ملخص
خطاب الحكومة الأردنية كان وما زال مسانداً للحراك الشعبي ويلتقي مع مطالبه لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم في غزة
منذ قيامه في 1946 واجه الأردن تحديات وجودية جمة أجهضتها حكمة العرش وقوة المؤسسات الدستورية والقانونية وحزم المؤسسة العسكرية والأمنية التي كانت وما زالت حامية لسيادة الأردن، منذ سبتمبر (أيلول) الأسود 1971، وصولاً إلى مؤامرة يونيو (حزيران) 2021، التي تورط فيها ولي العهد السابق ورئيس الديوان الملكي السابق، وآخرون. واليوم، يواجه الأردن بالعزم والتصميم نفسهما مؤامرات إيران وعملائها التي تستهدف أمنه واستقراره وسيادته، وسيكون مصيرها الفشل المحتوم.
وكثيراً ما دارت التحديات التي واجهت الأردن في فلك القضية الفلسطينية لارتباطها العضوي بالدولة والشارع الأردني، إذ إن فلسطين ونضال شعبها من أجل التحرر والاستقلال شكلا محوراً رئيساً في السياستين الداخلية والخارجية للمملكة، فمأساة الشعب الفلسطيني شأن داخلي أردني، فكلما اقترفت إسرائيل جرماً جديداً في حق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ينتفض الأردن عن بكرة أبيه، عرشاً وشارعاً للذود عن القضية بكل ما أوتي من قوة وفي كل المحافل الدولية.
ومغامرة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والمدفوعة من طهران أدت إلى زيادة الضغوط على الحكومة الأردنية، فالأوضاع الاقتصادية الأردنية تزداد تعقيداً في بلد لا يمتلك كثيراً من الموارد ويعتمد اقتصاده على الدعم الإقليمي والدولي وعلى التوازن الدقيق في علاقاته مع جميع الأطراف.
وحتى قبل السابع من أكتوبر المشؤوم، كان الأردن في وضع اقتصادي صعب، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى زيادة معدلات البطالة إلى ما يقارب الـ22 في المئة، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته منظمة أردنية غير حكومية أن 63 في المئة من الأردنيين ممن تراوح أعمارهم ما بين 18 و29 يفكرون في الهجرة بسبب الصعوبات الاقتصادية. ومنذ نهاية العام الماضي تشهد السياحة الأردنية انخفاضاً ملحوظاً نظراً إلى التوترات السياسية في المنطقة، مما ألحق مزيداً من الضرر باقتصاد ضعيف أصلاً.
ويزيد من صعوبة الوضع المحاولات المستميتة لبعض الأطراف السياسية من إخوان وقوميين ويساريين لتهييج الشارع الأردني، والدفع بالمواجهة مع أجهزة الدولة الأمنية لاستثمار نتائج هذا التصعيد المفتعل لزيادة قاعدتها الانتخابية.
في الواقع إن خطاب الحكومة الأردنية كان ولا يزال مسانداً للحراك الشعبي، ويلتقي مع مطالبه لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم في غزة، ويلقى الحراك الشعبي الدعم والحماية من الحكومة، إلا أن بعض سقوف القوى المندسة تريد بث الفوضى، والتشكيك بسيادة الدولة، واتهامها بالارتباط بإسرائيل، في تناغم مدفوع الثمن مع ما يسمى "محور المقاومة" الذي يعد الأردن ساحة للتوسعية الإيرانية ينبغي اختراقها لتنضم إلى عملائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وتنادي أبواق "حماس" بـ"النفير العام"، في الأردن فيما تعلن الميليشيات الإيرانية في العراق عن قيام ما سمته بـ"المقاومة الإسلامية في الأردن" لإسقاط النظام بالتالي فتح جبهة لإسناد "حماس" في حربها ضد إسرائيل، وتواجه البلاد حرباً شعواء عبر حدودها مع العراق وسوريا تتمثل في تهريب المخدرات، ومحاولات التسلل، واختراق سيادتها بالطائرات المسيرة، وإنشاء حسابات وهمية للتدخل في الشؤون الداخلية ونشر البيانات التضليلية.
"لن يمروا وفيها النشامى"
في مواجهتها المباشرة الأولى مع إسرائيل، والتي كانت أشبه بـرواية ماركيز "قصة موت معلن"، عمدت إيران على انتهاك السيادة الأردنية، مثلما تصنع كل يوم بسيادات مسلوبة في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وأكدت مهددة في بياناتها أنها تراقب من كثب تحركات الأردن حيال الضربة التي وجهتها لإسرائيل، وان الأردن سيكون هدفها التالي في حال تدخل، وحذرت الأردن مسبقاً ودول أخرى في المنطقة قبل بدء العملية.
الرد الأردني جاء على قدر أهل العزم، مؤكداً أن سلاح الجو الأردني يمتلك القدرات اللازمة لقصف القواعد التي انطلقت منها الصواريخ والمسيرات التي اخترقت الأجواء الأردنية، ومثلت اعتداءً صارخاً للسيادة الأردنية، وشكلت خطراً جسيماً على حياة أبنائه وأمنهم، وان التعامل الذي كان موضعياً معها هذه المرة لن يكون كذلك في المرة المقبلة، وأن من حق الأردن وأد أي تهديدات خارجية من أي نوع ومن أي مكان تنطلق منه.
في مقال نشر خلال الأيام الماضية في موقع المركز الأطلسي في واشنطن، أشار ويليام ويشسلر المدير الأول لبرنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، والنائب الأسبق لمساعد وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب إلى أن ما رمت إليه إيران من خلال قصفها الصاروخي وبالمسيرات ضد إسرائيل ما هو إلا خلق وضع طبيعي جديد، وتأسيس سابقة، وما عمليتها الأخيرة إلا جزء من تراكم عملياتي للإرهاب الإيراني تطور خلال عقود. وتراقب إيران حاليا ردود فعل المستهدفين من عمليتها الأخيرة، وإذا ما خلصت بأن استجاباتهم ضئيلة أو موقتة فإنها سترسخ تلك المسلكية الجديدة لتتحول إلى أمر طبيعي جديد، تماماً مثلما أسست خلال العقود الماضية لسوابق خطرة لإقامة منظومة من العملاء في طول وعرض المنطقة، وسلحتهم بأحدث التقنيات العسكرية للاعتداء على دول وشعوب المنطقة وعدت ذلك أمراً طبيعياً.
بالتالي فإن هذه السابقة اليوم تمتد إلى محاولة انتهاك السيادة الأردنية باعتبار أنه أمر طبيعي وحق أصيل لها لا يستدعي الاحتجاج، وأن أي عملية مستقبلية لا بد أن تمر فوق الأجواء الأردنية مثلما تمر فوق الأجواء العراقية أو السورية أو اليمنية بصورة طبيعية.
من هنا فإن الرد الأردني القوي الرافض لأي محاولة من إيران وعملائها لانتهاك المجال الجوي الأردني، وأن تكرار انتهاك السيادة الاردنية لن يمر دون رد، وسيتعامل معه عبر قصف مواقع انطلاق الصواريخ والمسيرات، سواء كانت في طهران أو في أي مكان آخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأردن والإسناد العربي والدولي
الأردن بموقعه المحوري يلعب دور بيضة القبان في التوازن الاستراتيجي الإقليمي، وهو بحياده الإيجابي في الصراع القائم بين التوسعية الإيرانية وأذرعها الإرهابية في المنطقة مع إسرائيل إنما ينأى بالنفس في أزمنة الأمواج المتلاطمة، لكنه في المقابل يسهم في حراك واسع مع أشقائه في قوى الاعتدال ومحور الازدهار الإقليمي الذي تقوده السعودية لممارسة مزيد من الضغوط ضمن حراك دولي يزداد قوة وحضور لوقف الحرب في غزة، والذهاب إلى حل الدولتين.
من هنا فإن تصريحات القيادة السعودية التي جاءت في خضم التوترات الداخلية في الأردن، وسبقت التطورات العسكرية الأخيرة هدفت لتأكيد دعم السعودية للأردن في كل ما يتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنه واستقراره، مؤكدة أن أمن الأردن واستقراره جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار السعودية.
إن النظر في الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الأردن اليوم يبرر منطلقات قلق المراقبين من إمكانية أن يتم استغلاله لضرب الدولة الأردنية، مما يستدعي موقفاً عربياً ودولياً داعماً لرفد الاقتصاد الأردني، وتقديم الدعم لجهود الحكومة الإصلاحية. فالأردن حالياً حصن تتكسر فيه مشاريع إيران وعملائها للاختراق وتهريب المخدرات ومحاولات فتح منافذ للإرهاب، مع إقرار المراقبين بأن المرونة السياسية للحكومة الأردنية تحول دون نجاح محاولات التفجير السياسي الداخلي الذي يتبناه الإسلاميون، و"حماس"، والميليشيات العراقية.
ولكن المراقبين يرجحون استمرار الضغط على الملف الاقتصادي، وثمة ملفان يستدعيان الاهتمام، الأول يتصل بالعلاقات الأردنية - الإسرائيلية والتوترات التي تشهدها بفعل الموقف الصلب للحكومة الأردنية إلى جانب الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية، واتفاق المياه الذي جددته الحكومة الأردنية أخيراً لعام آخر نظراً لشح المياه الكبير الذي تواجهه البلاد، والأخير أخطار أن يلقي التوتر بين عمان وطهران بظلاله على العراق، في ضوء اتفاق منطقة التجارة الحرة بين البلدين لعام 2009، والذي يمد الأردن بحاجاته من الغاز الطبيعي العراقي، والخشية من أن تتمكن الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية من إلغائه.
لقد قدم الأردن خلال عقود من الصراع الإقليمي، وما زال يقدم، صورة الحياد الإيجابي، فهو لم يشكل في أي يوم مصدر تهديد لأحد، أو بؤرة تحالفات ضد أحد، وبهذا استحق احترام وتقدير المجتمع الدولي لإسهاماته في صنع السلام والاستقرار الإقليمي.