صوّت الإسرائيليون، اليوم الثلاثاء، في انتخابات تشريعية شهدت منافسة شديدة بين رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو المستمر في السلطة منذ 13 سنة، ورئيس هيئة الأركان السابق الوسطي بيني غانتس، بعد خمسة أشهر على مواجهة أولى بينهما لم تكن حاسمة.
وأظهرت استطلاعات للرأي نُشرت بعد إقفال صناديق الاقتراع مساء الثلاثاء في إسرائيل أن نتنياهو ومنافسه غانتس حصلا على نتائج متقاربة جداً في الانتخابات العامة.
وأظهرت ثلاثة استطلاعات رأي منفصلة أجرتها محطات تلفزيونية إسرائيلية أن كلاً من حزب "الليكود" اليميني الذي يتزعمه نتنياهو وتحالف "أزرق أبيض" الذي يتزعمه غانتس، سيحصل على ما بين 31 و 34 مقعداً في البرلمان من أصل 120 مقعداً. ولا يبدو، بحسب هذه الاستطلاعات، أن الانتخابات ستسفر عن كتلة واضحة تتمتع بالغالبية.
وأفادت الاستطلاعات أن وزير الدفاع السابق، رئيس حزب "إسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان سيحصل على ما بين 8 و10 مقاعد.
وإذا ثبتت صحة استطلاعات الرأي، لن يكون نتنياهو أو منافسه غانتس قادرين على أن يشكل أحدهما حكومة مع حلفائه من دون اللجوء إلى ليبرمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخوف من النتائج
وخلال إدلائه بصوته، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي المرشح لولاية سادسة، إلى التصويت بكثافة في الانتخابات التشريعية متوقعا نتائج متقاربة، وفقما قال بعد الإدلاء بصوته في القدس.
وأعلن نتنياهو، الذي حضر إلى مركز الاقتراع مع زوجته مرتديا بزة سوداء وقميصا أبيض وربطة عنق زرقاء، "الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال أمس إن نتائج الانتخابات ستكون متقاربة"، مضيفا، "يمكنني أن أضمن لكم هذا الصباح أنها ستكون متقاربة جدا".
في المقابل، دعا غانتس على رأس تحالفه الوسطي أزرق أبيض، الإسرائيليين إلى رفض "الفساد" و"التطرف"، بعد الإدلاء بصوته مع زوجته في مدينة روش هاعين (رأس العين) بوسط إسرائيل حيث يقيم. وقال "نريد أملا جديدا. نصوت اليوم من أجل التغيير"، مضيفا "سننجح كلنا معا في الإتيان بأمل جديد، من دون فساد ومن دون تطرف".
وفتحت صناديق الاقتراع صباح الثلاثاء في الساعة 7,00 (4,00 ت غ) أمام 6.4 مليون ناخب في ثاني انتخابات تجري خلال خمسة أشهر، على أن تغلق في الساعة 22,00 مساء (19,00 ت غ) في معظم المناطق.
وبحسب مراقبين، يمكن لوزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان الذي كان اليد اليمنى لنتنياهو قبل أن يتحول إلى منافس له، أن يلعب دور صانع الملوك بعد حملة خاضها تحت شعار "لجعل إسرائيل طبيعية من جديد".
وستصدر النتائج الأولية التي تعتمد على استطلاعات الرأي لدى خروج الناخبين من مراكز الاقتراع، بعد إغلاق الصناديق مباشرة، على أن تعلن النتائج الرسمية غدا الأربعاء.
وفي القدس كانت أعداد الناخبين، اليوم الثلاثاء، قليلة لكن ربما هذا لا يعني تحقق المخاوف من تدني نسبة الإقبال بسبب إجهاد الناخبين. ووفقا للجنة الانتخابات المركزية، بلغت نسبة المشاركة بحلول ظهر اليوم 15%، وهي أعلى نسبة منذ عام 1984.
وقام نتنياهو وغانتس ليلة الاثنين وبشكل منفصل بزيارة إلى الحائط الغربي في القدس، أقدس المواقع الدينية لليهود، للصلاة عنده.
تقارب في استطلاعات الرأي
ومع الانتشار الأمني المكثف لتأمين الانتخابات حيث تم نشر حوالي 19 ألف عنصر من شرطيين ورجال أمن ومتطوعين، توقعت استطلاعات الرأي حصول كل من الليكود وأزرق وأبيض على 32 مقعدا في البرلمان المؤلف من 120 مقعدا.
وبعد تعادل نتنياهو وغانتس في الانتخابات الماضية في أبريل (نيسان)، قام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بعد التشاور مع الأحزاب بتكليف نتنياهو تشكيل الحكومة، لكنه فشل في مهمته، ويعتبر هذا الفشل أكبر هزيمة لحقت به في حياته السياسية. وبعد أسابيع من المناقشات غير المثمرة، فضل التوجه إلى انتخابات جديدة بدلا من المجازفة بأن يوكل ريفلين المهمة إلى شخص آخر.
والخطر الذي يواجهه نتنياهو يتعدى مسألة البقاء في منصب رئيس الوزراء الذي شغله للمرة الأولى بين عامي 1996 و1999، وأعيد انتخابه فيه عام 2009 ليبقى على رأس الحكومة مدة 13 عاما، أطول مدة يقضيها رئيس وزراء في منصبه في إسرائيل.
ويرى كثيرون أنه في حال فوزه سيسعى للحصول من البرلمان على حصانة من المحاكمة، في وقت يواجه احتمال توجيه اتهامات إليه في الأسابيع المقبلة في قضايا فساد.
وقال المدعي العام الإسرائيلي إنه يعتزم توجيه التهم إلى نتنياهو بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة، بناء على جلسة استماع مقررة في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أي بعد أيام قليلة على الانتخابات. ولن يطلب منه التنحي في حال اتهامه، بل فقط إذا ما أدين وبعد استنفاذ جميع الطعون.
وإدراكا للمخاطر، قضى نتنياهو الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية محاولا اجتذاب القوميين اليمينيين الذين يشكلون مفتاحا لإعادة انتخابه، وتحفيز قاعدته الانتخابية على التصويت. وفي هذا السياق قطع تعهدا مثيرا للجدل بضم غور الأردن الذي يشكل ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة، في حال فوزه.
وأطلق تحذيرات لا أساس لها من سرقة الانتخابات عن طريق عمليات تزوير في القرى والبلدات العربية. وندد منتقدوه بخطاب بلغ حد العنصرية. وركز في حملته على النمو الاقتصادي في إسرائيل وعلاقاته مع زعماء العالم مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وحاول وصف خصومه بأنهم "ضعفاء" و"يساريون"، على الرغم من رصيدهم الأمني. وقال على موقع فيسبوك أمس الاثنين "هذا هو الخيار الذي أمامك: حكومتهم اليسارية أو حكومة يمينية قوية بقيادتي".
في المقابل، قدم غانتس نفسه على أنه بديل مشرّف لنتنياهو، وتحدث مرارا عن رغبة الأخير في تشكيل ائتلاف مع أحزاب يمينية متشددة يمكن أن تساعده في طلب الحصانة من المحاكمة في البرلمان.
ويقول غانتس إنه يعتزم مع ائتلافه الوسطي أزرق أبيض الذي يضم ثلاثة رؤساء أركان عسكريين سابقين، تشكيل حكومة وحدة تدعمها الغالبية العظمى من الإسرائيليين.
وصرح الاثنين "نتنياهو يواصل نشر الأكاذيب الوقحة في محاولة يائسة لإنقاذ حكومته" مضيفا "إنه يكذب ويوبخ ويراوغ ويبث الفرقة".
شعبية ليبرمان
في غضون ذلك، تظهر استطلاعات الرأي شعبية كبيرة لليبرمان بسبب حملته ضد الأحزاب اليهودية المتشددة التي تعتبر جزءاً مهماً من ائتلاف نتنياهو المزمع.
ويتهم ليبرمان هذه الأحزاب بالسعي إلى فرض الشريعة اليهودية على العلمانيين في إسرائيل وهو يعتزم الدفع لإصدار قانون يضع حدا لإعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية الإلزامية.
وتمكن ليبرمان من منع نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومي بعد انتخابات أبريل (نيسان)، إذ تمسك بمطلبه المتعلق بالخدمة العسكرية لليهود المتشددين.
وليس من الواضح ما إذا كان ليبرمان سيؤيد تعيين نتنياهو لولاية جديدة رئيسا للحكومة. وإن لم يفعل، فقد يكون ذلك كافيا ليقرر الرئيس تكليف غانتس تشكيل الائتلاف المقبل.
سيناريوهات محتملة
ومع إغلاق صناديق الاقتراع وتقارب المنافسة بين نتنياهو وغانتس، رجح مراقبون عدداً من السيناريوهات المحتملة لما ستؤول إليه الانتخابات.
ويتمثل السيناريو الأول، في فوز نتنياهو بالسيطرة على أغلبية مقاعد الكنيست، حيث يفوز حزب الليكود مع الأحزاب اليمينية والدينية الثلاثة التي أعلنت بالفعل دعمها له بأغلبية. ومع الفوز بما لا يقل عن 61 مقعدا، لا يتكبد نتنياهو في هذه الحالة عناء كبيرا لتشكيل ائتلاف على غرار حكومته المنتهية ولايتها، التي أيدت موقفه المتشدد تجاه إيران والاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية معها عام 2015 واتخذت موقفا صارما.
ويتمثل السيناريو الثاني في عدم خروج فائز واضح من الانتخابات، وتشكيل حكومة وحدة بزعامة نتنياهو، التي من المرجح أن تتم بعد يوم الانتخابات، حيث يستشير الرئيس الإسرائيلي زعماء الأحزاب ويسألهم عمن سيدعمونه لتولي رئاسة الوزراء. ومن ثمّ يطلب الرئيس ريئوفين ريفلين من المرشح الذي يرى أنه الأوفر حظا محاولة تشكيل حكومة.
وحصل نتنياهو على فرصته بعد الانتخابات السابقة في أبريل (نيسان) لكنه أخفق في تشكيل حكومة خلال الفترة المحددة لذلك وهي 42 يوما. وإذا اختير مرة أخرى ووصل إلى طريق مسدود مجددا فإنه قد يخرج عن نطاق كتلته من الأحزاب اليمينية واليهودية لتشكيل ما يعرف باسم "حكومة وحدة" مع من هم خارج دائرة حلفائه الطبيعيين.
ومن المرجح أن يعني هذا بيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض الوسطي. الذي أشار إلى أنه لن ينضم إلى حكومة يتزعمها نتنياهو مشيرا إلى اتهامات محتملة له بالفساد. لكن السياسة الإسرائيلية تشتهر بمرونتها وتغير الولاءات فيها باستمرار.
ووفق مراقبين يتمثل السيناريو الثالث في تشكيل حكومة يمين وسط دون نتنياهو، إذا فشل الأخير مجددا في تشكيل حكومة فإن حزبه نفسه قد يطيحه لتمهيد الطريق أمام ائتلاف حاكم بين ليكود وأزرق أبيض تاركا إياه في غياهب السياسة. ولم يطرح أحد في ليكود مثل هذه الفكرة علنا حتى الآن. وقد يتغير هذا إذا أخفق نتنياهو في مباحثات تشكيل ائتلاف.
أما رابع هذه السيناريوهات، فتمثل في هزيمة واضحة لنتنياهو، وتشكيل حكومة يسار وسط، والتي يمكن أن تتم إذا حصلت أحزاب الوسط واليسار على أغلبية في البرلمان، فسيقود غانتس حكومة قد تضم إلى جانب حزبه، حزب العمل وحزب المعسكر الديموقراطي، وهو حزب علماني تشكل حديثا ويدعو للحفاظ على البيئة، دون الحاجة إلى التحالف مع اليمين. وستكون هذه المرة الأولى منذ التسعينيات التي يسيطر فيها اليسار على البرلمان. غير أن استطلاعات الرأي لا ترجح هذا السيناريو كثيرا، في ضوء تحول الناخبين المطرد صوب اليمين.
لكن، إذا تشكل ائتلاف يساري في نهاية المطاف، فسوف يسعى على الأرجح لمباحثات سلام مع الفلسطينيين وسيكون أكثر انفتاحا على تقديم تنازلات في إطار اتفاق سلام دائم. وربما يكون أيضا أكثر تقبلا للاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية مع إيران.
وأخيرا يأتي سيناريو إجراء انتخابات جديدة، في حالة لم يتمكن أي مرشح من تشكيل حكومة، فسوف تتجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة أخرى. لكن من المرجح أن يبذل المشرعون قصارى جهدهم لتجنب إجراء انتخابات ثالثة هذا العام.