Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواجع الفرار والشتات تطارد السودانيين في دول الجوار

ربع السكان بين النزوح والمنافي والعالقون يكابدون الكفاف ومراكز اللجوء على الحدود تعاني الاكتظاظ وتراجع الدعم

نازحون سودانيون يفطرون معاً في مخيم حوري جنوب القضارف بشرق البلاد (أ ف ب)

ملخص

من إجمالي حصيلة التشريد الداخلي والتغريب الخارجي المتزايدة التي وصلت إلى نحو 12789050 سودانياً وهو ما يفوق ربع سكان البلاد، لجأ منهم نحو 1789050 إلى دول الجوار، أما بقية العالقين في مناطق القتال فيعيشون ظروفاً قاسية بين الجوع وحد الكفاف.

بين ليلة وضحاها وجد ملايين السودانيين من سكان الخرطوم أنفسهم ليس فقط خارج منازلهم بلا ديار أو مأوى، يضربون في أصقاع الأرض ويتشتتون في القرى والأرياف والمحليات بحثاً عن ملجأ آمن في الولايات الأخرى لا سيما ولاية الجزيرة المجاورة، لكن الحرب تمددت وتوسعت وطاردتهم في ملاذهم الجديد، فتبعثر ما يقارب ربع سكان البلاد في شتى الاتجاهات خارج حدود بلادهم.

تشريد صادم

بعد أشهر من بداية الحرب التي تكمل عامها الأول الآن، تحول السودان إلى أسوأ مكان للعيش فيه بعد تهجير ما يفوق 12789050 شخصاً داخلياً وخارجياً في حصيلة وصفت بالصادمة وصنفت أممياً بأنها واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، تخطت توقعات الأمم المتحدة بكثير.

مع دخول الحرب بوابة عام 2024، تجاوزت أرقام النزوح واللجوء كل توقعات المنظمات ووكالات الأمم المتحدة، مع توقعات بأن يتجاوز عدد المحتاجين إلى المساعدات عتبة 30 مليون مواطن، والنازحين 12 مليوناً، نتيجة الوضع المأساوي الذي يعيشه السودانيون، العالقون منهم في مناطق القتال والنازحون داخلياً أو حتى أولئك اللاجئين الذين تمكنوا من الفرار إلى دول الجوار، أو أولئك الشباب الذين ركبوا السنابك وأمواج الموت عبر البحر المتوسط نحو مصير مجهول لا أحد يدري أين استقر بهم المقام وهل هم في قاع البحر أم وصل المحظوظ منهم إلى معسكرات الشواطئ الأوروبية.

ملاذ الجوار

بخلاف من تمكنوا من اللحاق بأقربائهم وأسرهم الممتدة في بعض دول الخليج والسعودية وكندا وبريطانيا ومناطق أخرى من دول العالم، شكلت دول الجوار الحدودية الخمس الملاذ الأقرب عبر طرق الفرار البري، على رأسها مصر شمالاً، وجنوب السودان جنوباً، ومن الشرق إثيوبيا وإريتريا، وغرباً تشاد، وهو الوضع الذي وصفه رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بيتر كيوي، بالقول "كان اللاجئون السودانيون خلال فرارهم ينتقلون في جميع الاتجاهات، اعتماداً على أقرب حدود يمكنهم الوصول إليها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الوقت تتوالى تحذيرات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، من أن تضاؤل الاهتمام العالمي بالحرب المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" مع توسع رقعة القتال سيدفع مزيداً من الأشخاص إلى الفرار بحثاً عن الأمان والمساعدات الأساسية.

فبعد عام من الحرب أفاق السودانيون على واقع التشتت الكبير ليكتشفوا كيف تفرقت بهم سبل الفرار نحو وجهات لم يحكم وصولهم إليها سوى الجغرافيا وسهولة الطرق، فالبعض توجه شمالاً نحو الحدود المصرية، وآخرون توجهوا شرقاً صوب ولايتي القضارف ومنها إلى إثيوبيا عبر معبر القلابات البري، أو ولاية كسلا ومنها صوب إريتريا.

تشاد والجنوب

أما في مناطق دارفور المنكوبة التي وصلتها الحرب باكراً بعد الخرطوم، فكانت الوجهة الأقرب للفارين من جحيمها المستعر والجرائم والفظائع والانتهاكات التي وصفت بالجسيمة نحو منطقة أدري على الحدود التشادية وأفريقيا الوسطى، بينما توجه آخرون صوب جنوب السودان وليبيا.

وفق رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تشاد، آن كاثرين شايفر، "فقد كان غالبية الوافدين إلى هناك في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية الأساسية، أي المأوى والغذاء والماء"، وتحدث الذين وصولوا إلى الحدود مع تشاد عن معاناة رهيبة وفظائع مرعبة وهجمات ومطاردات عرقية من ميليشيات عربية مسلحة تتبع الدعم السريع تعرضوا لها خلال رحلتهم، حيث اقتادوا بعضهم إلى جهة مجهولة وسلبوا كل ما معهم".

من إجمالي حصيلة التشريد الداخلي والتغريب الخارجي المتزايدة التي وصلت إلى نحو 12789050 سودانياً وهو ما يفوق ربع سكان البلاد، لجأ منهم نحو 1789050 إلى دول الجوار، أما بقية العالقين في مناطق القتال فيعيشون ظروفاً قاسية بين الجوع وحد الكفاف، وكثير منهم على أبواب الفرار بسبب التدني الأمني والمعيشي المطرد يوماً بعد يوم.

خريطة اللجوء

 يتوزع معظم اللاجئين السودانيين في الخارج بدول الجوار، منهم العدد الأكبر 564686 لاجئاً في دولة تشاد، و643254 في جنوب السودان، و500000 في مصر، و51666 في إثيوبيا و29444 في أفريقيا الوسطى، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بجانب مجموعات أخرى صغيرة توجهت صوب أوغندا، وإريتريا وليبيا.

مع تعطل خطوط الطيران وتدمير مطار الخرطوم تحول الفرار ومغادرة العاصمة السودانية إلى ضرب من المستحيل وقطعة من نار، وبات السبيل الوحيد للهرب هو الطرق البرية الوعرة والطويلة، في وقت تضاعفت أسعار التذاكر إلى أكثر من 10 مرات، في رحلات شاقة، طويلة ومرهقة وقاتلة في بعض الأحيان لبعض الفئات من كبار السن والأطفال.

ولم تمنع صعوبة الحصول على التأشيرات وأذونات الدخول الفارين من العبور نحو الأمان، بالطرق غير الشرعية وركوب أخطار تهريب البشر العابر للحدود، في رحلات قاتلة وأكثر قسوة، لقي فيها كثيرون حتفهم قبل بلوغ وجهتهم، سواء إلى مصر أو تشاد.

نموذج مأسوي

على حدود دولة جنوب السودان قالت مديرة العلاقات الخارجية بمفوضية اللاجئين، دومينيك هايد، أثناء زيارتها لمدينة الرنك الحدودية، إن المدينة شهدت ارتفاعاً حاداً في أعداد اللاجئين الواصلين، إذ عبر خلال أسبوع واحد أكثر من 20 ألف شخص الحدود من السودان.

وأضافت "في وقت يستضيف فيه مركز الإيواء الموقت المخصص لنحو 3 آلاف شخص أضعاف هذا العدد في ظل الأرقام المهولة التي تعبر إلى جنوب السودان منذ بدء الصراع في السودان، وأينما اتجهتم، ستجدون أشخاصاً في كل مكان، بينما الوضع يتدهور باستمرار، لقد قضيت 30 عاماً أعمل في هذا المجال، لكن كان هذا أسوأ الأوضاع التي شهدتها طوال تلك الفترة".

في السياق توقع أيمن السر، وهو من المتطوعين على المعابر البرية، أن تتواصل التدفقات نحو الجوار بحثاً عن الأمان وسبل الحياة، حتى ولو أدى ذلك إلى تعريض أرواحهم للخطر من خلال عمليات التهريب والدخول إلى دول الجوار بطرق غير شرعية بواسطة شبكات تهريب البشر التي نشطت بشكل ملحوظ على حدود الجوار، في مغامرات شديدة الخطورة راح ضحيتها كثيرون قبل بلوغ وجهتهم.

الأوضاع تسوء

يعتقد السر، أنه على رغم شعور الذين وصلوا إلى دول الجوار بالامتنان لنجاتهم والخدمات الإنسانية التي وجدوها في المعابر الحدودية، لكن مع مرور الأيام بدأت أوضاعهم تسوء، لأن تقديراتهم كانت تقوم على أساس أن فترة بقائهم هناك قد لا تتعدى أسابيع أو ثلاثة أشهر على الأكثر، لكن إطالة أمد الحرب لمدة عام كامل أربك كل تقديراتهم وحساباتهم، وبدأوا يفكرون في العودة مهما كان الواقع الذي سيجابهونه.

لفت المتطوع، إلى أن الفرار لم يتوقف بعد، إذ ما زالت معابر عدة في الشمال والشرق تشهد تكدساً في ظل غياب واضح لخدمات المنظمات الإنسانية الأممية والدولية، ومحدودية إمكانات المنظمات الوطنية مقارنة مع الأعداد الفارة، ما خلق بدوره أزمات إنسانية عند الحدود البرية وفي داخل دول اللجوء إذ هناك عشرات الأسر بلا مأوى في بعض تلك الدول.

ضعف القدرات

على الصعيد نفسه يرى الباحث في مجال الهجرة واللجوء، عز الدين الأمير، أن إرهاق المنظمات وشبكات الأمان والحماية وتآكل قدراتها باتت إحدى المعضلات التي تهدد استقرار اللاجئين في دول الجوار، متوقعاً أن يضيف استمرار التدفقات تحديات كبيرة على الدول المجاورة للسودان، بخاصة التي كانت تستضيف لاجئين سابقين بسبب نزاعات قديمة.

 

لفت الأمير إلى أن بعض الدول المستضيفة بدأت تنزعج من استمرار تدفقات اللاجئين حتى اليوم، والنظر إليها ضمن المهددات الأمنية، على رغم الترحيب الذي وجده اللاجئون في بداية الحرب لكن كثافة الضغوط وتواصل التدفقات جعلت الأمر يبدو مزعجاً بالنسبة لها مما دفعها لوضع بعض القيود والتضييق في إجراءات الدخول.

حذر الباحث من أن استمرار سوء الأوضاع المعيشية والأمنية مع تواصل العمليات الحربية يغذي بشدة تدفقات النزوح الداخلي والفرار الخارجي، ويرفع من سرعة حركة وحجم الأعداد المتدفقة بدرجة تشل قدرات المنظمات الأممية، ومن ثم تتنامى الحاجة للمساعدات بشكل سريع بينما لا يتوافر التمويل اللازم لتغطية الحاجات المطلوبة، في وقت تتوقع المنظمات الأممية والدولية بأن تزداد حدة انعدام الأمن الغذائي في السودان خلال الأشهر المقبلة بسبب إطالة أمد الحرب، ما يعزز التوقعات بأن أعداد تدفقات اللاجئين ستتزايد بشكل كبير خلال العام الحالي.

أشار الأمير إلى أنه على رغم الجهود الكبيرة من أجل توفير المساعدة اللازمة للاجئين، إلا أن الحاجات المتزايدة تشكل ضغطاً كبيراً على المنظمات بحيث لم تعد القدرات المتاحة تكفي لمواكبة المتطلبات، لافتاً إلى ضعف نسبة تمويل خطة الاستجابة للحاجات الإنسانية في الدول التي تستضيف اللاجئين أقل من 50 في المئة.

استمرار الموت والفرار

وأسفرت حرب السودان وفق تقارير أممية ومحلية، عن سقوط أكثر من 14 ألف قتيل في عموم البلاد، ونزوح نحو ثمانية ملايين شخص، لجأ نحو 1789050 سوداني منهم إلى دول الجوار، وصنفت كأكبر أزمة نزوح في العالم بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

في الوقت نفسه، تسببت الحرب في أزمة إنسانية ومجاعة دفعت بأكثر من 25 مليون شخص، ما يقارب نصف سكان السودان المقدر بـ49 مليون نسمة، إلى خانة الحاجة إلى المساعدات أو مواجهة خطر الجوع.

ولم تتوقف المعارك في غرب ووسط السودان منذ عام من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بخاصة في العاصمة السودانية التي تقلص عدد سكانها من نحو 11 مليون نسمة، إلى أقل من ثلاثة ملايين بسبب استمرار عمليات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي من محليات ولاية الخرطوم المختلفة، بينما قدر عدد القتلى في العاصمة السودانية وحدها بما لا يقل عن 4500 شخص، مع عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، بحسب المرصد السوداني الحقوقي.

المزيد من تقارير