ملخص
لو نظرت إلى الولايات المتحدة اليوم، لن تجد صعوبة في تخيل المشهد في الحقيقة، فعدد الأسلحة أكثر من عدد السكان كما أن رئيساً من بين كل 11 كان قد قتل.
عندما شرع ستيفن مارش في تأليف كتاب يتصور ضمنه اندلاع حرب أهلية أميركية في المستقبل، واجه تحديات كبيرة، إذ اضطر إلى حذف أجزاء عدة من كتاباته لأن الأمور ذاتها كانت تتجسد في الحياة الواقعية. فأمور مثل تحدي مأموري الشرطة في جميع أنحاء البلاد للقوانين الفيدرالية وحصول مجموعات تؤمن بتفوق العرق الأبيض على مواد نووية كانت تعكس أموراً متخيلة بالنسبة إليه. أدرك مارش سريعاً أن الحرب الأهلية التي يتنبأ بها بدأت فعلياً من ناحية ما.
ثمة شيء في الأجواء وفي الشوارع وقد وصل إلى شاشاتنا الآن، مجسداً بفيلم أليكس غارلاند الجديد "حرب أهلية" الذي يتخيل مستقبلاً بائساً تتحول فيه الرئاسة الأميركية إلى ديكتاتورية فيما يزحف المتمردون على البيت الأبيض.
يقول مارش إنه عندما اندلعت الحرب الأهلية الأولى في ستينيات القرن الـ19، قلة من الأشخاص في أميركا توقعت وقوعها- حتى عند اشتعال المعركة الأولى في حصن سمتر قرب تشارلستون، في كارولاينا الجنوبية. تجد في بداية كتاب "الحرب الأهلية المقبلة: رسائل من مستقبل أميركا" مقولة مقتبسة من كولونيل متقاعد في الجيش يذكر فيها أن أي حرب أهلية أميركية جديدة لن تكون مثل الحرب السابقة التي شهدت تحرك الجيوش في ميادين المعارك.
وقال "أعتقد بأن الجميع سيشارك فيها. سيتحارب الجيران بين بعضهم بناءً على اختلاف المعتقدات ولون البشرة والديانة. وسوف تكون مرعبة".
يرى مارش الذي يحمل الجنسية الكندية ويعيش في تورونتو مع زوجته وأطفاله، أنك لو نظرت إلى الولايات المتحدة اليوم، لن تجد صعوبة في تخيل المشهد في الحقيقة. "فعدد الأسلحة أكثر من عدد السكان كما أنه قُتل رئيس واحد من بين كل 11 رئيساً". (يقول مارش في كتابه إنه من غير المفاجئ أن ينفق جهاز الاستخبارات الأميركي مليون دولار يومياً لإبقاء الرئيس على قيد الحياة).
ويسهب الكاتب بالشرح عن حركة "حياة السود مهمة" وحركة "صبية البوغالو" المتطرفة المناهضة للحكومة التي سلحت نفسها حتى النخاع، وعن الجماعات الصغيرة في منطقة الشمال الغربي على المحيط الهادئ التي عزلت نفسها ضمن تجمعات تعاونية، مدعية بأنها لا تعترف بالقانون.
ويخوض في وصف ولايات مثل تكساس التي تحارب الحكومة الفيدرالية بسبب القوانين التي تحكم الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة، وإرهاب "الذئاب المنفردة" مثل ديلان روف الذي قتل تسعة أشخاص سود يرتادون الكنيسة في تشارلستون، في كارولاينا الجنوبية عام 2015.
"هكذا يكون شكل الفوضى" بحسب مارش الذي يقول "وبذلك، فإن الحرب الأهلية الجديدة هي شيء رأينا مثله قبلاً غير أنه متواصل بصورة أكبر بكثير بينما إيقافه أصعب بكثير".
لكن مارش يضيف أن ذلك ليس بعيداً تماماً، لا سيما عندما تضع في الاعتبار إيمان غالبية الجمهوريين بأن انتخابات عام 2020 زُوّرت. "هذه ليست أقلية هامشية. تعاني الولايات المتحدة بالفعل أزمة شرعية دستورية".
على رغم الافتراض السائد بأن الفتيل الذي أشعل هذا الوضع هو الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021- حين حاول مناصرو ترمب إبقاءه في سدة الرئاسة عن طريق منع الكونغرس من التصديق رسمياً على فوز جو بايدن في الانتخابات- يقول مارش إن هذا الاضطراب يعتمل منذ أعوام.
ويضيف، "أثناء حديثي مع الخبراء السياسيين والقانونيين، ظل تاريخ معين يتردد وهو عام 2008 لأن أزمة السكن التي ظهرت ذلك العام كانت نقطة البداية التي بيّنت بحق موت الطبقة الوسطى وفناء الاعتقاد بأن كل جيل سيكون وضعه أفضل من الجيل السابق... وقعت أحداث مثل زيادة أعداد الجنود في العراق ونهاية اللحظة التي يمكن لأميركا فيها الادعاء بأنها الشرطي الخيّر في هذا العالم".
ويتابع مارش أن "ترمب من الأعراض وليس هو السبب. فالمشكلات الأساسية التي تعانيها الولايات المتحدة ضخمة: انعدام المساواة والتراجع الحاد في الثقة بالنظام القضائي والاحتكار الثنائي الحزبي المتطرف بين الحزبين السياسيين الذي يفضي إلى الفوز في الانتخابات بدلاً من وضع مخططات للمستقبل، إضافة إلى دستور متهالك وقاصر لكنه مع ذلك يُعبد كما لو كان نصاً دينياً ولو أن ذلك لا ينطبق على القرن الـ21.
عليك أن تفهم أن المحرك الأكبر في السياسة الأميركية هو المال. وهم بحاجة إلى الكراهية لكي يجمعوا هذا المال. ويحتاجون إلى الكراهية لكي يدفعوا قاعدتهم الشعبية للتوجه إلى صناديق الاقتراع
ستيفن مارش
لكن الخبر الإيجابي هو اعتقاد مارش بوجود سبل لوقف هذا التدهور قبل أن يبلغ درجة الفوضى العارمة والاضطراب غير المحدود. تستطيع الولايات المتحدة مثلاً أن تعقد مؤتمراً دستورياً لتحديث وثائقها التأسيسية. أما الانفصال الذي كان هدف الولايات الكونفيدرالية خلال الحرب الأهلية الأميركية- فهو مستبعد كثيراً برأي مارش، لكنه يشكل أحد الحلول.
وهو يعتقد بأن أكثر سيناريو واقعي هو البدء بعقد انتخابات تمهيدية مفتوحة. والانتخابات التمهيدية هي الآلية التي يختار الناخبون من خلالها مرشحهم المفضل في كل حزب سياسي لكي يتم ترشيحه في الانتخابات العامة.
في الوقت الحالي، تعتبر الانتخابات التمهيدية الأميركية قضية حزبية لا تسمح سوى للأعضاء المسجلين في الحزب الديمقراطي والجمهوري بأن يصوتوا في انتخابات كل حزب. وبالنتيجة، كما يقول مارش، "الأشخاص الوحيدون الذين يدلون بأصواتهم هم المتطرفون، وأكثر أنصار الأحزاب تفانياً".
لكن في المقابل، تؤدي الانتخابات التمهيدية المفتوحة إلى "دخول أشخاص متعقلين أكثر بكثير إلى الحكومة" كما يقول. "فمن الحتمي أن ينتخبوا عدداً أكبر من الأشخاص الوسطيين لأن المعاتيه لا يمثلون بصراحة إرادة الشعب الأميركي".
لكن ذلك لا يبدو احتمالاً قائماً، أقله في المستقبل المنظور لأنه ليس من مصلحة الديمقراطيين ولا الجمهوريين، كما يلفت مارش، أن يعقدوا انتخابات تمهيدية مفتوحة.
برأي مارش: "عليك أن تفهم أن المحرك الأكبر في السياسة الأميركية هو المال. وهم بحاجة إلى الكراهية لكي يجمعوا هذا المال. ويحتاجون إلى الكراهية لكي يدفعوا قاعدتهم الشعبية للتوجه إلى صناديق الاقتراع… يدلي الناس بأصواتهم (بسبب) كراهيتهم للآخر. لو طرحت عليهم سؤال 'هل حالكم الآن أفضل مما كانت منذ أربعة أعوام؟'، سيفوز بايدن بكل سهولة لأن ما من أحد تقريباً سيجيب بلا. عندما تنظر إلى الأرقام ترى (أن بايدن) حقق كثيراً لبلاده".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع: "لكن أميركا دخلت مرحلة ما بعد السياسة. ولا يفكر الناس من منطلق السياسات أبداً. بل يفكرون 'يا إلهي كم أكره دونالد ترمب' أو 'بايدن حقير'".
ربما من دواعي السخرية أن التوقيت الذي يشير إليه مارش باعتباره بداية هذا الكابوس البائس هو عام 2008، أي السنة نفسها التي انتُخب فيها باراك أوباما رئيساً- ذلك الرجل الذي أقام حملته الانتخابية على رسالة أمل وتغيير، وعلى رؤية وردية لمستقبل الولايات المتحدة من دون أي انقسامات أو خلافات.
لكن كما يلفت مارش، لا يزال الأمل سلعة رابحة. ويضيف، كما لو أنه يكتب ملحقاً للحرب الأهلية المقبلة "لا يعصى حل أي من الأزمات التي يستعرضها هذا الكتاب على الأميركيين".
ربما توفر هذه الكلمات شيئاً من البلسم لمن يعتقدون بأن أميركا هالكة لا محالة وأن الأوان فات لتوحيد أمة منقسمة إلى هذه الدرجة. يذكر مارش الحزن الذي وحد البلاد بعد اغتيال جون إف كينيدي وأن قانون الحقوق المدنية حظي بدعم الحزبين بعد ذلك بعامين.
من الصعب رؤية ذلك الشكل من الوحدة في أي وقت قريب. لكن لو حدث ذلك في الماضي، فمن الممكن أن يحدث في المستقبل. إنها مسألة وقت ليس إلا.
"الحرب الأهلية المقبلة: رسائل من مستقبل أميركا" لستيفن مارش يصدر عن دار سايمون وشوستر
© The Independent