Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

5 سنوات على عزل البشير وإهدار الثورة

تحل هذه الذكرى في ظل حرب بين الجيش و"الدعم السريع" تسببت في مقتل 15 ألفاً وتشريد 8.5 مليون

الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير يتحدث أثناء محاكمته في العاصمة السودانية الخرطوم، 1 سبتمبر 2020 (أ ف ب)

ملخص

كيف يقرأ المراقبون سير أحداث تلك الثورة وما تلاها، والأسباب التي حالت دون تحقيق أهدافها، بل وما نتج منها من حرب ما زالت مستعرة بين الطرفين؟

يظل يوم الـ11 من أبريل (نيسان) 2019، الذي شهد عزل الرئيس السابق عمر البشير بعد حكم دام 30 سنة علامة فارقة في حياة الشعب السوداني، ومشهداً لن يغيب عن بال أي سوداني مهما طال الزمن، وذلك بالنظر إلى ما انتهجته هذه الثورة من عنف غير مسبوق من أجهزة أمن النظام الحاكم، فضلاً عن التطورات التي توالت بعد إطاحته، وصولاً إلى الحرب التي اشتعلت بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل 2023.

جاء سقوط البشير بعد ضغوط شعبية ومظاهرات تفجرت في الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 2018 منددة بسياساته الاقتصادية والاجتماعية ونظامه وداعية إلى رحيله، لكن حاول النظام قمع تلك الاحتجاحات بالقوة مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى منذ اليوم الأول للانتفاضة، ثم ازدادت الأمور تعقيداً شيئاً فشيئاً في ظل إصرار الشعب السوداني على إسقاط النظام في مقابل تعنت السلطات في الاستجابة لمطالب المتظاهرين.

احتجاجات ورصاص

في المقابل حاول النظام بعد نحو أربعة أشهر من الاحتجاجات التي تواصلت يومياً، التي كانت تتصاعد وتيرتها تارة وتنخفض تارة أخرى، تهدئة الأوضاع من خلال توعده القيام بعدد من الإصلاحات على المستويات كافة، لكنه فشل في ذلك ليقر بعدها حال الطوارئ في محاولة أخرى للتخفيف من شدة الاحتجاجات.

مع حلول شهر أبريل من ذلك العام قرر المحتجون بمشاركة تجمع المهنيين السودانيين الذي كان يقود تلك الاحتجاجات، عقد اعتصام متواصل قرب مقر قيادة الجيش حتى تحقيق مطالبهم كافة، وبدأت بوادر الانقسام في الظهور عقب محاولة قوات أمنية فض الاعتصام بالقوة في مقابل رفض عدد من الجنود النظاميين الذين اشتبكوا معها بالرصاص الحي، مما تسبب في مقتل ثلاثة جنود في الأقل وإصابة عدد آخر غير معروف.

لكن تطورت الأمور بشكل سريع حين حاولت القوات الأمنية مجدداً اختراق الاعتصام مستعملة في ذلك الغاز المسيل للدموع، لكن جنوداً سودانيين وقفوا في وجه أجهزة الأمن ومنعوها من التقدم بعدما انتشروا في محيط مقر القيادة العامة بالعاصمة وأغلقوا أغلب الطرق المؤدية للمجمع.

 

 

هذه التطورات المتلاحقة في ظل اشتداد الاحتجاج الشعبي دفعت عدداً من القادة العسكريين الذين يعرفون باسم "أعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير" للاجتماع صبيحة الـ11 من أبريل من دون حضور الرئيس السابق، وبعدها بساعات سيطرت القوات المسلحة على مقر الإذاعة والتلفزيون وأذاعت بياناً على لسان وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عوض بن عوف، أعلن فيه إطاحته الرئيس عمر البشير واعتقاله، كما شكل مجلس عسكري انتقالي برئاسته يتولى حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها سنتين على أن تعقبها انتخابات عامة لاختيار سلطة مدنية.

لكن تجمع المهنيين السودانيين رفض الإجراء الذي قام به القادة العسكريون، ودعا المحتجين إلى مواصلة اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، إذ اعتبر أن ما حدث انقلاب عسكري نفذذته سلطات النظام لتعيد به إنتاج الوجوه والمؤسسات ذاتها التي ثار الشعب ضدها، وفي ظل الضغوط الشعبية أعلن الفريق عوض بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، واختيار المفتش العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلفاً له.

تحل هذه الذكرى الخامسة لسقوط نظام البشير في ظل حرب مستعرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" تسببت في مقتل ما لا يقل عن 15 ألف شخص من المدنيين، وتشريد أكثر من 8.5 مليون بين نازح ولاجئ، فكيف يقرأ المراقبون سير أحداث تلك الثورة وما تلاها، والأسباب التي حالت دون تحقيق أهدافها، بل وما نتج من حرب ما زالت مستعرة بين الطرفين؟

تغيير شكلي

يقول القيادي في "قوى الحرية والتغيير" المعز حضرة "جاءت الثورة التي اقتلعت نظام البشير نتيجة تراكمات عديدة، وبدأت من اليوم الأول لانقلاب الـ30 من يونيو (حزيران) 1989، عبر نضالات وتضحيات لا توصف لهذا الشعب، بدءاً من شهداء الـ28 من رمضان عام 1990، وشهداء ثورة سبتمبر (أيلول) 2013، حتى تحقق حلم الشعب السوداني في الـ11 من أبريل 2019 بإزالة كابوس النظام الإسلاموي من السلطة. تلك الثورة تميزت بالسلمية على رغم القمع الذي مارسه النظام ضد المحتجين، كما تميزت بأنها انطلقت من الأقاليم لتعم بعدها كل انحاء البلاد بما فيها العاصمة، بالتالي شارك فيها كل السودانيين".

وأضاف حضرة "من المؤسف أن النظام السابق مارس العنف الممنهج في حق الشعب الذي خرج إلى الشوارع يطالب برحيله، بل وأصدر أنصاره فتاوى تبيح قتل المحتجين، لكن كل ذلك لم يمنع السودانيين من الاستمرار في ثورتهم، ومع توالي الأحداث يبدو أن الحركة الإسلامية اقتنعت بأن البشير شخص غير مرغوب فيه، وأن الشارع رافض لهذا النظام، بالتالي قررت التضحية برأس الحكم والالتفاف على الثورة بإحداث تغيير صوري في كابينة الرئاسة بالإعلان شكلاً عن القبض على البشير، ليستمر النظام حتى يومنا هذا من خلال اللجنة الأمنية التي بدأت في مخططها لإجهاض الثورة انطلاقاً من فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يوليو (تموز) 2019".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وواصل "استمر هذا التآمر ضد الثورة حتى بعد توقيع الوثيقة الدستورية بين العسكريين والمدنيين في الـ17 من أغسطس (آب) 2019 لإدارة الفترة الانتقالية، التي شهدت خلافات عميقة بين الجانبين المدني والعسكري، ليحدث حينما اقترب موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين أن نفذ العسكريون بقيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان انقلاباً في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 أوصل البلاد للحرب التي قضت على مكتسبات ومقدرات الدولة السودانية، وشردت شعبها في دول الجوار وغيرها، وهي حرب أشعلتها الحركة الإسلامية لقطع الطريق أمام تنفيذ الاتفاق الإطاري الذي كان سيوصل البلاد إلى السلطة المدنية الديمقراطية، وهي تريد من خلال ذلك أن تصل إلى السلطة، لكنها نسيت أن جمرة الثورة مشتعلة، وأنها ستنتصر في النهاية".

وختم القيادي في "الحرية والتغيير" بالقول إن "البرهان وأعوانه بدل من أن يقوموا بفتح بلاغات ضد المتهمين الهاربين من السجون الذين يمثلون قادة النظام السابق، وهم عمر البشير وعلي عثمان وأحمد هارون وعبدالرحيم أحمد حسين وبكري حسن صالح ونافع علي نافع وعوض الجاز وغيرهم، يتفرجون عليهم وهم يقودون الحرب ويشعلونها من خلال تسليح المواطنين علناً تحت ما يسمى بالمقاومة الشعبية في مناطق شرق السودان، ووصلت بهؤلاء العسكريين الجرأة إلى فتح بلاغات ضد القادة المدنيين الذين يطالبون بوقف الحرب من خلال التفاوض وإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء إلى المتضررين في مناطق الصراع".

سير بطيء

في السياق أفاد أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية الحاج حمد، بأن "من الملاحظ أن الدورة التاريخية للثورات السلمية التي ليست لديها قوات مسلحة لتوجيهها أيديولوجياً نحو تسلم السلطة وفقاً للمنهج الذي اتبعته الثورة، تسير بشكل بطيء جداً، لدرجة أن القوى التي تصعد غالباً ما تفتقر إلى الخبرة الكافية، وقد تنحاز إليها فصائل من بقايا النظام المستهدف إطاحته، وتمكنها من أن تصبح لفترة من الزمن جزءاً من محاولة تقليل خسائر القوى التي كانت مصالحها مرتبطة بالنظام السابق. وهذا ما حدث مثلاً في الثورة الفرنسية التي انتهت بانقلاب نابليون، فقد كسب الجولة ليس لصالح التغيير بل لأنه ادعى بانقلابه نقل المكاسب التي حققتها الثورة إلى الخارج".

 

 

وتابع حمد "إذا طبقنا ذلك على الحال السودانية سنجد أن الدفعة الأولية للثوار أسقطت القيادة السياسية البارزة لحزب (المؤتمر الوطني) أو ما يسمى الإسلام السياسي، بالتالي فإن القوى التي كانت تمثل حركة الشارع، التي كانت معول الهدم الرئيس، هي نفس فكرة جبهة الهيئات في ثورة أكتوبر 1964 ضد إبراهيم عبود، وكذلك التجمع الوطني الديمقراطي في انتفاضة أبريل 1985 ضد جعفر نميري، وجميعها ثورات سلمية تم الالتفاف عليها".

ويبين أستاذ الاقتصاد السياسي أن "الخلل الرئيس في ثورة الـ11 من أبريل أن أولياتها تمثلت في محاولة تصفية السيطرة المدنية للقوى المؤيدة للنظام السابق، عبر الفساد الذي لازمها واستغرق وقتاً أطول من اللازم، في حين أن الأخطر دوماً ليس هو الجزء المدني المتعلق بالفساد وغيره في مقابل جيش مسيطر على مناجم ذهب وميليشيات تملك شركات استيراد وتصدير، فضلاً عن المنظومة الاقتصادية الفاسدة التي حولت الجيش عن مهماته الإساسية المتمثلة في حماية الحدود الوطنية إلى التمركز في مناطق الاستثمارات التجارية، التي ركزت في مجالات بيع الأسلحة والذخائر لفئات معارضة لنظم داخل المنطقة والإقليم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير