Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سلطان باليما"... محتال المغرب الذي أثار إعجاب الحسن الثاني

باع أبقارا ملكية ومدافع تاريخية وانتحل صفات مختلفة لأكثر من عقدين نهاية القرن الماضي

فندق "باليما" التاريخي الذي كان يجلس في مقاه المحتال محمد بن عبد السلام الوزاني (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

 هو واحد من أشهر المحتالين في تاريخ المغرب الحديث. اسمه محمد بن عبدالسلام الوزاني، ولُقب بـ "سلطان باليما". طوال عدة عقود، احتال على كثيرين بين فقراء وأغنياء، حتى أن رويات متطابقة تقول إن الملك الراحل الحسن الثاني، كان أحد ضحاياه. 

إذا كانت الرباط اشتهرت بكونها العاصمة الإدارية للمغرب، ففد عرفت أيضاً كموطن لأكبر وأشهر محتال عرفته البلاد في العقود الأخيرة من القرن الماضي، والملقب بـ"سلطان باليما".

اسمه الحقيقي محمد بن عبدالسلام الوزاني، واكتسب لقبه بعد أن اتخذ من مقهى"باليما" الشهير في شارع محمد الخامس وسط العاصمة، مقرا لأعمال الاحتيال.

كان الناس يقصدونه بعد أن ذاع صيته كرجل صاحب نفوذ وله علاقات مع أجهزة الدولة. وما عزز هذا الاعتقاد عنه، مظهره ولباسه المخزني (الحكومي) والسيارة الفارهة التي لم يملكها.
 

 

ينحدر محمد الوزاني من مدينة وزان الجبلية، وقد غادرها صوب مدينة الرباط مثل كثير من شباب القرى والمدن النائية، رغبة في تحسين ظروف معيشته، ليجد نفسه متقمصاً شخصية صارت أسطورية ويتردد صداها إلى اليوم.

اختار الوزاني أن يسلك طريق الاحتيال مستغلاً ما يتمتع به من دهاء وشخصية قوية ولافتة. وبين استقلال المغرب عن الفرنسيين وحتى تسعينات القرن الماضي، مارس "سلطان باليما" الاحتيال على كثيرين، ومن بينهم الملك الراحل الحسن الثاني، وفق روايات متطابقة.

كان الوزاني يجلس في مقهى "باليما" الشهير أسفل الفندق الذي يحمل الاسم نفسه، والموجود أمام مقر البرلمان المغربي. يضع أمامه فنجان قهوة أو كأس شاي مع النعناع، وينتظر ضحاياه الذين يقصدونه سعيا وراء خدمات كثيرة يقنعهم بقدرته على تلبيتها. 

تصدر "سلطان باليما" لسنوات، جلسات مقهى "باليما" التاريخية التي لم يعد لها وجود بعد إغلاقها. تارة يقول إن له صلات قرابة مع العائلة الملكية في الرباط. وتارة أخرى يقدم نفسه كموظف في القصر الملكي، إضافة إلى صفات كثيرة أخرى ينتحلها لإيهام ضحاياه بقدرته على حل مشكلاتهم وتلبية طلباتهم، مقابل إتاوات وعمولات ومبالغ مالية ومنافع عينية.

استهدف "سلطان باليما" ميسورين وقعوا في مشكلات مختلفة، أو متزلفين يبحثون عن مكان لهم في دائرة السلطة. إضافة إلى أصحاب شكاوى ومظلوميات كانوا يقصدونه من مدن أخرى. حتى قيل إنه "كان يستطيع بسهولة بالغة بيع ما لا يملكه أصلاً".

ظرف سياسي مناسب 

يقول الباحث السياسي والأكاديمي المغربي محمد شقير، إن "سلطان باليما" نتاج فترة سياسية مناسبة لظهور مثل هذه الشخصية. فهو ينتمي لأصل شريفي مرتبط بمنطقة وزان، فضلاً عن تعاطفه مع "حزب الشورى والاستقلال" للزعيم محمد حسن الوزاني في مقابل عدائه لـ "حزب الاستقلال".

أوضح شقير أن المحتال الشهير اختار مقهى باليما لأنه كان يجمع كل مكونات النخبة السياسية في العاصمة، نظراً إلى قربه من مقر البرلمان ووقوعه بمحاذاة القصر الملكي في تواركة، مضيفاً أن "هذا المحتال تفنن في استخدام اللباس المخزني لتلميع مظهره ولفت انتباه الناس إليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وبحسب شقير، اختار "سلطان باليما" ضحاياه بذكاء، فسهل عليه النصب طوال أكثر من عقدين. حتى أنه احتال على خدام أحد ضيع الملك القوي الراحل الحسن الثاني، فاستدعائه للاستماع إلى حكايات نصبه واحتيالاته".

ولفت الباحث، إلى أن "هذا المحتال المثير للجدل كان يحظى بنوع من الحماية الخفية، وغض الطرف من بعض مسؤولي وكوادر الدولة الذين كانوا يخلصونه من بعض الملاحقات البوليسية أو القضائية".

أبقار ملكية ومدافع تاريخية

فخامة المظهر ومهارات الاحتيال والقدرة على الإقناع واستغلال أطماع الضحايا، كلها عوامل جعلت "سلطان باليما" يبلغ شأناً كبيراً في الاحتيال والنصب، بل إنه اقتحم حتى مجال السياسة.

يحكى عنه أنه سافر إلى باريس خلال فترة نفي السلطان المغربي الراحل محمد الخامس من قبل السلطات الفرنسية، وهناك قدم نفسه للصحافة وتحديداً جريدة "لوفيغارو"، على أنه عضو من الأسرة الملكية، متحدثاً لها عن "ضرورة نيل المغرب للاستقلال، وقبل ذلك عودة السلطان المنفي لوطنه".

من قصص احتيال "سلطان باليما" أيضا، أنه استولى على أبقار موجودة في إحدى ضيع الملك الراحل الحسن الثاني، وباعها لأحد كبار مربي الماشية. كذلك باع سائحاً أجنبياً مدفعا في موقع تاريخي بالرباط يسمى "قصبة الأوداية"، ثم تورط السائح مع الشرطة وهو يحاول أخذ المدفع. 

بين الأصواء والظل 

بلغ احتيال "سلطان باليما" أسماع الملك الراحل الحسن الثاني، فاستدعاه ليسمع حقيقة قصصه المثيرة للدهشة. ثم حوكم بالسجن النافذ بتهم النصب وانتحال صفة، وأمرته المحكمة بعدم ارتداء الملابس المخزنية. 

توارى الوزاني إلى الظل فترة من الزمن، ثم ظهر بالزي الأوروبي الأنيق، واختار مقهى آخر في العاصمة ليستأنف نشاطه مجددا. ووفقا للأكاديمي شقير، اكتسب "سلطان باليما" شهرة واسعة في العاصمة وبات حديث جلساء المقهى من سياسيين وبرلمانيين ومسؤولين أمنيين، فتحول إلى "تجسيد مصغر وكاريكاتوري لنظام السلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني القائم على الهيبة السلطانية والتوسط السياسي واستغلال النفوذ".

المزيد من تقارير