10 التي تضررت جراء الانفجار، في حين تسعى الخطة إلى تعزيز التدابير الأمنية والمعايير والإجراءات الجمركية وتطوير وتسريع عملية مراقبة البضائع، نظراً إلى أن الحاوية الواحدة تستغرق من 10 إلى 12 يوماً لمغادرة الميناء، مقارنة بالمعدل العالمي من ثلاثة إلى خمسة أيام.
وتلحظ الخطة مشروعاً لتوليد الطاقة البديلة لتشغيل المرفأ، استناداً إلى توصيات مؤسسة كهرباء فرنسا وينص على تركيب ما يقارب 74 ألف متر مربع من الألواح الشمسية على حاجز الأمواج ومنطقة الشحن لتوليد 15 ميغاوات وتغطية جميع حاجات الميناء من الطاقة تقريباً.
أما عن كلفة المشروع وبحسب السلطات اللبنانية، فسيتم تأمين ما بين 40 و80 مليون دولار من عائدات المرفأ لتمويل المشروع، علماً أن إيراداته بلغت 150 مليون دولار عام 2023، إلا أن الخطة لم تضع إطاراً زمنياً لتنفيذ المشروع ولا تزال هناك قضايا عدة يتعين التعامل معها، بما في ذلك تطوير وثائق المناقصة.
موقع الإهراءات
في المقابل، انتقد الناشط السياسي والبيئي المهندس المعماري شربل أبو جودة المخطط الفرنسي الذي يجب برأيه أن يتضمن مخططاً توجيهياً عاماً للمشروع، يحدد تصميمه كاملاً وأهدافه العامة وأبرزها موقع الإهراءات، مشيراً إلى "أخطاء في الخطة منها إهمال المرفأ البحري وحصر الهنغارات (المستودعات) بطابق واحد وتعميق الأحواض الداخلية وغياب أي بعد سياحي واقتصادي واستثماري للمرفأ، ولم تتضمن الخطة كذلك مشروع نقل أو السكة الحديد".
ورأى أبو جودة أن "هناك إمكاناً لإعادة إعمار المرفأ بتمويل لبناني من دون اللجوء إلى الشركات العالمية"، طارحاً مشروع إنشاء مرفأ "سياحي عملاق" بعمق 17 متراً، (عمق المرفأ الحالي ثمانية أمتار)، يستوعب أربع بواخر عملاقة بسعة 5000 سائح أي بمعدل 20 ألف سائح في الأسبوع، مع موقع لتأجير السيارات السياحية، مما ينقذ السياحة في بيروت وينعشها في بقية مناطق لبنان".
أما إهراءات القمح وبحسب رؤية أبو جودة، "فتُقسم بين بيروت وطرابلس وصور وتخدم المناطق عبر سكة القطار، وبذلك يصبح لدينا مرفأ اقتصادي ضخم، سياحي عملاق وإداري صناعي بكلفة لا تتعدى الـ4 مليارات دولار. أصبحنا نعيش في عصر الملاحة العالمية ولا تشفع فينا سياسات الترقيع".