ملخص
يرى مراقبون أنهم لمسوا محاولة إيرانية مقصودة لإحراج الأردن من خلال توجيه ضربات وصفت بأنها لحفظ ماء الوجه عبر أجواء المملكة
عاش الأردنيون ليلة فريدة من نوعها وهم يراقبون من شرفات منازلهم بقلق وترقب الصواريخ والمسيرات الإيرانية في سماء المملكة في مشهد أعادهم بالذاكرة إلى حرب الخليج قبل أكثر من 30 عاماً حين مرت الصواريخ العراقية بأجواء بلدهم في طريقها إلى إسرائيل.
وراقب الأردنيون باهتمام بالغ الرد الإيراني على إسرائيل، بعد أن تحولت أجواء المملكة قسراً إلى مسرح للهجمات، فسقطت شظاياها في بعض الأحياء السكنية داخل العاصمة عمان والمدن الأخرى.
وعلى رغم أن ليل الأردنيين انطوى في اليوم التالي على خسائر مادية لا تذكر، فإن تداعيات هذه الضربة المحدودة لم تتوقف، بل إن ارتداداتها قد تستمر خلال الأيام المقبلة، وفق مؤشرات وتصريحات ومواقف رسمية.
ويقول مراقبون إنهم لمسوا محاولة إيرانية مقصودة لإحراج الأردن من خلال توجيه ضربات وصفت بأنها لحفظ ماء الوجه عبر الأجواء الأردنية. وزادت هذه التطورات من فتور العلاقات بين عمان وطهران، والتي اتسمت بالتوتر لسنوات طويلة مضت.
استدعاء السفير الإيراني
أحدث هذه المؤشرات كان إعلان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي استدعاء السفير الإيراني لدى عمان، احتجاجاً على تصريحات مسيئة للمملكة بثت على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
استدعاء السفير الإيراني علي أصغر ناصري جاء أيضاً بعد تحذيرات أطلقها الإعلام الرسمي في طهران خلال الأيام الماضية من أن الأردن سيكون الهدف التالي في حال تعاونه مع إسرائيل في مواجهة إيران.
وشنت وسائل إعلام إيرانية انتقادات واسعة ضد المملكة بعد اتهام القوات الأردنية بالمشاركة في إسقاط مسيرات وصواريخ باليستية فوق مجالها الجوي.
وفي تصعيد لفظي، قال الصفدي إن سياسة الأردن ثابتة، وإن كل مسيرة أو صاروخ يخترق أجواء المملكة سيتم التصدي له لحماية الأردنيين وأمن البلد واستقراره.
وأضاف الصفدي، "مشكلة إيران مع إسرائيل، وليس مع الأردن، ولا تستطيع طهران ولا غيرها المزايدة على ما يقوم به الأردن وما يقدمه تاريخياً من أجل فلسطين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزير الخارجية الأردني الذي حاول قطع الطريق على المنتقدين لموقف بلاده، أكد أنها ليست المرة الأولى التي تسقط فيها صواريخ ومسيرات إيرانية داخل المملكة، موضحاً أن بلاده ستتعامل بالطريقة نفسها إذا كان الخطر قادماً من إسرائيل.
وقال الصفدي، "الأردن دولة قادرة على حماية مصالحها، والإجراءات التي قمنا بها أمس سنقوم بها في المستقبل، سواء كان مصدر التهديد إسرائيل أو إيران".
ساحة حرب إقليمية
بينما حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من أن أي تصعيد إسرائيلي يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع بالمنطقة، وذلك في اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس الأميركي جو بايدن. وشدد العاهل الأردني على أن "بلاده لن تكون ساحة لحرب إقليمية"، وذلك غداة الهجوم الإيراني بصواريخ ومسيرات على إسرائيل.
ودافعت الحكومة الأردنية بقوة عن إجراءاتها العسكرية. وقال بيان للقوات المسلحة الأردنية، إنه تم التعامل مع بعض الأجسام الطائرة التي دخلت أجواء البلاد، والتصدي لها للحيلولة دون تعرض المواطنين والمناطق السكنية المأهولة للخطر.
وجاء الرد الرسمي الأردني بعد دعوات إسرائيلية لإعادة إحياء تحالف دولي ضد إيران، وفي موازاة تقرير صحافي لصحيفة "يديعوت أحرنوت" قالت فيه إن الهجوم الإيراني كشف عن طابع التعاون الوثيق الذي يربط إسرائيل والأردن، لكن وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة أوضح أن بلاده ليست طرفاً في صراع النفوذ الإيراني - الإسرائيلي في المنطقة، لكن الجديد هو أن إيران أرادت الجغرافيا الأردنية جزءاً من ساحات صفقاتها مع الولايات المتحدة.
وأضاف المعايطة، "ما فعله الأردن حماية لأرضه ومواطنيه، وإيران لم توجه صواريخها دفاعاً عن غزة، بل عن قنصليتها لدى دمشق".
وأشار الوزير الأردني السابق إلى أن الرد الإيراني خذل الغارقين في وهم طهران، مؤكداً أن المستفيد الأول هي إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو شخصياً. وحذر من أن إيران تبيع الوهم منذ عقود ولا تخدم إلا مشروعها الفارسي.
مسرحية أم حقيقة
ووصفت غالبية من الأردنيين الناشطين على منصة "إكس" الضربات الإيرانية بأنها "مسرحية"، فيما تهكم آخرون على سرعة الإعلان عن انتهائها في وقت لم تكن فيه الطائرات المسيرة قد وصلت بعد إلى وجهتها في إسرائيل.
وشكك طرف ثالث بفاعلية الصواريخ الإيرانية وجدواها، إذ لم يعلن عن أي خسائر في الجانب الإسرائيلي الذي أكد أنه تصدى لنحو 99 في المئة منها.
وتداول الأردنيون بكثافة حتى ساعات فجر أمس الأحد مقاطع وصور التقطوها من شرفات منازلهم للصواريخ والمسيرات الإيرانية وبعض الشظايا التي سقطت في مناطق أردنية عدة.
وتساءل آخرون عن سبب عدم إطلاق صافرات الإنذار في المدن الأردنية على رغم جاهزيتها لمثل هذه الظروف، لكن ذلك يتوافق مع رغبة الحكومة بعدم إثارة الهلع. ونفى وزير الاتصال الحكومي الأردني مهند مبيضين صحة ما جرى تداوله عن إعلان حالة الطوارئ في المملكة، مؤكداً أن الحياة في البلاد طبيعية على رغم القصف الصاروخي في الأجواء.
في المقابل، يرى مراقبون أن الأردن قد يدخل مرغماً في هذه المواجهة الإقليمية، بحسب ما أكده العميد المتقاعد محمد المقابلة الذي يشير إلى أن اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة تسمح لها باستخدام الأجواء الأردنية دون الرجوع للطرف الأردني أو إبلاغه.
وأضاف المقابلة، "أنا مع الحفاظ على الأجواء الأردنية، لكن ماذا عن القواعد الأميركية التي يتحرك فيها الجنود الأميركيون بحرية؟".
في الأثناء يتحضر برلمانيون وأعضاء في مجلس النواب الأردني لإعادة المطالبة بمناقشة اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة لما لها من تأثيرات سلبية في سيادة المملكة، على حد تعبيرهم.