Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غرفة" هارولد بنتر: مزحة "مرعبة" ولدت في 3 أيام

مسرحية في فصل وحيد حولت الممثل "بارون" إلى واحد من كبار مسرحيي العالم

مشهد من تقديم لمسرحية "الغرفة" (موقع المسرحية)

ملخص

لا يكون هارولد بنتر أشهر كتاب المسرح والسينما أيضاً والتلفزيون كذلك في النصف الثاني من القرن الـ20 وقد لا يكون أفضلهم، لكنه بالتأكيد الأكثر استحقاقاً لأن يحول اسمه إلى تيار محدد هو "البنترية"

غريب أمر اليمين الإنجليزي مع هارولد بنتر الكاتب المسرحي والسينمائي الكبير الذي يكاد يكون متفرداً في مقدار تجريح ذلك اليمين له ونهشه نهشاً، وبالتحديد طوال السنوات الثلاث التي فصلت بين نيله جائزة نوبل الأدبية (2005) ورحيله في عام 2008 عن عمر يناهز الـ78. فمن صحافته ولا سيما "دايلي تلغراف" إلى أبواقه الإذاعية والتلفزيونية عاملوه بأسوأ مما عاملوا المؤرخ إريك هوبسباون الذي فاقه يسارية وعداءً لإسرائيل واستفزازية. ولكن كما أن التاريخ ثأر لهذا الأخير ها هو ذا التاريخ يثأر في أيامنا هذه لبنتر الذي سيحتفل العالم بعد سنوات قليلة من الآن بمئوية ولادته، وتستعاد الآن مسرحياته ويبدى اسمه ككاتب سيناريوهات سينمائية حتى على اسم مخرجه الأثير جوزيف لوزاي.

"البنترية" تيار مسرحي

في النهاية، قد لا يكون هارولد بنتر أشهر كتاب المسرح والسينما أيضاً والتلفزيون كذلك في النصف الثاني من القرن الـ20 وقد لا يكون أفضلهم، لكنه بالتأكيد الأكثر استحقاقاً لأن يحول اسمه إلى تيار محدد هو "البنترية". ويأتي هذا، بالطبع، انطلاقاً من تلك الوحدة العضوية التي تطبع مجمل أعماله الكتابية، وحدة تتأسس على مجموعة من الميزات التي دخلت قاموس أوكسفورد للمسرح مقتصرة على توصيف "البنترية" أن كتابة بنتر تحمل في طياتها إشارة واضحة ومتواصلة إلى وجود ذلك التهديد الخفي الذي يحيط دائماً بحياة البشر في الزمن الحديث، ومن أهمها أيضاً كتابة يغيب عنها التواصل الحقيقي، من طريق الحوار أو المواقف، في العلاقة بين البشر، ويحضر، بدلاً من ذلك وفي صورة دائمة، غرباء قد لا نعرف أبداً لماذا جاؤوا، من أين جاؤوا وما غايتهم الحقيقية من هذا الحضور... ومن هنا يبدو الغياب في الدرجة الأولى، في هذه الكتابة شديدة الحداثة التي تنهل من كافكا وليس هذا من قبيل الصدفة، يبدو الغياب غياب المعنى قبل أي شيء آخر.

شيء من الغموض

من البديهي القول هنا إن كل هذه العناصر والأبعاد لا تظهر في مثل هذا الوضوح في أعمال بنتر كلها، ولا بخاصة في المسرحيات الـ30 تقريباً التي كتبها خلال الـ50 سنة الأخيرة من حياته التي هي عمره ككاتب، إذ نعرف أن بنتر كتب أول نص مسرحي له في أوائل صيف عام 1957، بعد أن قرر خوض تجربة الكتابة المسرحية، بعدما أمضى سنوات اكتفى خلالها من العمل المسرحي بالتمثيل تحت اسم ديفيد بارون. ولكن ما يمكن قوله هنا هو أن تلك المسرحية الأولى التي كتبها هارولد بنتر، إذ استعاد فيها ككاتب اسمه الحقيقي، حملت معظم الميزات والأبعاد التي نتحدث عنها، حتى يمكن اعتبارها الرحم الحقيقية والخصبة التي ولد منه عمل بنتر المسرحي والكتابي عموماً. المسرحية التي نتحدث عنها هي "الغرفة"، التي أعيد تقديمها في الذكرى الـ50 لولادتها أي لولادة بنتر ككاتب مسرحي، وذلك حين راح يدنو من سن الـ80 من دون أية تعديلات على صياغتها الأولى. ولتلك الصياغة على أية حال حكاية من الجيد العودة إليها هنا.
كانت "الغرفة"، وهي مسرحية في فصل واحد، أول نص مسرحي كتبه بنتر. وهو كتبها ذلك الحين بناءً على طلب من صديقه الممثل والمنتج هنري وولف، الذي كان يومها في صدد البحث عن نص يقدمه طلاب صف المسرح في جامعة بريستول لمناسبة التخرج نهاية السنة. وعندما فاتح صديقه بنتر بالأمر طالباً منه أن ينصحه بنص معين... قال له بنتر إن لديه هو شخصياً فكرة قد تصلح. وحين حدثه عن الفكرة تحمس وولف حماسة كبيرة وقال لبنتر من فوره: إذاً، لماذا لا تجلس أنت وتكتب مسرحية في فصل واحد انطلاقاً من هذه الفكرة.

جهد ثلاثة أيام

راق الأمر لبنتر وجلس ليكتب. كتب طوال ثلاثة أيام، طلع بعدها بهذه المسرحية، التي من غريب أمرها أنها حملت في ثناياها كل الأفكار والأسس والأبعاد التي سنجدها لاحقاً ماثلة، ليس فقط في المسرحيات العديدة التي كتبها بنتر، بل كذلك في السيناريوهات السينمائية الـ26، وفي عشرات التمثيليات الإذاعية التي أنتجها. كما قلنا، كل كتابة هارولد بنتر ولدت من رحم تلك الأيام الثلاثة ومن قلب تلك الغرفة. وكذلك ولد منهما اسمه الحقيقي الذي راح يوقع به منذ ذلك الحين ليصبح بعد نصف قرن مبدعاً إضافياً من الكبار الذين توجت جائزة نوبل أعمالهم.
للوهلة الأولى قد تبدو "الغرفة" شبيهة بأعمال مسرح اللامعقول، لكن هذا ليس دقيقاً، إذ إن الواقع يقول لنا إنها مثل معظم مسرحيات بنتر التالية، تحتل مكاناً وسطاً بين مسرح اللامعقول ومسرح الغضب الذي كان ينمو بدوره في بريطانيا في ذلك الحين بالذات على أيدي جون أوزبورن وجون آردن وحتى آرنولد ويسكر... مع إضافة هنا تتمثل في ضم جزء كبير من مخاوف بنتر المحمولة منذ صباه المبكر، حين كان أهله ينقلونه وإخوته من مكان إلى آخر خلال الحرب العالمية الثانية خوفاً من تهديداتها. تلك الوضعية أوجدت لدى بنتر ذلك الإحساس الذي لن يبارحه أبداً، بوجود تهديد خفي دائم. وهذا التهديد في "الغرفة" لن يقدم إلينا إلا من خلال إحساس الشخصية النسائية الرئيسة في المسرحية به.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الضرير الأعمى

إنه يتمثل في شخص أحست سيدة بوجوده في غرفة عتمة في قبو البناية التي تسكن فيها. ومنذ بدء المسرحية، حين تفتح الستار على تلك السيدة، روزهاد، وهي في صالة منزلها، نراها تثرثر وكأنها تحدث نفسها فيما زوجها بيرت جالس غارق في مجلة يقرأها... وثرثرة السيدة روز تدور حول الطقس وجمال الحي الذي يعيشون فيه، ولكن بعد ذلك حول مستأجر غرفة القبو ذلك الشخص الغامض الذي يرعبها وجوده من دون أن تعرف عنه شيئاً. هنا يدخل صاحب المبنى إلى البيت ويعير السيدة روز آذاناً صاغية على عكس زوجها... غير أنه في المقابل لا يتمكن من تخفيف رعبها من المستأجر السفلي الغامض. وإذ يخرج صاحب المبنى مع زوج روز، كل منهما إلى عمله، يدخل زوجان شابان يسألان روز عن صاحب المبنى لأنهما يريدان استئجار شقة لديه. ويخبر الرجل وزوجته روز بأنهما خلال بحثهما عن مالك المبنى، مرا على القبو العتم... وهما إذ راحا يصفان أمام روز ما رأياه، أو حتى ما لم يرياه في عتمة القبو والغرفة السفلية التي لا نوافذ فيها، يمضيان في إثارة الرعب لدى روز. وبعد أن يخرج الزوجان، يعود مالك المبنى إلى شقة روز ليخبرها هذه المرة بأن عليها وبإلحاح أن تلتقي الرجل الذي كان ينتظرها في الأسفل، والذي قال له إن عليه رؤيتها بعدما يبارح زوجها الشقة. وهنا يذهب مالك المبنى ليعود بالرجل المذكور... فإذا به رجل أسود ضرير يحمل رسالة إليها... أما ما يلي هذا فما هو سوى مشهد عنيف يلي عودة بيرت زوج روز إلى البيت وبه تختتم المسرحية من دون أن يفسر لنا شيئاً مما حدث أو يحدث فيها.

مزحة أم رعب إزاء الزمن؟
في البداية إذاً واضح أن هارولد بنتر كتب هذه المسرحية على شكل مزحة، لكنها بعدما عرضت في جامعة بريستول وحققت نجاحاً كبيراً عاد ينظر إليها نظرة جدية... لكنه بدلاً من أن يحدث تطويراً فيها، يكتب مسرحيته التالية "حفلة عيد الميلاد" التي تنجز وتقدم في السنة نفسها ولكن هذه المرة أمام جمهور عادي وليس أمام طلاب في جامعة. والحال أن الشبه بين المسرحيتين كبير: المناخ نفسه، التهديد نفسه، والشخصيات الغريبة نفسها، والمتطفلون أنفسهم يدخلون ويخرجون بغتة من دون أن نعرف من أين أو إلى أين أو لماذا.
ومنذ ذلك الحين لم يتوقف هارولد بنتر، المولود عام 1930، عن كتابة المسرحيات، لكنه كما أشرنا لم يكتف بذلك بل كتب للسينما (خصوصاً أعمالاً تعتبر علامات مهمة مثل "الخادم" و"حادث" و"الوسيط" لجوزف لوزاي، و"عشيقة الملازم الفرنسي"، لا سيما "المخبر" الذي حققه جوزيف مانكفتش قبل عقود، وها هو ذا يحقق من جديد قبل سنوات). أما بالنسبة إلى مسرحياته فإن "الغرفة" هي أولها طبعاً لكن أشهرها "حفل عيد الميلاد" و"المعتني" و"الخيانة" و"ضوء القمر" وطبعاً "العودة للدار"، علماً أن عدداً كبيراً من مسرحياته قد حول إلى أفلام سينمائية، وإلى أعمال تلفزيونية تلقى نجاحات كبيرة منذ سنوات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة