ملخص
يكشف التصاعد الحاد في أرقام جرائم العنف ضد النساء في لبنان عن تحديات معقدة تواجه المجتمع، فالزيادة الكبيرة في جرائم القتل والارتفاع اللافت في حالات الاعتداء الجنسي والابتزاز الإلكتروني تشير إلى وجود عوامل متعددة تغذي دوامة العنف هذه.
كشفت منظمة "أبعاد" (جمعية تعنى بمناهضة العنف ضد النساء) عن تقرير يظهر تزايداً كبيراً في نسبة جرائم قتل النساء في لبنان خلال عام 2023، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 300 في المئة مقارنة بالسنوات السابقة. ووثق التقرير وفاة 29 امرأة، أي بمعدل اثنتين كل شهر، استناداً إلى بيانات من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
وأفادت المنظمة بأن العام ذاته شهد ارتفاعاً في حوادث العنف ضد النساء والفتيات مع تسجيل 767 بلاغاً عبر الخط الساخن لمناهضة العنف الأسري التابع لوزارة الداخلية، أي بمعدل 64 بلاغاً شهرياً. إضافة إلى ذلك، لفتت المنظمة الانتباه إلى زيادة في عدد ضحايا الاعتداء الجنسي، إذ بلغ عددهن 172 خلال عام 2023، مقارنة بـ121 في العام السابق عليه.
يكشف التصاعد الحاد في أرقام جرائم العنف ضد النساء في لبنان عن تحديات معقدة تواجه المجتمع، فالزيادة الكبيرة في جرائم القتل والارتفاع اللافت في حالات الاعتداء الجنسي والابتزاز الإلكتروني تشير إلى وجود عوامل متعددة تغذي دوامة العنف هذه.
من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة إلى ضعف الإطار القانوني والتنفيذي لحماية الضحايا ومعاقبة الجناة تتجلى أسباب العنف في أشكال متنوعة تستوجب تحليلاً دقيقاً واستجابة شاملة من جميع المعنيين. كما تلقي هذه الإحصاءات الضوء على الحاجة الماسة إلى تعزيز آليات الوقاية والحماية، وتعميق الوعي بأهمية الإبلاغ والتصدي لجميع أشكال العنف ضد النساء، في سبيل مجتمع أكثر أماناً وعدالة.
نسرين إلى النور
في حديث خاص مع إحدى الناجيات من العنف الأسري، تروي نسرين، (32 سنة) وهي أم لأربع بنات وصبي، قصتها لـ"اندبدنت عربية" قائلة، "نشأت في بيئة شديدة الصلابة تجاه التقاليد، إذ تعرضت للعنف المعنوي والنفسي منذ الصغر بسبب الأعراف الاجتماعية الصارمة التي فرضتها علي عائلتي. وبعد الزواج من أحد الأقارب واجهت عنفاً متزايداً، بخاصة بعد اكتشافي إدمان زوجي على الكحول والمخدرات. ووصل العنف حينها إلى حد جعلني أفقد إحساسي بالأنوثة والذات في ظل غياب الدعم من عائلة الزوج. بحثت عن المساعدة والدعم حتى وجدته في ’أبعاد‘، في خضم معاناتي وشعوري بالضياع الشديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف "عندما أخذ مني أولادي كانت أصعب لحظة في حياتي. فقد خطف ابنتنا وأبقاها مع أهله لمدة خمسة إلى ستة أشهر، وعندما عادت كانت في حال يرثى لها بسبب الضرب والعمل الشاق. كما أخذ ابني ومنعني من رؤيته ولا يزال معه حتى الآن. وحاول بالقوة أن يأخذ بقية الأولاد مما أدى إلى انهيار صحتهم النفسية. وبعد معارك عدة هربت مع أولادي ولم يكن لدي شيء".
كافحت نسرين كثيراً حتى حصلت على الطلاق وحق الحضانة، لكنها لم تستطع حتى اليوم أن تسترد ابنها لأن الزوج يدعي أن الصبي توفي. تقول "اليوم نعاني نظرة الناس، بخاصة كوني امرأة مطلقة، وهم يستغلون ذلك من أجل الوصول إلى جسدي. لكنني أصبحت الآن أقوى، ومرت علي أيام صعبة ولكنني كنت أتخطاها. صحيح أن قراري بالانفصال جاء متأخراً لكنني اتخذته في نهاية المطاف وكلي فرح".
لبنان القسوة
لبنان البلد الذي يعاني تحديات سياسية واقتصادية معقدة، يواجه أيضاً واقعاً قاسياً يتجلى في تزايد حوادث العنف ضد النساء، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تدابير حماية وتغيير اجتماعي جذري.
في تصريح لـ"اندبندنت عربية" تقول ليلى حمدان المنسقة التقنية لإدارة الحالات في منظمة "أبعاد"، إن "العنف المتراكم الذي تعيشه النساء والفتيات في لبنان يمكن تفسيره بالأزمات المتعددة التي يمر بها البلد، بدءاً من الانكسارات الاقتصادية وصولاً إلى القضايا القضائية والأمنية والاجتماعية".
وتشير إلى أن "ثقافة الصمت والتسامح مع العنف ضد المرأة، تلك المتجذرة في المعايير الاجتماعية والثقافية، من الأسباب الرئيسة في تفاقم الظاهرة. فالأشخاص الذين يمارسون العنف غالباً ما يكونون تربوا في بيئة تغض الطرف عن هذا السلوك، مما يشجعهم على الاستمرار فيه بسبب غياب الردع القانوني".
وتضيف "نسعى إلى التنسيق مع الأجهزة الأمنية لتقديم التدريبات اللازمة لحماية النساء، ونؤكد أهمية تطبيق القوانين الحالية بشكل فعال وتطويرها لتلبية احتياجات المجتمع من خلال التطبيق الصارم للقانون ومحاسبة المعتدين، ونأمل في تقليل حوادث العنف بشكل ملحوظ، إذ يجب على الأشخاص أن يدركوا وجود عواقب واضحة لأفعالهم".
تشير حمدان إلى أن "العنف المتزايد ضد النساء يعود لأسباب عدة، من بينها الأزمات الاقتصادية والقضائية والأمنية التي يشهدها البلد، إضافة إلى الثقافة العنيفة المترسخة في المجتمع"، مؤكدة الجهود التي تبذلها "أبعاد" لمكافحة هذه الظاهرة، وموضحة "نعمل على تمكين المرأة وتطوير السياسات والتشريعات اللازمة، مع التأكيد على ضرورة إشراك الرجال في مناهضة العنف ضد النساء. كما نقدم دعماً نفسياً وقانونياً للناجيات، ونشجعهن على التحدث وطلب المساعدة".
وعن تقييمها لتعامل الجهات الأمنية مع الجرائم، تلفت حمدان إلى أن هناك "تحسناً ملحوظاً في الاستجابة من السلطات، إذ بدأنا نلاحظ زيادة في الاتصالات على الخط الساخن، واستجابة سريعة لتوفير الحماية والإيواء للضحايا".
أرقام أم إنذار؟
وفي ما يتعلق بدور المجتمع المدني والمواطنين، تشدد على "أهمية كسر الصور النمطية وتغيير ثقافة الصمت حيال العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومن الضروري التوعية خصوصاً بين الأجيال الجديدة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والمادي للضحايا. كما يجب تأكيد أهمية الاستجابات السريعة والفعالة من الجهات الأمنية، لكن يجب أن نعي أن الزيادة في الجرائم ليست مجرد أرقام بل هي إنذار صارخ يستوجب تحركاً جدياً ومسؤولاً من جميع أفراد المجتمع".
في السياق تعمل جمعيات أخرى مثل جمعية "كفى"، المنظمة الرائدة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، بالتعاون مع النائبة بولا يعقوبيان ونواب آخرين، لتقديم اقتراح بقانون يهدف إلى تعزيز الحماية القانونية للنساء ضد العنف في لبنان، بحيث يكون مستمداً من أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويهدف الاقتراح إلى تجريم العنف ضد المرأة كشكل من أشكال التمييز وانتهاك حقوق الإنسان، وعدم قبول الثقافة أو التقاليد كمبررات لأفعال العنف. كما يضمن القانون احترام إرادة وأمن المرأة الشخصي، ويوفر لها الدعم القانوني والقضائي، إضافة إلى المتابعة الاجتماعية والصحية والنفسية الضرورية.