ملخص
قدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حجم الاقتصاد الموازي في بلاده بنحو 90 مليار دولار، وأفاد بأنه لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية في ظل غياب أرقام رسمية أو إحصاءات دقيقة
يعتمد تجار "الشنطة" في الجزائر على ظاهرة تبدو غريبة، لكنها مجدية، إذ يتم تجنيد نساء يطلق عليهن "جنديات" لتجاوز الجمارك في المعابر الحدودية وتجنب حجز السلع التي بحوزتهن.
ولأن هذا النوع من التجارة غير شرعي فلن يكون ذلك بالمجان، فقد يدفع التاجر ثمن تذكرة الرحلة نحو البلد مصدر السلع مع الإقامة كاملة، إضافة إلى مبلغ مالي يتم الاتفاق حوله تتسلمه "الجندية" لدى وصولها إلى الجزائر.
وعلى رغم أن الأبواب مفتوحة أمام النساء في الجزائر لاقتحام مختلف المجالات، فإن الحاجة في بعض الأحيان تقف حاجزاً أمام محاولتهن، ولعل انعدام المال أول ما يعرقل دخولهن التجارة أو الانطلاق في مشروع، الأمر الذي يدفع بعض النسوة إلى قبول عروض عمل بقدر ما تجلب مداخيل مالية وتكسب معارف فإنها تهدد بأخطار قد تنتهي بالسجن أو غرامات مالية أو عقوبات إدارية، وهو الوضع مع "الجنديات" اللاتي يقبلن العمل لدى تجار "الشنطة" كممررات سلع من الخارج نحو الجزائر.
مجازفة من أجل 200 دولار
البداية كانت مرتبكة وصعبة، إذ تقول نصيرة، وهي "جندية" التقيناها تنتظر المكافأة المالية لدى صاحب محل لبيع الملابس بمدينة دالي إبراهيم، إن المكاسب من وراء هذه العمليات المتكررة العابرة للدول مهمة جداً، لا سيما بالنسبة لمن لا عمل لها ولا مال، فهي ترفع الغبن حتى ولو بعد تعب ومجازفة.
وأشارت "الجندية" إلى أن آخر رحلتها كانت باتجاه إسطنبول في تركيا، وشملت الملابس الداخلية للنساء، لافتة إلى أن صاحب المحل اعتمد عليها بعد رحلات عدة برفقته وأخريات من "الجنديات".
وقالت نصيرة، "نسافر على حسابه تذكرة وإقامة ومأكل، ثم يقوم هو باقتناء السلعة من المصانع والورشات، ليتم تقسيمها فيما بيننا في الحقائب، ونعود إلى الجزائر عبر رحلة جوية تنتهي بمطار هواري بومدين بالعاصمة، إذ نعمل على التسلل إلى الخارج دون تضييق من الجمارك وتوقيف من أجل التفتيش"، موضحة أن قيمة المكافأة المالية التي تتلقاها نظير الرحلة تبلغ نحو 200 دولار.
وفي ردها عن سؤال حول الأخطار، سردت نصيرة واقعة لإحدى رفيقاتها من "الجنديات"، إذ تم توقيفها في الجمارك وحجز سلعتها، ثم استجوابها لساعات عدة قبل إطلاق سراحها دون السلع، موضحة أن زميلتها عانت سحب جواز سفرها لأشهر عدة لحين دفع غرامة مالية تقدر بنحو 30 مليون سنتيم جزائري (2200 دولار) دفعها التاجر بعد ذلك، لافتة إلى أن هناك من يرفض دفع الغرامة ويترك "الجندية" تواجه مصيرها، فيما يتراجع بعض التجار عن تقديم المكافأة المتفق عليها أو تخفيضها.
بداية من أجل بلوغ القمة
ومن أجل الاقتراب أكثر من هذه الفئة، قصدنا مطار هواري بومدين برفقة الجندية "نصيرة"، وكان موعد وصول طائرة من إسطنبول وأخرى من دبي، إذ إن الوجهتين حيويتان بالنسبة لتجار "الشنطة"، ومع مرور الدقائق وبداية خروج المسافرين بدأت الحركة تدب في المكان بصورة لافتة من تجار و"جنود" و"جنديات"، ولا حديث سوى عن السلع وتعاطي مصالح الجمارك والأمن، لتطلب منا "نصيرة" الالتحاق بها، وقد سبقتنا تجاه إحدى المسافرات القادمات على متن رحلة إسطنبول، لتلتفت إلينا وتقول إنها رفيقتي "راضية" يمكنها التحدث إليكم خارج المطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد الترحيب والجلوس إلى جانب موقف السيارات، أوضحت "راضية" أنها تاجرة "شنطة" منذ خمس سنوات، وقالت إنها كانت "جندية" لمدة أربع سنوات، ثم تمكنت من جمع بعض المال والتعرف عن قرب على كل خفايا هذا الميدان، وأصبحت تعرف ما يطلبه الزبائن في الجزائر، وكذلك كيفية تسويق السلعة، مضيفة أن هذه المهنة بقدر ما تحقق أرباحاً كبيرة تجلب المتاعب أيضاً بشكل يجعلها مجازفة.
وأشارت "راضية" إلى أن ما يؤرقها هو مواجهة موظفي الجمارك الذين يراقبون حركة السلع، وتحديداً تلك القادمة على متن رحلات معينة معروفة بحركة كبيرة للتجار، لكن في غالب الأحيان نتمكن من التسلل وتجاوز جهاز المراقبة وتفادي حجز السلع، وشددت على أن "التجنيد" مفيد من أجل الانتقال إلى التجارة والأعمال.
وأوضحت المتحدثة أن دبي وإسطنبول وكوالالمبور وهونغ كونغ تأتي في صدارة المدن المقصودة، لعدة اعتبارات أهمها انخفاض كلف الطيران والفنادق، وسرعة الإجراءات الجمركية وسهولة الحصول على التأشيرة، إضافة إلى سمعة السلع القادمة من هذه المناطق لدى أوساط الجزائريين.
حجم السوق الموازية
وقدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حجم الاقتصاد الموازي في بلاده بنحو 10 آلاف مليار دينار (90 مليار دولار) وأفاد أنه لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية، في ظل غياب أرقام رسمية أو إحصاءات دقيقة.
وتطلق عبارة السوق السوداء أو الموازية على كل التعاملات التجارية والخدمية غير الرسمية أو غير المرخصة، وتحقق هذه السوق التي تظهر خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية أرباحاً وتدر عائدات ضخمة لصالح فئات غير مصرح بها، وتنشط بصورة غير قانونية، وينعكس عن هذا النشاط غير الرسمي بالخسائر على الدولة التي تعتمد في دخلها القومي على الضرائب.
الحد من الظاهرة
وفي السياق أوضح المتخصص في مجال الاقتصاد عمر هارون أن نسبة السوق الموازية تراوح ما بين 50 و70 في المئة من الاقتصاد الوطني، مضيفاً أنه لا يمكن لأي نموذج اقتصادي أن يحقق نتائج إيجابية في ظل وجود هذه الأرقام الضخمة، بالتالي فإن المعالجة السريعة ضرورية، مع إيجاد حلول جذرية.
وشدد هارون على أهمية الإسراع في رقمنة التعاملات النقدية، ومنع المعاملات النقدية فوق 500 ألف دينار (3700 دولار)، مؤكداً أن العملية تحتاج إلى مرافقة وتطوير وعصرنة المنظومة البنكية، مع تجريم الاحتفاظ بالأموال خارج المنظومة البنكية.
إلى ذلك، يعتبر المهتم بالشأن الاقتصادي والمصرفي طارق مسعود أن التدخل الإداري في توجيه النشاط الاقتصادي يعد من بين الأسباب الرئيسة في وجود السوق السوداء أو الاقتصاد الموازي، مشيراً إلى أن النظام الضريبي يدفع كثيراً من النشاطات الاقتصادية إلى التهرب أو عدم التصريح.
وأضاف مسعود أن الاقتصاد الموجه أسهم بصورة كبيرة في خلق مناخ عدم الثقة عند المتعاملين الاقتصاديين والعائلات، مما يدفع إلى تفضيل السوق التقليدية الآمنة.